[ أميركيون بمدينة نيويورك يحتجون على مقتل المواطن الأميركي جورج فلويد على يد شرطي (الأناضول) ]
لعل الاختلاف الأبرز الذي يميز الاحتجاجات التي تجتاح المدن الأميركية منذ أسبوعين تنديدا بالعنصرية وعنف الشرطة، عن مثيلاتها خلال السنوات الماضية هو الحضور الطاغي للأميركيين البيض بين حشود المتظاهرين.
المشاركة الكثيفة للبيض الذين خرجوا إلى الشوارع في مختلف مدن الولايات المتحدة من مينيابوليس وحتى العاصمة واشنطن، للمطالبة بتحقيق العدالة للأميركيين من أصل أفريقي أثارت العديد من الأسئلة عن دلالاتها وأسبابها.
صحيفة نيويورك تايمز نشرت تقريرا من إعداد الصحفيتين أيمي هارمون وصابرينا تايرنيس، يسلط الضوء على هذه الظاهرة، ويحاول الإجابة على بعض الأسئلة المتعلقة بها.
وأورد التقرير آراء العديد من الأكاديميين والشخصيات المشاركة في الاحتجاجات بشأن الظاهرة، من بينهم والتر ويغينز، وهو عامل فدرالي متقاعد وأميركي من أصل أفريقي، الذي أعرب عن دهشته لكثرة المتظاهرين البيض بين الحشود.
وقال ويغينز (67 عامًا) وهو يجلس بالقرب من قلب الاحتجاجات في واشنطن الأسبوع الماضي، "لقد اندهشت عندما رأيت الكثير من الشباب البيض هنا"، وتحدث عن مشاركته رفقة والديه في مسيرة الحقوق المدنية إلى واشنطن عام 1963 وأحداث أخرى تتعلق بالحقوق المدنية للأميركيين السود، وقال "في ذلك الوقت كان المحتجون من ذوي البشرة السوداء فقط".
دراسة
الحضور الكبير للمتظاهرين البيض بين جموع المحتجين كان واضحا للعيان، وقد أكدته دراسة قام بها باحثون في ثلاث مدن أميركية نهاية الأسبوع الماضي، ووجدت أن الغالبية العظمى من حشود المتظاهرين من فئة الشباب، وأن عددا كبيرا منهم من البيض وذوي التعليم العالي.
الدراسة التي قام بها فريق يتكون من 11 متطوعًا وأشرف عليها أساتذة من جامعتي ميريلاند وميشيغان، مكّنت من جمع بيانات تعود لـ195 شخصًا من المحتجين في نيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس، تعتبر أول نظرة منهجية عن المتظاهرين، وتقدم الأرقام التي توصلت إليها صورة تقريبية عن الحشود المشاركة في المظاهرات.
ووفقا للدراسة فإن المتظاهرين البيض يشكلون نسبة 61% من الذين شملهم الاستطلاع في نيويورك خلال عطلة نهاية الأسبوع، و65% من المتظاهرين في واشنطن، و53% من مجموع المتظاهرين في لوس أنجلوس.
لماذا؟
يرجع تقرير نيويورك تايمز أسباب الظاهرة إلى عوامل عدة، أولها أن مقطع الفيديو الذي يوثق مقتل جورج فلويد قد أثار الرعب في قلوب الأميركيين الذين بدأت نظرتهم لقضية اختلاف الأعراق تتغير منذ بعض الوقت، خاصة في صفوف الليبراليين البيض.
أما العامل الثاني فهو معارضة العديد من الأميركيين للرئيس دونالد ترامب، الذي خرجت حشود كبيرة تحتج على توليه سدة الحكم في اليوم التالي لانتخابه.
والعامل الثالث هو تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة وما صاحبه من إجراءات احترازية وإغلاق عام وجد معه ملايين الأميركيين أنفسهم محاصرين في المنازل ويتوقون إلى التواصل البشري، بما في ذلك طلاب الجامعات والمدارس، وهو ما أسفر عن خروج مئات الآلاف من الأميركيين البيض إلى الشوارع للمشاركة في المظاهرات.
وقد علق دوغلاس ماك آدم، عالم الاجتماع بجامعة ستانفورد، الذي يدرس الحركات الاجتماعية، على الاحتجاجات الحالية بالقول "ما يجري الآن مختلف تمامًا عن أي شيء شاهدناه من قبل، فمنذ مقتل مايكل براون في ضاحية فيرغسون بولاية ميزوري عام 2014، تخرج الاحتجاجات كلما أعلن عن وفاة أميركي من أصل أفريقي على يد الشرطة، ولكن الغالبية العظمى من المحتجين تكون من الأميركيين السود".
بيد أن المشاركة في المظاهرات لا تعتبر المظهر الوحيد لتعاطف الأميركيين البيض مع القضايا الحقوقية المتعلقة بالأميركيين من أصل أفريقي، فهناك موجة من مراجعة الذات، وإقبال كبير على اقتناء الكتب التي تتحدث عن العنصرية، والنقاشات التي تدور داخل العائلات حول الموضوع ضمن مظاهر أخرى، ولكن الوقت ما زال مبكرا على معرفة إلى أي حد يمكن لتلك المظاهر أن تترجم إلى تغيير أوسع نطاقا.