[ الخميني ]
كشف باحث إيراني كبير ظل لسنوات صديقاً شخصياً لرجل الدين الشيعي اللبناني الإمام موسى الصدر، خلال سبعينات القرن الماضي، أن الحاشية المحيطة بآية الله الخميني من المتطرفين هم الذين تخلصوا من الإمام الصدر، ليضمنوا استيلاءهم على الحكم في إيران واستمرارهم فيه، وهو ما حدث فعلاً في صيف العام 1978 عندما اختفى الصدر في ليبيا مع اثنين من مرافقيه.
وقال الدكتور علي نوري زادة، وهو صديق شخصي للصدر ويرأس مركز دراسات متخصصاً في الشؤون الإيرانية في لندن، إن الصدر كان أول من استشعر خطر وصول المتطرفين إلى الحكم في إيران أواخر سبعينات القرن الماضي، وأجرى اتصالات سرية مع الشاه محمد رضا بهلوي، وهو ما علم به الخميني ومن حوله، فقرروا التخلص من الصدر الذي كان يشكل خطراً عليهم وعلى طموحهم بالاستيلاء على الحكم في إيران، وهو ما تم بالفعل بالتواطؤ مع نظام معمر القذافي في ليبيا الذي كان على علاقة سيئة مع نظام الشاه في إيران.
وأوضح زادة في مقابلة خاصة مع موقع «العربية» الالكتروني، أمس، أنه كان في سبعينيات القرن الماضي يتردد على بيروت ويقيم في منزل الصدر شخصياً، وأنه يعلم بالاتصالات التي جرت بين الصدر والشاه، مشيراً إلى أن واحدة من الرسائل وصلت إلى الخميني بدلاً من الشاه نتيجة خيانة ما حدثت، وعندها قرر الخمينيون في إيران التخلص من الصدر الذي يشكل خطراً عليهم، ومنافساً للخميني في البلاد.
وتأتي هذه المعلومات لتؤكد ما نشرته «نيويورك تايمز» قبل أيام وسيظهر في كتاب جديد سيصدر في الولايات المتحدة للكاتب الأميركي البروفيسور أندرو سكوت كوبر، وهو الكتاب الذي سيثبت كيف أن الخميني هو الذي تخلص من الصدر، وأن القذافي لم يكن سوى منفذ للعملية، لكن الكاتب الأميركي يقول إن الصدر تم قتله في ليبيا ومن ثم وضع في تابوت خرساني وألقي في وسط البحر الأبيض المتوسط، فيما يقول زادة إن القذافي وضع جثة الصدر في بركة من الأسيد وقام بتذويبها حتى أصبح أثراً بعد عين.
وكان الصدر سافر إلى ليبيا في أغسطس من العام 1978 وفي 31 من ذلك الشهر شوهد آخر مرة في مطار طرابلس وهو يهم بالمغادرة، حيث يزعم نظام القذافي منذ ذلك الوقت أن الصدر ومرافقيه الاثنين غادروا ليبيا إلى إيطاليا، فيما تنفي إيطاليا أن يكونوا قد وصلوا مطارها أو دخلوا أراضيها، ومنذ ذلك التاريخ لم يظهر أي منهم، كما لم يتم العثور على أي جثة لهم.
وبحسب زادة، فإن ما يؤكد تورط حاشية الخميني بالتدبير للتخلص من الصدر، فهو أنه منذ وصول الخميني إلى الحكم وسقوط الشاه لم يعد النظام في إيران يطالب ليبيا بمعلومات عن الصدر، بل تلقى الخمينيون أموالاً وأسلحة من نظام القذافي مقابل إغلاق ملف الصدر وسكوتهم عن اختفائه.
وأضاف زادة إن «قصة غياب الإمام موسى الصدر تعود إلى مرحلة دقيقة من الثورة الإيرانية، فنحن نتحدث عن مرحلة ما بعد إحراق سينما «ريكس» مباشرة، حيث كان الإمام موسى الصدر على علم بمن هو وراء هذه الجريمة، حيث كان في تلك الفترة ثمة دعاية موجهة ضد النظام في إيران وتتهم جهاز الاستخبارات الإيراني (السافاك) بالقيام بإحراق السينما، فيما كان يعلم الصدر من وراء العمل، فأرسل رسالة إلى السفير الإيراني في السعودية السيد جعفر الرائد وأبلغه بأنه يعرف من قام بهذه الجريمة، وقال له إن هؤلاء لن يتوقفوا عن أعمالهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى السلطة، ولم يذكر حينها اسم الخميني، وإنما حاول الاتصال مع الشاه».
وأكد زادة أن «الصدر كان على صلة وثيقة مع الحكومة في إيران، ولكن حصل خلاف بينهما، والسبب وراء ذلك أن سفير إيران في بيروت بتلك الحقبة كان ضابطاً في الاستخبارات الإيرانية اسمه منصور قدر، وهذا الرجل كان معارضاً للإمام الصدر، حيث سافر الصدر إلى إيران وقابل الشاه وطلب منه إنشاء مستشفى ومعهد للشيعة في جنوب لبنان، فوافق الشاه على تحويل مليوني دولار إلى لبنان لتنفيذ المشروع، وعندها بدأ السفير المماطلة في تسليم المبلغ للإمام الصدر من أجل استكمال المشروع، وبعد ذلك اشتكى الإمام الصدر وامتنع عن قبول المال».
وأضاف زادة «كان في السفارة الإيرانية ببيروت رجل متعاطف مع الصدر، وهو رجل معروف ويقيم في فرنسا الآن واسمه معين زادة، حيث أتى به الصدر وسلمه رسالة إلى الشاه كان مضمونها: يا جلالة الشاه، أنا أستطيع أن أتوسط بينكم وبين المعارضة، وقادة الجبهة الوطنية كلهم أصدقائي، عليكم تشكيل حكومة وحدة وطنية بزعامة مهدي بازركان، وأنا سأشجع معارضيكم مثل قطب زادة، وشمران، أن يعودوا إلى إيران وأن يساعدوكم».
وبحسب الدكتور علي زادة، فإن الوسيط تسلم الرسالة من الصدر وسافر بها إلى إيران، لكن رئيس الاستخبارات الإيرانية آنذاك الجنرال مقدم أخذ منه الرسالة لتسليمها إلى الشاه، لكنه بدلاً من تسليمها إلى الشاه، سلم نسخة منها إلى جماعة الخميني في إيران.
وأضاف زادة أنه «على الرغم من التقارب العائلي بين الخميني والصدر، حيث إن ابن الخميني متزوج من ابنة أخت موسى الصدر، إلا أن الخميني وحاشيته شعروا بأن الصدر سيكون حائلاً بينهم وبين الحكم في إيران، وبدا واضحاً حينها أن الصدر يستطيع أن يفعل شيئاً، بما في ذلك إنقاذ نظام الشاه بتشكيل حكومة وحدة وطنية وحل البرلمان وإجراء انتخابات حرة، وكان الشاه سيوافق حينها بالتأكيد على مبادرة الصدر لأنه لم يكن في وضع يسمح له بغير ذلك».
وأكد زادة حديثه أن «جماعة الخميني، وليس الخميني نفسه، جميعهم كانوا أعداء للصدر، وكان من بينهم من هو على علاقة جيدة بالقذافي، وعلى رأسهم رجل اسمه جلال الدين الفارسي الذي كان في بيروت يتزعم خلية من الثوار الإيرانيين».
وخلص زادة إلى القول إن «الإمام اختفى، والخميني انتصر، وكان الجميع يتوقع أن يكون أول شيء يفعله الخميني أن يذهب مع من يدعون أنهم ثوار للتحقيق في مصير الصدر بليبيا، لكن ما حدث أن رجال القذافي ذهبوا إلى ليبيا فقبضوا الأموال من القذافي وعادوا إلى طهران ليصدروا أمراً بمنع الكتابة في قضية الصدر أو الحديث بها في وسائل الإعلام، لا بل نشروا الكثير من المقالات والتقارير التي تحاول تشويه صورة الصدر».