سلَّطت وكالة بلومبيرغ الأميركية، الخميس 15 فبراير/شباط 2018، الضوء على العناصر المسلحة الروسية غير الرسمية التي تخدم أجندة الرئيس فلاديمير بوتين في الحرب الدائرة في سوريا، دون أن تكلفه أية تبعات.
وقالت الوكالة الأميركية في تقرير لها، إن من الأرجح أن تكون القوات الأميركية بسوريا قد قتلت في وقت متأخر من مساء 7 فبراير/شباط 2018، وخلال الساعات الأولى من صباح 8 فبراير/شباط 2018، أكبر عدد من القوات الروسية منذ انتهاء الحرب الباردة، بما يتجاوز 200 جندي روسي. ومع ذلك، لن يكون هناك أي ردود فعل دولية، ولن يحصل أي من هؤلاء الجنود الروس على أوسمة بعد وفاتهم، على غرار الطيار المقاتل رومان فيليبوف، الذي تم إسقاط طائرته بسماء سوريا في وقت مبكر من هذا العام (2018)، ورفض الوقوع في الأَسر حتى اضطر إلى تفجير نفسه باستخدام قنبلة يدوية.
مرتزقة وليسوا جنوداً نظاميين
وأرجعت الوكالة الأميركية سبب عدم تأكيد العدد الفعلي للقتلى بصورة رسمية، إلى أن هؤلاء الروس كانوا من المرتزقة، وليسوا جنوداً نظاميين، ولم تكن لمهمتهم علاقة بأهداف روسيا الجغرافية السياسية في سوريا؛ بل كانوا يحاولون الاستيلاء على أحد معامل التكرير في حقل الإسبا للنفط والغاز بمحافظة دير الزور الغنية بالنفط، وهي المحافظة التي كانت توفر، في وقت سابق، معظم الثروة النفطية لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بسوريا.
وأضافت الوكالة الأميركية أن وزارة الدفاع الروسية قالت إنهم كانوا "أفراداً من الميليشيات السورية"، وكانوا يشنون عملية عسكرية ضد إحدى الخلايا النائمة لتنظيم "الدولة الإسلامية". ومن الأرجح أن يكون هؤلاء في مهمة تجارية محضة لصالح نظام بشار الأسد -الذي يرغب في الوصول إلى النفط؛ حتى يستطيع إعادة تعمير المناطق التي تخضع لسيطرته– ربما مقابل حصة في ذلك النفط.
وبحسب الوكالة الأميركية، تشارك روسيا في حربين بالوقت الحالي؛ إحداهما تشنها القوات النظامية من أجل الأولويات الجغرافية السياسية للكرملين. وتضم الحرب الأخرى مرتزقة يسعون وراء الربح التجاري. والفارق بين الحربين ليس ضبابياً كما قد يبدو. ومع ذلك، فهناك تداخل بينهما في بعض الأحيان.
حربان لبوتين في سوريا
ويعد الوضع في سوريا بمثابةِ أوضحِ نموذجٍ لكيفية إدارة كلتا الحربين حتى وقتنا هذا. فهناك القوات الروسية الرسمية، التي احتفت بالفعل بالنصر وأشادت بالخبرات القتالية التي اكتسبتها؛ وكان هدفها هو إنقاذ نظام الأسد وفقدان أقل عدد ممكن من القوات العسكرية الروسية (يُذكر أن 44 جندياً فقط من القوات الروسية قد لقوا حتفهم)، وتحقيق وجود أكبر لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وجعل روسيا طرفاً رسمياً في تسوية العديد من أزمات المنطقة.
وهناك أيضاً شركة فاجنر العسكرية الخاصة، ومقرها جنوب روسيا، والتي تستعين بالأشدّاء من الجنود السابقين مقابل منحهم راتباً، يتجاوز في المعتاد ما يحصل عليه الجنود النظاميون، ولكن دون أن يتم تزويدهم بالمعدات الحديثة والمتطورة والدعم الرسمي الذي تقدمه الدولة للقوات النظامية. ويمكن أن تأتي الرواتب من الحكومة الروسية، ولكن تسددها أيضاً مشروعات أخرى، مثل الاستيلاء على المرافق النفطية لصالح الأسد، بحسب الوكالة الأميركية.
وترى الوكالة الأميركية أنه يجب أن تحارب القوات النظامية في صف واحد مع قوات "فاجنر" غير النظامية. ويساعد ذلك على دعم الأجندة الجغرافية السياسية لروسيا. ومع ذلك، غالباً ما يكون حجم التنسيق بين الفريقين ضعيفاً للغاية. ففي سوريا، تعمل شركة فاجنر لصالح الأسد، وليس روسيا. ويوجد خط فاصل بين الحربين في كل من النصر والهزيمة. فإذا نجحت حملة الاستيلاء على معمل التكرير، يحتفي الأسد بمفرده بذلك الانتصار.
وتتمثل أسباب تسريب معلومات عن خسائر شركة فاجنر وتأكيد تلك المعلومات من خلال مصادر متعددة، في أن العديد من الرجال الذين شاركوا بحرب سوريا، كانوا قد شاركوا من قبلُ في نزاع أوكرانيا. ولهذا السبب، يتلقى إيجور جيركن، القائد العسكري السابق لما يُعرف باسم جمهورية دونتسك الشعبية، تقارير عن الجنود القتلى، وكيفية تأكيد المحققين الهواة الذين يتحرّون المشاركة الروسية في النزاع الأوكراني –مثل فريق استخبارات النزاع الأوكراني– عن أسماء بعض هؤلاء الذين لقوا مصرعهم، بحسب الوكالة الأميركية.
الوضع في أوكرانيا أشبه بسوريا
ويعد الموقف في شرق أوكرانيا مماثلاً للوضع بسوريا، ولكنّ هناك تداخلاً بين القوات النظامية وغير النظامية الروسية. ويحظى الكرملين باهتمامات جغرافية وسياسية واضحة بالمنطقة -تتمثل في زعزعة استقرار أوكرانيا– ومع ذلك، لا يمكن مناقشة تلك الاهتمامات علناً، بحسب "بلومبيرغ".
وكان بوتين حذراً في تعليقه الوحيد على الأمر، الذي أدلى به خلال مؤتمر صحفي عام 2015، حيث قال: "لم نذكر مطلقاً أنه لا يوجد أشخاص هناك يشاركون في تسوية بعض القضايا، ومن بينها المجال العسكري، ولكن ذلك لا يعني وجود القوات النظامية هناك". ولم تؤكد روسيا مطلقاً إرسال وحدات نظامية في اللحظات المصيرية من حرب شرق أوكرانيا، رغم أن تلك العمليات موثقة توثيقاً جيداً. ووُجِدت أيضاً قوات شركة فاجنر والقوات المحلية غير النظامية، التي شاركت في القتال بدافع وطني من ناحية، وللحصول على حصة من الثروة المعدنية بتلك المنطقة من ناحية أخرى.
وكما هو الحال في سوريا، فإن الاهتمامات الجغرافية السياسية للكرملين لا تتفق مع الاهتمامات التجارية للقوات غير النظامية بنسبة 100%. ومع ذلك، لا تستطيع القوات غير النظامية أن تفعل شيئاً يضر بجدول أعمال بوتين دون مواجهة عقوبة قاسية، بحسب الوكالة الأميركية.
دور المرتزقة في تحقيق أهداف بوتين
وبحسب "بلومبيرغ"، لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي تقوم به قوات المرتزقة في النزاعات الروسية. فهي تعد امتداداً للثقافة المستقلة التي انتعشت في ظل حكم بوتين داخل أجهزة إنفاذ القانون الروسية، حيث استعانت أجهزة الاستخبارات بالغوغاء وقراصنة القبعة السوداء في مهام عرضية تحقق لهم عائدات مالية. ومع ذلك، يرى الكرملين على المستوى الرسمي –الجانب الذي يشن الحروب الجغرافية السياسية– أن الإنكار هو الأهم. ولكن في حالة دير الزور، من الصعب للغاية الاستمرار؛ بسبب عدد الضحايا.
ويوضح الحادث كيف يمكن أن تكون مشاركة القوات الروسية غير النظامية بالنزاعات للمساعدة في تنفيذ جدول أعمال بوتين- محفوفة بالمخاطر. وطلب غريغوري يافلينسكي، الليبرالي المرشح بالانتخابات الرئاسية الشكلية في روسيا، أن يقدم بوتين مبرراً للوفيات الروسية. والأهم من ذلك، تنتشر أنباء عن الجنازات والعائلات المنكوبة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يبالي العديد من الروس بشأن الوضع الخاص للمقاتلين. وسوف يلفت هؤلاء، مثل جيركن وحلفائه الوطنيين، الانتباه إلى عدم قدرة بوتين على على الرد على المذبحة التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد المواطنين الروس، الذين يعتبرون الولايات المتحدة حالياً أكبر عدو لهم، بحسب الوكالة الأميركية.
سوف يروي أفراد المرتزقة العائدين أيضاً قصصاً عن اللامبالاة من جانب الدولة. وأشكُّ في أنهم يتفهَّمون مدى الفارق الكبير بينهم وبين الجيش العسكري النظامي. وفي الواقع، ربما يعتقدون أنهم يشاركون في حرب روسية، وليست حرباً تابعة لإحدى الشركات الخاصة. ورغم أن ذلك وهْم، فإنه سوف يسهم في الاستياء من النظام الحاكم، الذي يفرِّق بين المقاتلين الذين يشاركون في أعماله القذرة ويقسمهم إلى قوات من الدرجة الأولى وقوات من الدرجة الثانية. وتعد تلك قضية أخرى تواجه نظام بوتين، الذي يخفق في الحفاظ على حياة المواطنين الروس.