انتقدت كلٌّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بقوة، الهجومَ التركي على شمالي سوريا، لكنَّ الدول الثلاث غير مستعدة حتى الآن لمطالبة شريكتهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالانسحاب.
وربما يعني الموقف المتواضع الذي يحث تركيا على الحد من الضحايا، أنَّ بإمكان أنقرة المضي قُدُماً بمحاولاتها لإخراج الأكراد السوريين من منطقة عفرين شمال غربي سوريا، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
مشكلة الغرب تكمن في أنَّه لا يمكنه، مع اقتراب الحرب في سوريا من نهايتها، تحمُّل فقدان الدعم الدبلوماسي التركي، لأنَّ أنقرة هي القوة المقابلة الأساسية للسلام الذي ترغب روسيا في فرضه.
كارثة لواشنطن
وقد يدفع الانشغال التركي بالأكراد السوريين على حدودها، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للتوصل إلى اتفاقٍ مع دمشق وموسكو.
ومن شأن ذلك أن يُشكِّل كارثةً للولايات المتحدة، بعد أسبوعٍ فقط من تأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، التزام إدارة ترامب بالحل السياسي في سوريا، الذي يتضمَّن في النهاية إزاحة بشار الأسد والميليشيات التي تقودها إيران.
مثَّل الخطاب -الذي تمتلك وزارة الخارجية البريطانية يداً كبيرة فيه- نقطةً فاصلةً بصورةٍ ما، ولم يحظ بتقديرٍ كبير في أوروبا. في السابق، كانت سياسة ترامب تجاه سوريا تتمثَّل في مجرد القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ونبذ الحديث عن مهمة لبناء الدولة هناك. لكنَّ خطاب تيلرسون تعرَّض لانتقادٍ واسع لأنَّه مليءٌ بالتطلُّعات، فقيرٌ في التفصيل بشأن أوراق الضغط الحقيقية التي تمتلكها الولايات المتحدة والغرب، للضغط على موسكو كي تتخلى عن الأسد.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنَّ لديهم بعض الرهانات على الأرض: تهديد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسحب أموال إعادة الإعمار، والتعهُّد بإبقاء 2000 جندي أميركي داخل سوريا إلى أجل غير مسمى، والالتزام المُشوَّش بعض الشيء بمساعدة الأكراد لتشكيل قوة حدودية شمالي سوريا. وقد حذَّر الوزراء البريطانيون أيضاً مِراراً من أنَّ السلام الذي تفرضه روسيا ويترك الأسد ببساطة في الحكم، لن يكون مُستهجَناً أخلاقياً وحسب، بل وغير مستقر كذلك.
لكنَّ قيمة كل أوراق الضغط تلك تتضاءل كثيراً إن افتقدت إلى دعم تركيا، البلد الذي لَطالما دعم المعارضة السورية في الحرب الأهلية المستمرة منذ 7 سنوات.
وإذا ما انحازت تركيا بدلاً من ذلك إلى جانب موسكو، فستكون روسيا قادرةً على المضي قدماً بتسويتها السياسية من أجل سوريا، التي ستُطلَق في مؤتمر الحوار الوطني السوري، وهو الحدث الذي ترعاه أيضاً تركيا وإيران، ومن المُقرَّر عقدُه بمنتجع سوتشي، المُطِلّ على البحر الأسود، في 29 و30 يناير/كانون الثاني الجاري.
ماذا يخشى الغرب؟
يخشى الغربُ من اعتبار فلاديمير بوتين سوتشي بديلاً عن مباحثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، واعتبارها كذلك تأكيداً لسطوة روسيا في أرجاء الشرق الأوسط. وقد تكون أيضاً وسيلة للتصديق على اتفاقٍ يترك الأسد في السلطة، إلى جانب إدخال بعض التغييرات البسيطة على الدستور السوري.
وفي محاولةٍ للحفاظ على أولوية عملية الأمم المتحدة والخروج بنتيجةٍ سياسية طويلة الأجل تحظى بقبولٍ واسع، سيعقد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، جلستي مباحثاتٍ مع كلا الطرفين في سوتشي، الأولى ستنعقد في 25-26 يناير/كانون الثاني.
وقد أجَّلت موسكو مؤتمر سوتشي أكثر من مرة، أساساً بسبب اعتراض تركيا على توجيه أي دعوة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب الكردية (YPG). وترى تركيا أنَّ وحدات حماية الشعب الكردية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحزب العمال الكردستاني داخل تركيا.
تقارب بين روسيا وتركيا
لكنَّ أحداث الأيام القليلة الماضية، تشير إلى أنَّ تركيا وروسيا قد تكونان قريبتين من التوصُّل إلى اتفاق. فقد توجَّه مسؤولون عسكريون أتراك إلى موسكو قبيل الهجوم التركي، من أجل الحصول على ضماناتٍ بعدم مهاجمة سلاح الجو الروسي داخل سوريا للوحدات التركية. ثُمَّ أعلنت موسكو، الإثنين 22 يناير/كانون الثاني، أنَّ مُمثِّلي الأكراد ستجري دعوتهم إلى سوتشي، دون الإفصاح عن هُوية المُمثِّلين بالتحديد.
ويمكن تمييز الخطوط العريضة للاتفاق، الذي تدعم فيه تركيا عملية السلام الروسية، وتقبل موسكو ضمناً بالتحرك التركي لإضعاف السوريين الأكراد على حدودها.
بإمكان الولايات المتحدة الجدال بأنَّها تساهلت مع التوسُّعات الإقليمية الكردية شمالي سوريا، خصوصاً غربي نهر الفرات، فقط لأنَّه كانت هناك حاجة للميليشيات الكردية ضمن قوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش، لكن الآن بعد الانتصار في تلك المعركة، فإنَّ أولوية الولايات المتحدة هي وقف السقوط الحر في علاقاتها مع تركيا. وإن كان ذلك يعني موطئ قدمٍ تركياً مؤقتاً في الأرض الخليط، المُسمَّاة سوريا، فليكن.