يرى محللون سياسيون فلسطينيون، أن العلاقات الثنائية بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وإيران، ستشهد تقاربا كبيرا، خلال الفترة المقبلة، وستعود "قوية" كما كانت سابقا، قبل الأزمة السورية.
ورأوا أن الحركة اضطرت للعودة لإيران بعد أن ووجهت بالعداء من قبل النظام العربي الرسمي، وبخاصة من السعودية، بعد تقارب، لم يستمر طويلا.
وأشاروا إلى أن القيادة الجديدة للحركة، التي انتخبت منتصف العام الجاري، تسعى لاستعادة العلاقات القوية مع طهران، تجنبا للعزلة في المنطقة، وسعيا للحصول على الدعم اللازم.
وتوترت علاقات إيران، مع حركة حماس، في أعقاب مغادرة رئيسها خالد مشعل، العاصمة السورية دمشق، في فبراير/شباط 2012، ليتخذ من العاصمة القطرية، الدوحة، مقرا له.
وزاد من حدة هذا التوتر، التقارب "المؤقت"، الذي شهدته علاقات "حماس"، مع "الرياض"، الخصم اللدود لإيران.
وسعت "حماس"، عقب وفاة العاهل السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في يناير/كانون ثاني 2015، وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم، للتقارب مع الرياض، وفتح صفحة جديدة معها.
وكانت علاقات الحركة مع المملكة، أواخر عهد الملك "عبد الله"، متوترة بشدة، نظرا لعداء الأخير الشديد لجماعة الإخوان المسلمين، والحركات المقربة منها.
وشهد تقارب حماس، من الرياض ذروته، في يوليو/تموز 2015، حينما زارها خالد مشعل، والتقى بالعاهل السعودي، الملك سلمان، وولي عهده السابق، محمد بن نايف، وولي ولي العهد، محمد بن سلمان (ولي العهد الحالي).
وتحدثت تقارير صحفية في ذلك الوقت، عن رغبة الرياض في ضم "حماس" للتحالف السني، ضد إيران، وحلفاءها في المنطقة.
وتسببت زيارة مشعل للرياض، بغضب إيران، حيث قالت تقارير، آنذاك، إن طهران ألغت زيارة كانت مقررة لوفد قيادي من حماس.
كما هاجمت صحف إيرانية، في تلك الفترة، حماس ورئيسها خالد مشعل؛ ونقلت عن مسؤول رفيع في "الحرس الثوري"، استنكاره لتلك الزيارة، وتساؤلاته حول أسبابها، واعتبارها موجّهة من السعودية ضد إيران".
بيد أن علاقات حماس، والرياض، لم تشهد تطورا كبيرا، وعادت للتوتر من جديد مع بدء الأزمة الخليجية الأخيرة، في أعقاب فرض السعودية والإمارات ومصر والبحرين، حصارا على دولة قطر، في 5 يونيو/حزيران الماضي.
وزاد من توتر العلاقات، مطالبة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في 6 يونيو/حزيران، دولة قطر بالتوقف عن دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين وحركة (حماس).
وأثار بيان الجبير، غضب حماس، حيث ردت عليه في بيان صحفي، عبّرت خلاله عن "الأسف والاستهجان" لتصريحاته.
وفي أعقاب انتخاب إسماعيل هنية، رئيسا للمكتب السياسي لحماس، خلفا لخالد مشعل، بداية مايو/أيار الماضي، بدأت الحركة في تغيير سياساتها الإقليمية، حيث عملت على استعادة الدفء في علاقاتها مع إيران، وحليفتها منظمة حزب الله اللبنانية.
وزار وفد برئاسة صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، العاصمة الإيرانية، طهران، في 23 أكتوبر/تشرين أول الماضي، والتقى بمسؤولين إيرانيين كبار.
وقال العاروري في تصريحات صحيفة، خلال الزيارة آنذاك، إن حركته "تتعهد بالحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران واحتفاظ الحركة بسلاحها".
والأربعاء قبل الماضي (1نوفمبر/تشرين ثاني الجاري) التقى نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" صالح العاروري، مع الأمين العام لـ"حزب الله" في بيروت.
وشدد الطرفان على "التلاقي بين الحركات المقاومة والتنسيق فيما بينها لمواجهة الاحتلال"، و"تجميع قوى المقاومة وحشدها ضد الاحتلال".
**بحث عن الدعم
ويرى الدكتور وليد المدلل، رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة (غير حكومي)، أن "السياسات السعودية الأخيرة"، دفعت حركة حماس نحو المحور الإيراني مجددا.
وقال لوكالة الأناضول:" هناك موجة عداء تقودها السعودية ضد حماس، ومن الطبيعي أن تبحث (الحركة) في الوقت الراهن عن الداعمين لها سياسيا وعسكريا وماليا".
وأضاف:" علاقة حماس مع المحور الإيراني تتعافى بشكل كامل، عقب انتخابات حركة حماس الأخيرة".
ولفت إلى أن حماس قررت استعادة علاقاتها مع إيران، كونها "غير معنية بالمغامرة في ظل الظروف العربية الراهنة والإقليمية"، وخسارة هذه العلاقات التي تعود عليها بالفائدة.
وقال:" حماس لن تتلقى دعما ماديا أو لوجستيا، من قبل المحاور الأخرى، بخلاف المحور الإيراني، فهي ليست على استعداد لخسارته".
لكنه أشار إلى أن حماس غير معنية باستعداء الأطراف الأخرى، كالسعودية ومصر والإمارات، في ذات الوقت.
**رفضا للتقارب العربي الإسرائيلي
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، أن أسباب اقتراب حماس من إيران، تتمثل في "تقارب النظام العربي من إسرائيل، وهو ما يضر بمصالح الشعب الفلسطيني وقضيته".
وأضاف:" حماس تريد دعم المقاومة، وهذا ما لم تلبيه الدول العربية، فيما لبته إيران".
وتابع:" المقاومة ومصلحة الشعب الفلسطيني، تتصدر الاعتبارات التي تحكم علاقات حماس مع جميع الأطراف".
ويرى الصواف أن حماس، تحاول من خلال علاقتها مع إيران وحزب الله، "تطوير القدرات العسكرية للمقاومة ".
وتابع: "حماس في سياساتها تبحث عن الانفتاح مع الجميع، وهي تبحث عن دعم المقاومة بكل أشكالها، سواء المالية اللوجستية، أو السياسية والعسكرية".
** بحثا عن الدعم وهربا من العزلة
بدوره، يشير الدكتور عدنان أبو عامر، المحاضر في العلوم السياسية بجامعة الأمة بغزة (خاصة) إلى أن حماس ترى أن مصالحها تتمثل بالحفاظ على علاقات قوية مع إيران بشكل أساسي، بهدف الحصول على الدعم المالي أو العسكري".
وقال إن الحركة تعتبر علاقاتها مع إيران، بمثابة دعم إقليمي لها، خاصة بعد حالة الرفض التي واجهتها من دول عربية رئيسية كالسعودية .
ورأى أبو عامر أن المتغيرات في المنطقة، والعزلة التي عانت منها حماس، دفعتها للتقارب مع المحور الإيراني، حسب قوله.
ولفت إلى أن عودة العلاقات مع طهران، جاءت بعد "غياب الرئيس السابق لحماس خالد مشعل عن المشهد السياسي".
ويضيف أبو عامر:" من الواضح أن الطرفين يواجهان حالة تغيرات إقليمية متسارعة في هذه المرحلة، ويبدو أن هناك مصالحة متبادلة بالتقارب في ظل حالة البرود التي حصلت في السنوات الاخيرة بفعل الملف السوري".
ويلفت أبو عامر إلى أن إيران معنية كذلك، في استعادة علاقاتها مع "حماس"، بهدف إعادة ترميم المحور الإيراني، الذي يضم أيضا "سوريا"، وحزب الله اللبناني.
واستدرك قائلا:" المنطقة تشهد استقطابا غير مسبوق، في عملية اعادة ترتيب المحاور السياسية أو إيجاد محاور جديدة".
غير أن أبو عامر رأى أن بعض دول المنطقة مثل مصر، لن تتقبل تقارب حماس مع إيران، وهو ما يخلق تحديات أمام الحركة، تتمثل في قدرتها على الحفاظ على علاقتها مع مختلف الأطراف المتصارعة.
**العرب رفضوا "حماس"
من جانبه، يقول إبراهيم المدهون، الكاتب والمحلل السياسي، أن النظام العربي الرسمي، الذي تقوده السعودية، لم يسمح لحماس بالتقارب معها، وهو ما دفعها للتحالف مع إيران، تجنبا للعزلة الإقليمية.
لكن المدهون، يلفت في ذات الوقت، إلى أن الحركة، لا تريد استعداء الرياض أو غلق الباب أمام استعادة العلاقات معها.
وقال:" حماس ستعمل جاهدة للحفاظ على علاقة متوازنة مع كافة الأطراف، فهي لا تريد التصادم مع أي دولة أو صراعات جانبية".
وأضاف:" لا تريد حماس خسارة السعودية، باعتبارها قوة إقليمية مؤثرة، لكنها مضطرة للتحالف مع من يدعمها بالمال والسلاح".
وأضاف:" عودة العلاقات مع إيران إلى ما كانت عليها قبل الثورة السورية، يعتبر "تطورا نوعيا استراتيجيا".
وتابع:" لا يوجد أي عائق بين تطوير العلاقات بين حماس وإيران وحزب الله، فالواقع الاقليمي بات يدفع لتطوير العلاقات ".