ليس من السهل بناء أسس لحوار عربي- إيراني، فهناك أكثر من وجهة نظر عربية في 22 دولة عربية، وهناك نظام إيراني وحيد. إن وجهات النظر العربية تتقاطع، لكنها لا تتطابق، وهي في حالات عدة تتناقض وتتصارع. أما الرأي الإيراني فهو الآخر قد يختلف بين النظام ومعارضيه في الداخل والخارج، لكنه يميل للتجانس في عدد من القضايا، التي تجمع معظم الإيرانيين. الحوار العربي- الإيراني، رغم كل الأبعاد والخلافات، حوار ضروري وهام في زمن تفاقمت عبره النزاعات، خاصة في سوريا والعراق واليمن. فبالرغم من الدور الإيراني، في لبنان واليمن، إلا أن مربط القوة والتأثير الإيراني يقع في كل من العراق وسوريا.
وعلى سبيل المثال من الصعب أن يقع في العراق تشكيل حكومي وسياسة لا تحظى بقبول إيران. فقد أدى تهميش السنة في العراق في السنوات الماضية لبروز داعش، وتحول الأمر لحرب ضروس تدخل فيها الإقليم، بالإضافة للولايات المتحدة، وأدت سياسة إيران بنفس الوقت لتهميش قوى شيعية عديدة في العراق لصالح مدرسة أقرب لرؤية الجمهورية الإسلامية. إن الصراع حول العراق فتت العراق وفجر مكوناته وساهم في حربه الأهلية كما وفي تحويله للتبعية والضعف. السعي الإيراني للسيطرة وصل لمداه في جنوب العراق وبغداد، وذلك من خلال الحشد الشعبي الذي استخدم بالأساس لمواجهة قوات داعش. قد يصح القول إن رئيس الوزراء الحالي في العراق يبحث عن معادلة شراكة واستقلالية عن إيران. فالتحدي أمام العراق ليس بين العداء لإيران أو التبعية لها، بل في السعي لبناء حالة من الاستقلالية في ظل حسن الجوار والعلاقة بين متساويين. العراق التابع لإيران ضعيف مفكك وعبء عليها على المدى الاستراتيجي.
وينطبق ذات الأمر على سوريا. في سوريا لم تفهم إيران طبيعة الثورة. ففي الشهور الأولى الستة للثورة لم يكن هناك متطرفون في سوريا، بل سعت الثورة السورية لتحقيق مطالب مبسطة حول الإصلاح ورغبات الشعب في الكرامة والحرية. إن ما وقع في سوريا يشبه ما وقع في بداية الثورات في تونس ومصر واليمن وليبيا وحتى البحرين. لكن إيران فشلت في قراءة اللحظة، مما جعلها عرضة للتداخل مع دموية النظام. إن الموقف الإيراني في سوريا أدى لتورطها في نزاع مفتوح. لقد انحازت إيران للنظام ولدعايته دون دراية منها بوضع سوريا الحقيقي والقادم.
ربما توقعت إيران أن يكون الصراع في سوريا قصيرا، فهي لم تقدر مدى عمق الغضب الذي ساد عموم الشعب السوري. إيران اليوم لا تسيطر على كل سوريا، والحرب لم تنته، كما أن الدور الروسي والأميركي والتركي ودور قوى المعارضة والنظام، تتفاعل ضمن سلسلة حروب ومواجهات. وتلام إيران، أكبر اللوم، على أنها لم تحاور أيا من قوى المعارضة السورية، ولم تسع للتعامل مع القوى المسلحة المعتدلة بما فيها الجيش الحر الذي انشق عن جيش النظام. ربما لو حاورت إيران هذه القوى الوسطية لكان الوضع الإيراني- السوري أقل اختناقا وتوترا.
وتؤكد كل المؤشرات بأن إيران ابتلعت أكثر مما تستطيع، وهذا يجعلها في بداية عد عكسي لا يمكن لها منع حصوله. لكن من جهة أخرى إن قيام بعد الدول العربية بالتمهيد للاستعانة بإسرائيل لضرب إيران، سيعطي إيران قارب النجاة الذي تحتاجه في العلاقة مع الشعوب العربية. إن الدعوة لفرض عقوبات جديدة على إيران ولإلغاء الاتفاق النووي، ثم الدعوة لتوجيه ضربة أميركية لإيران، تعبير عن قصر النظر السائد في عدد من الأوساط السياسية العربية. إن السعي للتحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة بهدف تقليم قوة إيران سوف يدفع الإقليم لحالة دمار بل وانهيار. ويؤكد لنا التاريخ بأن هذه الوسائل تأتي بنتائج عكسية، وتفرز على الأرض قوى لا يستطيع أحد من الدول التي قد تبدأ الحرب التنبؤ بها.
نحن وإيران نشترك سويا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والصهيونية الساعية لأخذ مزيد من الأرض العربية، ونشترك سويا مع إيران في رفض تحويل القدس لعاصمة إسرائيل، ونشترك سويا في ضرورة إعلاء روح الاستقلال والاعتماد على الذات. لكننا لا نشترك مع إيران في سياساتها في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان. هذا لا يعني عدم المقدرة على التوصل لحلول تفاوضية تجعل إيران أكثر استعدادا للانسحاب من العمق العربي. إن حل الإشكال الإيراني- العربي يتطلب الكثير من الدبلوماسية، كما ويتطلب إعادة النظر بالأولويات الإقليمية.
*الوطن القطرية