جاء القرار السعودي للبدء في حرب اليمن في 5نيسان/ ابريل 2015، في جانب منه، لإبعاد سيطرة الحوثيين على اليمن في ظل السعي للتعامل مع أخطاء المرحلة السابقة وإفرازاتها منذ ثورات الربيع العربي. لكن الحرب، كما هي حال كل حرب، تبدأ بصورة ثم تنتهي بصورة أخرى، وتبدأ وفق تصور لثمن ما، ثم تنتهي بثمن أكبر منه. إن كل تدخل عسكري واسع النطاق في دولة ضعيفة مفككة يتحول إلى ورطة أعمق.
لقد تحولت حرب اليمن لكارثة: فالرقم المتداول 17 الف قتيل، لكن عند التدقيق لا يبدو ان هذا الرقم سيصمد أمام حقائق الحرب. فالرقم الحقيقي في اليمن يبدو أنه و صل لـ 70 ألفا. هناك كارثة إنسانية بكل المعاني، يكفي أن نتذكر أن نصف مليون يمني هجروا من ميناء ومدينة الحديدة لوحدها وأن ملايين اليمنيين هجروا من مدنهم وقراهم بلا رحمة.
والصراع في اليمن ليس صراعًا سُّنيًا شيعيًا بالأساس، والحوثيون ليسوا تابعين بالمطلق لإيران حتى لو أمدّتهم الأخيرة بالمساعدات والتدريب. فصراع اليمن بالأساس هو صراع قبائل وفئات بين شمال وجنوب، بين فئات تتمتع بالحقوق وأخرى مهمشة، وبين ذاكرة قديمة وأخرى جديدة، كذلك بين نظام قديم قاده علي عبد الله صالح إلى لحظة موته في 2017 وشعب يريد بداية جديدة وسط حالة من التخبط. إنه صراع متشعب من حيث جذوره السياسية والاجتماعية. موت علي عبد الله صالح نموذج لطبيعة هذا الصراع، فقد تحالف صالح مع دول الخليج ثم مع الحوثيين حتى النهاية، لكنه تراجع عن تحالفه معهم في 2017، وانتهى به الأمر مقتولافي معركة واشتباك في صنعاء على يد الحوثيين أنفسهم.
بعد أربع سنوات على الحرب لازال، الحوثيون، يسيطرون على أجزاء مهمة من الجزء الشمالي من اليمن بالإضافة للعاصمة صنعاء. بينما في غرب اليمن حيث حضرموت ومأرب تسيطر تيارات الاصلاح في جانب والشرعية المدعومة سعوديا في جانب والقاعدة في جانب ثالث. فتلك منطقة مقسمة ضمن تفاهمات قبلية وسياسية. اما جنوب اليمن فقد وقع في قبضة الإمارات العربية المتحدة.
يجب الإنتباه إلى إختلاف أهداف كل من دول الخليج المشاركة في الحرب. فبينما سعت السعودية إلى إبعاد الحوثيين عن حدودها ومنعهم من السيطرة على اليمن، سارت الإمارات نحو السيطرة على الموانئ اليمنية في جنوب اليمن بما يضمن والاستحواذ على حصة أساسية في الجنوب وذلك ضمن مشروع أوسع، يتداخل فيه السياسي مع الاقتصادي.
إن التناقض السعودي الإماراتي في تحقيق أهداف الحرب سيؤدي لتثبيت تقسيم اليمن، لكنه سيدفع بنفس الوقت نحو نزاع طويل الأمد لن تحتمل الإمارات تبعاته وما سينتج عنه من عنف. وقد إزدادت هذه الأبعاد وضوحًا في ظل التناقضات بين الحكومة الشرعية بقيادة هادي وبين الإمارات ونفوذها في الجنوب. لكن تناقضا آخر بدأ يبرز على سطح الحدث، فهناك مزيد من الجنوبيين ممن لن يتعايشوا مع سيطرة إماراتية في الجنوب.
لقد أدى هذا الوضع في اليمن، كما تقول الناشطة اليمنية افراح ناصر: «لاقتصاد حرب في اليمن، فالضرائب تدفع من قبل المواطنين على كل المواد بين الشمال والجنوب والوسط والغرب، هذه كارثة لاقتصاد أنهكته الحرب ومجتمع بالكاد تصله أبسط مواد الحياة الأساسية. هناك في اليمن أكثر من مليوني يمني (موظفو الدولة بكل قطاعاتها) لم يتقاضوا اية رواتب منذ سنتين».
لا توجد طريقة لتفادي استمرار الكارثة في اليمن بلا مساومة وتسوية منصفة بين الأطراف. وهذا سيعني أن التسوية ستغض النظر في المراحل الأولى عن ضرورة تسليم سلاح الحوثيين وغيرهم من القبائل الموالية وغير الموالية، وستترك للحوثيين دورًا سياسيا في مناطقهم بالتحديد، وهذا يجب أن يضمن تحولهم لحزب سياسي في ظل حالة ديمقراطية جوهرها إعادة بناء اليمن.
وللتوصل لتسوية في اليمن يجب ألا يكون عنوان المرحلة إقصاء إيران، فإيران دولة محورية والحوار معها ضرورة. لقد إستغلت إيران الإنهيار العربي وتمددت في المنطقة، فأضافت بعدًا جديدًا على معادلة تهميش العرب وتقسيمهم وتراجعهم. لهذا، فالصراع مع إيران مرتبط بسياساتها، وينتهي هذا الصراع بتوقف هذه السياسات وتغييرها.
لكن الواضح في 2019 أن الوعي العالمي والإعلامي بخطورة الحرب اليمنية المنسية قد إكتسب زخما جديدا بعد مقتل جمال خاشقجي إغتيالا في بداية تشرين الأول/ أوكتوبر 2018. لقد أدى اغتيال جمال خاشقجي لتنبيه الإعلام الأمريكي والكونغرس بالمخاطر المترتبة على استمرار الحرب. لولا تلك الحادثة لاستمرت الحرب بصفتها حرب استنزاف منسية.
مع استمرار الحرب، يجب أن يكون السؤال المركزي مرتبطا بإعادة بناء اليمن. فالحرب بلا خطة لما سيكون بعدها، سيترك أكثر الآثار سلبية على كل الأطراف، ما سيجعل هذه الحرب مقدمة لأخرى. إن نسبة الفقر في اليمن تتجاوز 70 في المئة، بينما تتجاوز نسبة البطالة 40 في المئة، ونصف السكان البالغين فوق 15 عامًا أُمّيون، ويحتل اليمن المرتبة رقم 150 من بين 177 دولة على جدول التنمية الإنسانية. هذه كلها عوامل تساعد في تغذية حرب طويلة وحالة تطرف إقليمي في ظل فشل الدولة وانهيارها. أن الجهد لايقاف الحرب سوف يكتسب زخما مستمرا طوال 2019، لكن الجهد الإنساني هو الآخر يجب أن يتضاعف، فاليمن حيث أصل الحضارة العربية يستحق الكثير من العالم العربي وخاصة من منطقة الخليج التي تتداخل معه إنسانيا كما وسياسيا وجغرافيا.