[ خالد بن سلمان ووفد الحوثيين بالرياض ]
سلط معهد أمريكي الضوء على سياسة المملكة العربية السعودية التي تقود حربا في اليمن ضمن تحالف عسكري منذ ثمان سنوات وكيف تعمدت اضعاف الشرعية، فيما برزت جماعة الحوثي.
وقال "معهد دول الخليج العربي في واشنطن" في مقال للباحثة "إليونورا أرديماني" وترجمه للعربية "الموقع بوست" إن السعودية تنتهج استراتيجية جديدة تركز على الخروج من اليمن، تضعف ضمنيا المؤسسات الرسمية للبلاد وتوفر نفوذا سياسيا أكبر للحوثيين، الأمر الذي يحتم تكاليف غير مباشرة يمكن أن تقوض احتمالات عملية سلام يمنية واسعة النطاق بقيادة الأمم المتحدة.
وأضافت الكاتبة أن السعودية تسعى إلى اتباع استراتيجية خروج من حرب اليمن ذات شقين. فبعد أن فشلت المملكة في إحراز نصر عسكري على الأرض، اختارت التحدث المباشر مع الحوثيين لعزل الحدود والمياه المجاورة عن الهجمات. وفي ذات الوقت، كثفت السعودية نشاطها في جنوب اليمن من خلال الموالين بالوكالة لمواجهة القوات الانفصالية والموالية للإمارات.
ونوهت إلى هذا الأمر يمثل تغييرا استراتيجيا في سياسة المملكة تجاه اليمن، التي كانت قد أعطت الأولوية لمتابعة وقف إطلاق النار على مستوى البلاد والحفاظ على دولة يمنية موحدة، بشكل أساسي من خلال الانخراط مع المؤسسات الرسمية.
ولفتت إلى أن استراتيجية السعودية الجديدة في اليمن لها ثلاثة آثار رئيسية: أولها اضعاف بشكل غير مباشر المؤسسات الرسمية في اليمن، وعلى الرغم من كونها تحظى بدعم الرياض، إلا أن استبعاد الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومجلس القيادة الرئاسي من المحادثات الدبلوماسية مع الحوثيين، فضلاً عن إنشاء قوات شبيهة بالوكالة ترعاها السعودية، يقوض المؤسسات الرسمية والقطاع الأمني.
وذكرت أن توفر المحادثات الثنائية مع الحوثيين يمثل نفوذا سياسيا أكبر في مواجهة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، كون السعوديين اعترفوا بشكل متزايد بالحوثيين كمحاورين بينما قاموا ضمنيا ولكن بقوة بتقليص مثل هذا التأييد للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. أما ثالثهما، تثير هذه الاستراتيجية منافسة أكبر بين السعودية والإمارات في اليمن، حيث تتنافسان على النفوذ في المناطق الجنوبية.
تقول الكاتبة "للمرة الأولى منذ عقود، بدلا من التعامل مع اليمن باعتباره "فناءها" أو كامتداد لمجالها الداخلي، تتعامل السعودية مع اليمن باعتباره قضية سياسة خارجية لها آثار أمنية ذات صلة.
وطبقا للمقال يرجع ذلك بشكل مرجح إلى أن الرياض لم تعد قادرة على فرض قواعد اللعبة، وتفتقر إلى محاورين راسخين بين السياسيين والحلفاء القبليين، ولذا فهي تختار التسوية والنفوذ غير المباشر، في محاولة لتعظيم المكاسب من خروجها العسكري من اليمن.
تشير إلى أن هذه الاستراتيجية قد تدعم انسحاب الرياض من اليمن وتنجح في مواجهة القوات الموالية للإمارات في مناطق محددة، فمن غير المرجح أن تواجه النزعات الانفصالية الأوسع أو توقف التمزق المستمر في الدولة اليمنية الموحدة".
الحدود: محادثات سعودية حوثية
تقول الباحثة "منذ بدء الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل 2022، انخفض مستوى العنف في اليمن بشكل ملحوظ، وكذا هجمات الحوثيين بالطائرات بدون طيار والصواريخ صوب الأراضي السعودية. ولكن منذ انتهاء الهدنة في أكتوبر 2022، ظل اليمن في حالة من النسيان الهش. وتعمل الأمم المتحدة على تحويل الهدنة إلى وقف شامل لإطلاق النار رسميا، إلا أن الأطراف المتحاربة اليمنية رفضت الجلوس معا على طاولة المفاوضات. يذكر أن جهود الأمم المتحدة سارت بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية السعودية".
وتهدف السعودية، في المقام الأول -وفقا للمقال- إلى تأمين اتفاق ثنائي مع الحوثيين لتحقيق الاستقرار على الحدود ومنع الهجمات الجديدة المفترضة ضد المملكة.
وتابعت "يمكن أن يؤدي وقف إطلاق النار بين الطرفين إلى بدء عملية سلام يمنية أوسع بقيادة الأمم المتحدة. ومع ذلك، لم تتم دعوة أي من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أو ممثلين عن الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة لحضور المحادثات السعودية الحوثية.
وبحسب الكاتبة فإن هذا يشير إلى أن المملكة تقترب الآن من حل الصراع في اليمن في المقام الأول من منظور الحدود، وبالتالي تقليص أهدافها الأولية، والتي كانت تتمثل في الهزيمة العسكرية للحوثيين وإعادة الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في صنعاء. كما يشير إلى أنه ليس من المؤكد أن وقف إطلاق النار بينهما سيؤدي إلى عملية يمنية أوسع بقيادة الأمم المتحدة.
وكلاء السعودية في الجنوب
وفقا للمقال "عندما أدركت السعودية أنه ليس بإمكانها تغيير ميزان القوى في الشمال الغربي الذي يسيطر عليه الحوثيون، تحول تركيزها الاستراتيجي صوب الجنوب".
ولفت إلى أن المملكة تقوم بمراجعة استراتيجيتها في المناطق الجنوبية باليمن لتوسيع النفوذ العسكري والسياسي، وبالتالي تحدي النفوذ الملحوظ الذي بنته الإمارات منذ عام 2015 على حساب الرياض. فعلى سبيل المثال، قامت السعودية بدعم وتمويل قوات درع الوطن، التي تم الإعلان عنها في يناير تحت قيادة رئيس المجلس القيادي الرئاسي رشاد العليمي، المقرب من السعوديين. مع قوة تقدر بـ 20 ألف مقاتل، يتألف الجزء الأكبر من قوات درع الوطن بشكل رئيسي من رجال قبائل الصبيحة السلفيين والتابعة لمحافظة لحج. وقام العليمي بإضفاء الطابع الرسمي على تلك القوات كوحدة احتياطية تحت إشرافه المباشر، خارج وزارة الدفاع.
وأردفت "لقد جرى تنظيم قوات درع الوطن، التي تم إنشاؤها في الأصل في ضواحي عدن (لحج وأبين)، في وقت لاحق من عدة ألوية في المحافظات الجنوبية وانتشرت في وادي حضرموت، الجزء الشمالي الغني بالنفط من محافظة حضرموت المتاخمة للسعودية".
وزادت "تتصاعد المواجهة بين القوات المدعومة من السعودية والإمارات في عدن وحضرموت، ولا تزال عدن خاضعة إلى حد كبير لسيطرة قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، والمرتبطة بالمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للانفصال. وفي أغسطس، اقتحمت ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات القصر الرئاسي لبضع ساعات. علاوة على ذلك، فإن شمال حضرموت، الذي لا يزال تحت سيطرة القوات الحكومية اليمنية ويحظى بدعم الرياض نظريا على الأقل، قد تعرض لتهديدات متكررة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي".
واستدركت "تأسس مجلس حضرموت الوطني المدعوم من السعودية في يونيو بعد إجراء مشاورات في الرياض برعاية السعودية ضمت زعماء القبائل الحضرمية والعسكريين. ويسعى المجلس إلى تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي للمحافظة ولكن في إطار وطني، وبالتالي يقدم منصة سياسية معارضة مباشرة للمجلس الانتقالي الجنوبي. علاوة على ذلك، أطلق العليمي في 25 يونيو 20 مشروعا تنمويا بتمويل من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في حضرموت، بما في ذلك تجديد معبر الوديعة الحدودي مع المملكة. وتعهد العليمي ببدء عملية اللامركزية في محافظة حضرموت "لإدارة شؤونها المالية والإدارية والأمنية بشكل مستقل"، وهو نهج ذو توجه فدرالي يجده السعوديون المناهضون للانفصال إلى حد كبير مقبولاً.
فرص ضائعة
تشير الكاتبة في مقالها إلى الرياض فشلت في المناطق الجنوبية، في استعادة السلطة من خلال إعادة دمج الجماعات المسلحة والمقاتلين في القطاع الأمني الرسمي. ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى عدم تنفيذ اتفاق الرياض، الذي توسطت فيه المملكة في عام 2019 بين القوات الموالية للحكومة والقوى المؤيدة للانفصال المدعومة إماراتيا.
تمضي الكاتبة بالقول "على الرغم من ممارسة نفوذ كبير لتأسيسه في أبريل 2022، لم تتمكن السعودية كذلك من الاستفادة من دور مجلس القيادة الرئاسي، نتيجة لتشرذمه المتزايد وهيمنة الأعضاء الأقوياء المدعومين من الإمارات. لذلك، يبدو أن المملكة لم تعد تعطي الأولوية للمؤسسات الرسمية، وقد اختارت عوضا عن ذلك تنظيم أو دعم الجماعات والحركات الموالية للسعودية في اليمن.
وأوضحت أن غالبية المراكز الحضرية والسواحل والجزر الجنوبية، باستثناء محافظة المهرة، تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة والحركات السياسية المدعومة مباشرة من الإماراتيين أو القريبة منهم.
وذكرت أن أبو ظبي نجحت في الحفاظ على شبكتها من الحلفاء المحليين، من المخا إلى عدن والمكلا، على الرغم من انسحابها عسكريا في عام 2019 وتفويض اتفاق الرياض بأن الإشراف على جميع القوات يقع تحت إشراف وزارة الدفاع في الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
*يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست