قالت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية إنه في الأسبوع الماضي، حوَّل بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، الملايين من المعاناة في اليمن إلى ثنائية خاطئة بذلت فيها واشنطن كل ما في وسعها من أجل السلام. وزعم أن المتمردين الحوثيين في اليمن هم المسؤولون عن استمرار هذا الصراع المستمر منذ سبع سنوات والذي أصبح أكبر أزمة إنسانية في العالم.

وأضافت كاتبة التقرير "كيت كايزر"، كاتبة السياسة الخارجية التي قادت سابقًا الدعوة للسياسة في "انتصروا بلا حرب" و "مشروع السلام في اليمن"، إنه ومع إطلاق الحوثيين صواريخ باليستية على الإمارات، وسلسلة من جرائم الحرب الخاصة بهم، سيكون من السهل الوقوع في هذا التحليل التبسيطي للصراع. ومع ذلك، في الإيحاء بأن التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء الحرب يعود ببساطة إلى الحوثيين، وليس الحكومة المدعومة من السعودية، يكشف ماكغورك عن سوء فهمه للصراع.

وتابعت "كايزر" في تقرير ترجمه للعربية "الموقع بوست" لمدة أربع سنوات، أخبرني المسؤولون الأمريكيون في كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية في عملي كمدافع عن حقوق الإنسان أن "المملكة العربية السعودية مستعدة لإنهاء الحرب"، وأن الأمر يتعلق فقط بـ "إيجاد طريقة لحفظ ماء الوجه للخروج".

ما يقصدونه هو، "هل هناك طريقة للمملكة لتزعم بمصداقية أنها انتصرت في الحرب؟" تجاهل الإجابة الواضحة المتمثلة في "لا"- بدأت السعودية حربًا يعلم الجميع أنها كانت خطأ- بدلاً من ذلك، انخرطت الحكومة الأمريكية في أعمال المساعدة على تجويع ملايين الأشخاص لتهدئة ولي العهد محمد بن سلمان.

هذا الولاء لـ "بصريات" خروج السعودية من اليمن اتخذ أشكالاً مختلفة على مر السنين. وفي ظل الإدارة السابقة، كان ذلك يعني الصمت أو تصريحات الدعم من السلطة التنفيذية، والتي كانت بمثابة شيك على بياض لدعم أي خطط إقليمية أعدها ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي وجاريد كوشنر.

يبدو أن إدارة بايدن، بما في ذلك ماكغورك، قد قررت أن الرياض عالقة في حرب ليس لديها سوى القليل من القوة لإنهائها. وكالعادة، يقبل المسؤولون الأمريكيون بالإجابة السهلة في اليمن، وليس الجواب الصادق.

لطالما كانت الحرب الأهلية في اليمن صراعًا محليًا، متجذرًا في العديد من إخفاقات الحكم البارزة، وغياب المساءلة بين النخب، والفساد المتأصل في نظام سلطة النخبة في اليمن، والذي ترسخ على مدار 33 عامًا من الحكم الاستبدادي الفردي.

ومع ذلك، فكلما طال الصراع، أصبح أكثر تدويلًا، مع تلقي الحوثيين دعمًا عسكريًا خارجيًا من إيران في أعقاب تدخل التحالف الخليجي. وفي الوقت نفسه، تسعى السعودية والإمارات أيضًا إلى تحقيق أجندتهما الخاصة في اليمن، وتمويل الميليشيات بالوكالة واستعمار أجزاء من الشرق والجنوب في السعي وراء خطوط أنابيب النفط وإسقاط الطاقة.

ومع قيام المجتمع الدولي بالمزيد لتأجيج الصراع بدلاً من حله، في المقام الأول من خلال عمليات إعادة التسلح التي لا نهاية لها للتحالف، أصبح اليمن مجزأ. مراكز قوى مختلفة، كلها تقريبًا مسيئة للمدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم، تحكم الآن أجزاء مختلفة من البلاد، على الرغم من أن هناك قاسمًا مشتركًا لا يزال اعتمادهم على الأسلحة والقمع واقتصاد الحرب المزدهر للحفاظ على السلطة. وظلت عملية السلام التي قادتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة على ما هي عليه لسنوات: متابعة وقف إطلاق النار من أعلى إلى أسفل بين المسلحين- وهي استراتيجية فشلت بالفعل عدة مرات- بدلاً من إشراك المجتمع المدني اليمني النابض بالحياة والمهتم  بسلام.

إن تعليقات ماكغورك منذ العام الماضي تدعي حقيقة أخرى مفادها أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة قد انخرطتا في دبلوماسية ذات مغزى وطرحتا مبادرات "جديدة"، وأن الحو_ثيين هم المشكلة، وفي هذه المرحلة، فإن الولايات المتحدة تدعم فقط دفاع السعودية.

لقد أثبتت هذه المبادرات "الجديدة" أنها أعيد تدويرها من قبل الحكومتين السعودية والإماراتية خلال إدارة ترامب. وألغت إدارة بايدن تصنيف جماعة الحوثيين الإرهابية الأجنبية التي فرضتها إدارة ترامب، لكنها اختارت أيضًا تجاهل مطالب الحوثيين بإنهاء حصار التحالف من جانب واحد باعتبارها غريبة وليست ضرورية، كما ذكر رئيس برنامج الغذاء العالمي، لتجنب المجاعة.

حقيقة أن ماكغورك يستشهد بشراء أسلحة من الصين كخط أحمر لتحالفات الولايات المتحدة مع هذه الأنظمة الملكية المسيئة، وليس عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين المتضررين من الضربات الجوية للتحالف، تُظهر ماكغورك في دوره كقيصر للشرق الأوسط يقرأ من صنع السياسات الإقليمية. وكتاب اللعب خلال العشرين سنة الماضية يوضح تمامًا أنه لا توجد مساءلة في التحالف الأمريكي سواء بالنسبة للسعودية أو الإمارات، ناهيك عن جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع.

لقد ساد الإفلات من العقاب في ظل فشل الولايات المتحدة في دعم قرار حلفائها الأوروبيين بتمديد ولاية خبراء جرائم الحرب التابعين للأمم المتحدة المحايدين من أجل المساءلة المستقبلية لجميع أطراف النزاع، بما في ذلك الحو_ثيون، الذين نادراً ما يملك المجتمع الدولي نفوذاً آخر عليهم.

ويتابع التقرير: كان الإفلات من العقاب الذي يحرك سياسة بايدن واضحًا في القرار الواضح بمواصلة سياسة ترامب في انتهاك الالتزامات الدولية للولايات المتحدة لمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ لبيع أجهزة الطائرات بدون طيار القاتلة للحكومة الإماراتية.

كان واضحًا في فشل الحكومة الأمريكية في تحميل ولي عهد المملكة المسؤولية، وفقًا للاستخبارات الأمريكية، عن موافقته على اغتيال كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست وناشط معروف ومدافع سعودي عن الديمقراطية.

وقد تجلى في فشل وزارة الخارجية في إدانة انتهاك الحكومة السعودية الواضح لاتفاقية جنيف بقصفها مركز اعتقال في شمال اليمن والذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 100 شخص الشهر الماضي.

وبعد أكثر من ست سنوات من المساعدة والتحريض على جرائم الحرب، لم يكن تعيين دبلوماسي معين لليمن كافياً لإظهار أن أمريكا كانت جادة في اتباع مسار مختلف. وأدى هجوم الحوثيين على محافظة مأرب اليمنية- والذي جاء جزئيًا إلى سنوات من تأييد المجتمع الدولي لحل عسكري غير قابل للتحقيق- إلى إبقاء المجتمع الدولي يركز على ساحة المعركة، وليس على نهج جديد يسعى إلى التخلص من الزخم من  الرجال المسلحين.

في غضون ذلك، يستمر العمل كالمعتاد، مع إخطارات بالملايين في عمليات نقل أسلحة جديدة، وجميع الإدانات مخصصة للحوثيين، مع التعبير عن "القلق العميق" فقط لقتل المدنيين في السعودية. لن تنتهي الدورة المدمرة من الهجمات الانتقامية بين السعوديين والإماراتيين والحو_ثيين عبر الخطاب الدبلوماسي المزدوج.

منذ أن بدأت في عام 2016، حدثت هذه الهجمات خارج حدود اليمن، مرارًا وتكرارًا، ردًا على إلحاق ضرر بالمدنيين من قبل التحالف أو الهجمات العدوانية المفترضة على اليمن. فالضربات الجوية السعودية والإماراتية رداً على ذلك تقدم فقط المزيد من التبريرات وقذيفة الدعاية لمزيد من التصعيد الحوثي والدعم المحلي.

كما كتبت الباحثة اليمنية ألكسندرا ستارك مؤخرًا، "يجب أن يُنظر إلى ضربات الحوثيين على أبوظبي... على أنها تصعيد في القتال، وتحذير من الحوثيين بأنهم سيستهدفون الإمارات بشكل مباشر ردًا على مشاركتها المتزايدة في القتال". وبدلا من هجوم مفاجئ، إن الامتناع عن المزيد من المشاركة هو أفضل وسيلة للتحالف والمجتمع الدولي للتخفيف من حدة هذا التحدي المباشر.

الحقيقة القاسية هي كالتالي: لطالما كان اليمن وسيلة لتحقيق غاية بالنسبة للحكومة الأمريكية. فقط عندما ينشأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أو ما يسمى بـ "الحرب بالوكالة السعودية الإيرانية"، جعل صناع السياسة في واشنطن ينتبهون.

ادعى الأشخاص الذين يعملون الآن في الحكومة الأمريكية على مدى السنوات الأربع الماضية أنهم تعلموا درسهم في اليمن، وإذا ما أتيحت لهم الفرصة، فسوف يصححون خطأهم لعام 2015 الذي تسبب في مجاعة من صنع الإنسان وأدى إلى حرب شرسة بدون نقاش عام.

لا يوجد حل لحفظ ماء الوجه للسعودية باستثناء قبولها أنها خسرت في اليمن وإنهاء تدخلها من جانب واحد لصالح أو محادثات، كما فعلت في عام 2010 لتأمين حدودها الجنوبية.

واستطردت الكاتبة: تمامًا مثل ذلك الوقت، فإن الحقيقة غير المريحة هي أن سنوات من عدم الرغبة في التفاوض بشكل هادف على طاولة المؤتمر بدلاً من ساحة المعركة قد دفعت بالحرب إلى نهايتها الحتمية مع خيارات سياسية أقل وأقل مع مرور الوقت.

إلى أن تتوقف القيادة في الرياض وأبوظبي- والمستفيدين منهم في واشنطن ولندن- عن السعي لإيجاد حل عسكري لهذا الصراع، سيستمر الحوثيون في فعل الشيء الوحيد الذي يتقنونه: شن حرب مع دفع الملايين من الناس الثمن.

*يمكن الرجوع للمادة الأصل: هنا

*ترجمة خاصة بالموقع بوست