قبل أيام تعرض موقع ويب أميركي حكومي للاختراق حيث نشرت فيه صورة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يتلقى لكمات، إلى جانب رسائل مؤيدة لإيران، لكن في حين أن هذا الاختراق نفذه ربما أفراد أو مجموعات تزعم أنها من إيران، فإن حربا تندلع في الخفاء بين الدولتين ميدانها شبكات الإنترنت وأسلحتها الحواسيب.
جاء اختراق الموقع الأميركي ردا على مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، الذي أثار سخطا شديدا -رسميا وشعبيا- في إيران، الأمر الذي دفع خبراء الأمن الإلكتروني إلى التحذير من ردة فعل إيران وضرورة الاستعداد لاحتمال تنفيذها هجمات إلكترونية، قد تلحق أضرارا مالية كبيرة أو تهديدا لأرواح الأميركيين.
ما الحرب الإلكترونية؟
إن كلمة حرب هنا ليست استخدما مجازيا كما قد يفهم البعض، وإنما هي تعبير حقيقي عما يمكن تحقيقه من تخريب ودمار من خلال هجمات إلكترونية، تستهدف البنى التحتية والخدمات الحيوية لأي دولة، تماما مثلما تفعل الحروب باستخدام الأسلحة الفتاكة التي تحملها الطائرات أو المدرعات أو الجنود، وهي حروب ربما تتوارى في المستقبل وراء النوع الجديد الذي يسمى الحرب الإلكترونية.
فالحرب الإلكترونية (Cyber warfare) هي صراع ميدانه شبكة الإنترنت وينطوي على هجمات ذات دوافع سياسية على المعلومات ونظمها، حيث يمكنها تعطيل مواقع الويب الرسمية والشبكات وتعطيل الخدمات الأساسية أو سرقة وتعديل البيانات السرية، وتخريب الأنظمة المالية، وذلك من بين العديد من الاحتمالات الأخرى.
ووفقا للكاتب جفري كار مؤلف كتاب "داخل الحرب الإلكترونية"، فإنه بإمكان أي دولة شن حرب إلكترونية على دولة أخرى بغض النظر عن مواردها، وذلك لأن معظم القوات العسكرية ترتبط بشبكات حاسوبية وتتصل بالإنترنت، ولذلك فهي ليست آمنة، وللسبب ذاته بإمكان الجماعات غير الحكومية وحتى الأفراد شن هجمات وحرب إلكترونية.
وحاليا فإن ثمة سباقا بين الدول الغنية لتطوير برمجيات يكون من شأنها امتلاك قدرات هجومية وأخرى دفاعية قادرة على التصدي لأي هجمات مشابهة من هذا القبيل، فالولايات المتحدة تبذل جهودا كبيرة لتطوير أنظمة دفاع تحمي شبكاتها من القراصنة والهجمات المدمرة من جانب حكومات أجنبية، خاصة الصين وروسيا وإيران كما أنها تسعى للحصول على قدرات هجومية إلكترونية تمكنها من تعطيل شبكات الحاسوب لدى العدو.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن الجيش الأميركي وبقية الجيوش في العالم ترى في البرمجيات التخريبية أداة أساسية جديدة من أدوات الحرب الإلكترونية، وذلك في ظل تعرض شبكات الحاسوب العسكرية وشبكات وأنظمة الحاسوب المعنية بالبنى التحتية للدول وشبكات الاتصالات للتخريب.
وتفيد دراسة لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بأن 15 دولة في العالم -وهي الدول التي تمتلك الميزانيات العسكرية الأضخم- تستثمر في مجالات مختصة من أجل الحصول على قدرات هجومية إلكترونية عن طريق الإنترنت، ودمج القدرات الإلكترونية في عملياتها العسكرية.
وتشجع الولايات المتحدة الشركات المختصة فيها على ابتكار تقنيات من شأنها تدمير أو تعطيل أو إضعاف أي هجمات إلكترونية معادية، كما أن سلاح الجو الأميركي يحث باستمرار الشركات والجهات المختصة على تطوير مشاريع تقنية، يكون من شأنها شن هجمات إلكترونية سريعة ضد الأهداف المعادية والتصدي لمثل تلك الهجمات في اللحظة ذاتها.
ويقول خبراء إنه سيصار إلى استخدام الأسلحة الإلكترونية قبل أو أثناء الصراعات بدلا من الأسلحة التقليدية، وذلك من أجل العمل على تعطيل شبكات العدو الإلكترونية أو التشويش عليها، بما في ذلك تعطيل شبكات الاتصالات لدى الجهات المعادية.
نماذج من حروب إلكترونية
يعد فيروس "ستاكس نت" -الذي تسبب في إلحاق أضرار بأجهزة التخصيب النووي الإيراني- من أبرز الأدلة على الهجمات الإلكترونية الحديثة، إذ أطلقته الولايات المتحدة وإسرائيل في 2010 ضد حواسيب تابعة للمنشآت النووية الإيرانية بهدف إبطاء عملها.
ومن الهجمات الأخرى ما ذكرته واشنطن بوست نقلا عن مصادرها أن وحدات الأمن الإلكتروني الأميركية هاجمت حواسيب في منظومة التحكم بالصواريخ الإيرانية ليلة 20 يونيو/حزيران 2019، وقد وصفت تلك المصادر العملية بأنها طويلة وهدفها "شل" منظومة الدفاع الصاروخية لإيران بتعطيل منصات الصواريخ أو إحداث أضرار فيها لا يمكن إصلاحها.
ومن أمثلتها كذلك الهجوم الأميركي الإلكتروني على نظام الدفاع الجوي الصربي سنة 1998 لاختراقه بهدف تسهيل قصف أهداف صربية، وكذلك الهجوم الذي يعتقد أن مصدره روسيا واستهدف إستونيا سنة 2007 وأدى إلى تعطيل جميع مواقع الويب الحكومية والخاصة ووسائل الإعلام عبر البلاد.
إيران والحرب الإلكترونية
في حين تعتبر إيران هدفا مستمرا لمحاولات اختراق أميركية وإسرائيلية لتعطيل أنشطتها النووية ومقدراتها الصاروخية، لكنها في المقابل تعمل على تطوير جيش إلكتروني قادر على شن هجمات مضادة.
ففي فبراير/شباط 2019 كشف نعوم شعار الجنرال في قوات الدفاع الإلكتروني الإسرائيلي لوكالة بلومبيرغ أن وحدته أحبطت عملية اختراق إيرانية استهدفت نظام التنبيه ضد الصواريخ، مشيرا إلى أن هذه المحاولات الإيرانية بدأت منذ عام 2017.
كما أن خبراء الأمن الإلكتروني الأميركيين صعدوا التحذير بعد مقتل سليماني من أن المتسللين الإيرانيين قد يشنون هجمات إلكترونية على الولايات المتحدة تقطع الكهرباء أو تدمر سجلات مالية مهمة أو تعطل أنظمة المستشفيات أو النقل، بطرق تهدد الأرواح.
وحذروا أيضا من أنها قد تشن هجمات واسعة النطاق ضد شركات أميركية عبر تشفير معلوماتها لمقايضتها بها، أو تستهدف المقاولين الحكوميين لمعاقبتهم على العمل مع البيت الأبيض، أو ربما تستهدف حلفاء أميركا في الشرق الأوسط أو أهدافا دبلوماسية أميركية في الخارج.
لكن لي روبرت مؤسس شركة دراغوس للأمن السيبراني التي تحمي النظم الصناعية الكبرى والمسؤول السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، يهوّن من قدرات إيران في شن حروب إلكترونية ويرى أنها ما زالت محدودة، ولا تكفي لشن هجوم يمكن أن يؤثر على دولة بأكملها مثل إغلاق جزء كبير من الشبكة الكهربائية.
ويعتقد روبرت أن بإمكان المتسللين الإيرانيين أن يعطلوا، على سبيل المثال، الكهرباء على نطاق أصغر من خلال استهداف مدينة أميركية أو أجزاء منها، وما يقلقه هنا أن هذا الأمر قد ينجح في إثارة خوف واسع النطاق من هجوم أكبر، وقد يؤدي إلى مبالغة في رد الفعل الأميركي وجر البلاد إلى صراع أوسع نطاقا.