مع اشتداد المناوشات بين سفن البحرية الأميركية وسفن البحرية الإيرانية (بحرية وزارة الدفاع، وبحرية الحرس الثوري)، في مضيق هُرمز، وبحر العرب، خلال الأربعة أعوام الماضية، وحتى هذا العام (2023)، تصاعد الاهتمام الأميركي بالساحل الجنوبي لليمن، خصوصاً مُدن الموانئ المهمة فيه، مثل موانئ عدن والمُكلَّا (حضرموت) ونشطون (المَهْرة)، وذلك ما تجلَّى في النشاط الكثيف للسفير الأميركي السابق، ماثيو تولتر، ولخَلفِه السفير ستيفن فاجن، الذي باشر عمله في يونيو/ حزيران 2022.
في هذا السياق، هبطت، الخميس الماضي، في ساحة قصر معاشيق الرئاسي بعدن، طائرة نقل أميركية، من طراز "ڤي- 22 أوسبري"، التي تعمل لمصلحة قوات مشاة البحرية الأميركية (مارينز)، وكان على متنها السفير ستيفن فاجن، وعدة عسكريين وأمنيين، لم يُكشف النقاب عن هوياتهم على نحو واضح وأكيد، وإن كان المتداول، إعلاميّاً، أنهم يعملون لدى السفارة الأميركية، غير أنَّ قدومهم برفقة السفير، وعلى متن طائرة من هذا النوع، إنما يشي بأن ثمّة مهمة خاصة تتعلق بالأمن البحري، والتهديد الذي يثيره نشاط السفن الحربية التابعة لإيران في بحر العرب، وأن هذه الطائرة أقلعت من إحدى القواعد العسكرية، أو حاملات الطائرات الأميركية الواقعة في المجال البحري المحيط باليمن.
ما تجدر الإشارة إليه، أن هذا النشاط جاء في وقتٍ يغيب أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس الحكومة، وتشتّتهم خارج البلاد، وقيام عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، عيدروس الزُّبيدي، بزيارة، غير رسمية للولايات المتحدة، أبدى خلالها استعداد قوّاته، المدعومة إماراتيّاً، للتعاون في محاربة الإرهاب، وحماية الملاحة البحرية في خليج عدن، وهو -كما يبدو- عرضٌ لا يخلو من سياسة، لكنه قدَّم هذه القوات كما لو أنها شركة أمنية، رغم عجزها عن القيام بأي نشاط أمني فاعل في البحر. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تنظر إلى هذه القوات بوصفها مليشيات متمرّدة، لأنها تعمل خارج هياكل الجيش اليمني، وهياكل قوات الأمن الرسمية. أما التنسيق الأمني والعسكري، فلا بد أن يكون مع الجهات الرسمية، وهذا ما لوحظ سابقاً، وفي لقاء السفير فاجن بمدير شرطة عدن، في أثناء زيارته أخيراً لها.
يبدو أنَّ المدن الساحلية اليمنية، وموانئها المهمة، داخلة ضمن ترتيباتٍ أميركية، عسكرية وأمنية، في أي مواجهة مستقبلية مع إيران، أو، على الأقل، لتقييد نشاط إيران العسكري، في خليج عدن، وبحر العرب، ومراقبة تطبيق العقوبات الأميركية بشأن صادرات إيران النفطية، ونشاط إيران المباشر، وغير المباشر، في تهريب الأسلحة إلى حلفائها من الفواعل العنيفة، من دون الدول، في مناطق النزاعات المسلحة بالشرق الأوسط، كاليمن، ودول القرن الأفريقي، وشرقي البحر الأبيض المتوسط، حيث اعترضت البحرية الأميركية سفناً إيرانية عديدة تمارس هذا النشاط، إلى جانب تهريب المخدّرات، ولا تزال قضاياها منظورة أمام القضاء الأميركي، وآخرها قضية متعلقة بتهريب الأسلحة، وقفت عليها إحدى المحاكم الأميركية أواسط شهر يونيو/ حزيران الماضي.
على المستوى الدولي، أحبطت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، مساعي إيرانية، لدى المنظمة البحرية الدولية، بشأن استضافة فعالية للملاحة البحرية، كانت إيران قد تقدّمت بمقترح للموافقة عليه، عام 2015، وقد جاء الموقف الأميركي عقب آخر محاولة للبحرية الإيرانية، اعترضت فيها ناقلة نفط مملوكة لشركة أميركية، بينما كانت مُبحِرةً في خليج عُمان، مطلع يوليو/ تموز الجاري، ضمن سلسلة عمليات اعتراضية، وهجمات بالزوارق والطائرات غير المأهولة، نُسبت إلى إيران، وطاولت سفناً تجارية وحربية أميركية، وبريطانية، وإسرائيلية.
على أيِّ حال، لن يقتصر السجال الأميركي الإيراني، حاليّاً أو مستقبلاً، على السواحل والموانئ اليمنية، بل سيضمّ مثيلاتها في دول المنطقة، إلا أن جهود إيران لتعزيز موقفها البحري المناوئ للولايات المتحدة لا تبدو فرصها غزيرة كما ينبغي، حتى وإن أفضت عملية السلام في اليمن إلى بقاء جماعة الحوثي واحدة من القوى الفاعلة في منظومة الحكم التي يجري الترتيب لها. كذلك لن تجد إيران فرصة أخرى للتحكّم في ملف الأمن البحري، في بحر العرب، بعدما تبخَّرت آمالها في تكوين تحالفٍ أمنيٍّ إقليمي، كانت قد أعلنت مُضيَّها في إنشائه، في يونيو/ حزيران الماضي، بالتعاون مع عدة دول، منها الإمارات.
*نقلا عن العربي الجديد