كنت في العقد الثاني من العمر عندما شاهدت لاول مرة فيلم الراقصة والطبال بطولة الفنان الراحل الاسطورة أحمد زكي والجميلة نبيلة عبيد. ،من اهم المشاهد التي تتبادر الى ذهني من مُجمل مشاهد الفيلم مشهد الطبال الذي تركته الراقصة وحيدا ، وكان مصرا علي طبلته ومصراٌ علي انه هو الأهم ، امام تلك المرأة التي لاتعرفُ شيء في الحياة سوى الرقص .
في ذلك السن كنت صغيره واجهل ماهي الرساله الفعلية التي اراد الكاتب والروائي الكبير إحسان عبدالقدوس إيصالها الى الجمهور ولكنني كنت حزينة جدا علي (الطبال) الذي تركته الراقصة وحيدا ولم يستطع إثبات نفسه الا به ، ا في حين انها وجدت العديد من الطبالين الآخرين واكملت حياتها بشكلٍ طبيعي ، ثنائية تكاملية خطيرة تجمع (الراقصة) الملفته للإنتباه التي تتصدر الاضواء دائما ولا احد يلتفت الى ذلك (الطبال) وان حصل فدائما مستهزء به رغم انه يلعبُ دورا خطيرا فلولاه لما كان للراقصة اي قيمة ولولاها لما استطاع ذلك الطبال ان يجمع قوت يومه.
اليوم وانا في عقدي الرابع من العمر تبادر الى ذهني إسقاط قد يكون محط انتقاد شديد بل وقد يصل ذلك الى اغضاب الكثيرين مني ، ولكن لابأس فكل فكرة واعتقاد في هذه الحياة يتحمل النقد كما انه يتحمل الإطراء أيضا ، فثنائية الراقصة والطبال يقابلها في ذهني الان السياسي الانتهازي الذي يجهل الكثير ولايجيد شيء ، سوى انتهاز المواقف السياسة للعيش منها ، ومعه الصحفي المنحاز والذي يشاركه بقلمه هذه الانتهازية وبيع المواقف ، من خلال تلميعه امام الجمهور الذي تبهره الالوان .
وانا هنا لا اقصد كل السياسيين ولا كل من يمهتن الصحافة او الاعلام، ولا ارمي اي راقصة او اي عازف، فالامر لا يعدو ان يكون مجموعة افكار تحتمل في جزء منها الصواب او الخطاء ، فالطموح هو ما جمع بين ذلك النموذج ، خاصة في هذه الفترة الزمنية التي شهدت انهيار دول وقيم ومبادئ، فالراقصة الباحثه عن الشهره والمال باي طريقه وباي معزوفة غنائية ، تختلف عن ذلك الطبال الذي كان يطمح لايجاد فن اكثر احتراما والقليل من المال الذي يستطيع ان يكمل به حياته ، الا انه عندما خرج عن النص وابى ان يقدم فنا هابطا تركته ووجدت العديدين ممن يسيرون مع توجهها
ومع ان الرجل حاول الا ان الجمهور خذله ، وهنا اختلف المشهد وخرج عن كونه محصورا بين وظيفتين او موقفين ، واصبح بيد الجمهور الذي تقبل تلك النوعية وان كانت رديئه، ولكنه لم يقبل الطبال الذي تمسك بالفن الراقي بعيدا عن الرديئ واضطر الى الجلوس في المنزل .
هنا اردت فقط ان اسلط الضوء علي ذلك الصحفي والاعلامي المستقل الذي يحاول ان يقدم شيئا يحترم به عقول الناس ولايفقد احترامه لنفسه، وان بقي وحيدا دون دعم ، وادراك انه يحاول ولكنه يعجز ، فيما يتصاعد المتسلقون الى مواقع هامة وكبيرة