تتشكل خيارات وتوجهات الفرد في المجتمع عبر مجموعه الرسائل التي يتلقاها من محيطه وبيئته، وهي الرسائل التي تاتي علي شكل معلومات تضخها وسائل الاتصال الجماهيري ، وتاتي في طليعتها وسائل الاعلامية ، بنوعيها التقليدية والحديثة وان باتت الاخيرة هي الأكثر تأثيرآ لانها تصل لقطاع كبير من فئات المجتمع وبصورة أسرع وأسهل من وسائل الاعلام التقليدية .
وخلال السنوات الأخيرة زاد الحديث عن الدور السيء الذي لعبته وسائل الإعلام اليمنية في تأجيج الصراع، وتعثر عملية محاولات استعادة السلام، وظهرت الحاجة لوجود إعلام مهني موضوعي ومسؤول يدفع باتجاه تحقيق وصناعة السلام، في مواجهة الإعلام الحربي التعبوي السائد الذي والذي تموله وتديره كل اطراف الصراع. وكان وفق متابعون سببا في تحويل التنوع والتعدد الى صراع ذو ابعاد دينية ومناطقية وعنصرية ، ودفع باتجاه تعميق النزوع المناطقي والمذهبي المتواجدة في اليمن كما في اي مجتمع اخر.
واذا كان التنوع الديني والجهوي وحتى العرقي تعد مصادر قوة وضامنة للعيش المشترك في المجتمعات الطبيعية فان الخطاب الاعلامي الذي رافق ويرافق سنوات الصراع ، وقبلها جعل الجماعات السياسية تستخدم هذا التعدد والتنوع اداة لكسب الانصار ولتحقيق اهدافها السياسية او الوصول الى السلطة واحتكارها والاستئثار بالثروة ، واوجدت تقسيمات على اساس الجغرافيا والعرق والمذهب والدين ، كما واستخدمت سوء ادارة الدولة والظلم وانعدام المواطنة المتساوية غطاء لذلك الخطاب ولتبرير تلك الدعوات
وفي ظل اوضاع تداخلت فيها المصالح الاقليمية مع ادواتها المحلية، وبات من المعلوم ان هذه الاطراف استغلت المظالم وانتهازية الاطراف السياسية وعملت على نفخ النار في التركيبة المجتمعية ، ومعها تحولت اليمن الى ساحة لتصفية حسابات اقليمية ودولية ، دفعت وما تزال بسببه عشرات الالاف من القتلى وملايين من النازحين والمشردين، واكثر من 18 مليون جائع ، والى جانب ذلك فقد كانت الحقيقة هي الثمن الذي دفع طوال سنوات الصراع من خلال اغلاق او توقف وسائل الاعلام الموضوعية بل ان هذه الحرب والادوات الاعلامية التي استخدمت فيها قضت على التجربة الاعلامية المتميزة التي تكونت في اليمن منذ العام 1990>
ونتيجة لذلك ومع اتساع تاثير مواقع التواصل الاجتماعي وغياب اي ضوابط قانونية على ما ينشر فيها ، جندت الاطراف المتحاربة ناشطيها وكتائبها في الاعلام الحربي لاغراق المجتمع بكم هائل من المعلومات الكاذبة او المحرفة ، وبخطاب تحريضي قائم على الكراهية الاخر لاسباب متعلقة بمعتقده الديني او انتمائه الجغرافي او الاساس العرقي ، واستحضرت معه كل مسببات العنف والكراهية والتحريض ورفض التعايش المجتمعي والسلام.
ولان الحال كذلك ، فان المنطق يستدعي اعادة الاعتبار لدور وسائل الاعلام المتزنة والموضوعية ، وان يتوقف خطاب التحريض والكراهية ، وان تعطى مساحة كافية لخطاب اعلامي يساعد علي إعادة بناء النسيج المجتمعي الذي تهتك بسبب الحرب وكان للأداة الاعلامية دور كبير في ذلك .