ثمة تطورات توحي بمحاولات "حلحلة" الوضع العسكري بكسر حالة الجمود في الجبهات التي يُراد من تفعيلها من حين لآخر الأمر الذي تولدت قناعة لدى المراقبين وعموم المتابعين بأن ما جرى ويجري هي "حرب تحريك وليس تحرير" !
فمثلما لا يلوح في الأفق حلا سياسياً ، فأن الخيار العسكري قد لا يعني حسماً مفترضاً قريبا و لا يؤشر بقرب نهاية لهذه الحرب التي لا يُعزى تعثرها لعجز عسكري بقدر ما هو قرار سياسي في سياق اعتبارات دولية لان المخرج الأساسي ليس الفاعلين الوطنيين ولا حتى الإقليم.
تحولات مفترضة سيتم تنفيذها بدايات العام القادم وبالأخص الحرب في اليمن وهي العاصمة الرابعة التي بشر بها قائد الحرس الثوري الإيراني.
ويوم ذاك انزلقت اليمن للمجهول وفتحت أبواب جهنم فقد كان اليمنيين في غنى عن التجاذب الدولي وجعل اليمنية ورقة تفاوض لبؤر إقليمية أخرى لولا سقوط صنعاء ا كعاصمة عربية رابعة في فلك ايران حسب وصف قائد الحرس الثورة غداة سقوط صنعاء.
مما زاد التكهنات بأن الأسابيع المنصرمة طرأت جملة تحولات جوهرة هي تواري الرئيس اليمني السابق عن الظهور لما يقارب الشهر رغم عشقه لأي منبر إعلامي يشبع نرجسيته في الزعامة المتكلفة عندما يروق له من خلال حشود وظهور تلفزيوني متكرر ليرسل إشارات ورسائل للداخل والخارج.
واللافت ان سخونة الأحداث في المنطقة لزم الصمت وهذا إيحاء بأن شئ ما يدبر يبدو ان الإقليم قد نسق مع بعض القوى الانقلابية في اليمن التي كان لها دور أساسي في صعود نجم الظاهرة الحوثية.
من ضمن السيناريو والتوقعات التي مؤشراتها تزداد يوما بعد يوم هي فرضية تفكك تحالف الانقلاب وطي صفحة الحوثي ولكن بمرحلتين الأولى ان ينسحب المؤتمر كغطاء سياسي للحوثيين بفك الشراكة ، وهذا من شأنه ان يضعف الحوثي لأنه يعتمد على قاعدتين تحالفه مع صالح واستمرار الحرب باستغلال مفردة " العدوان" هذه العبارة السحرية التي سوغ للشعب بالالتفاف حول الانقلاب وعلى خلفية سوء ادارة المناطق المحررة.
ويبدو ان الأهم هو الانقضاض على الحوثيين بدعم من التحالف لإسقاط صنعاء بانقلاب ضد الحوثي وعودة الدولة العميقة ولهذا فيبدو ان الأمور تتجه وفق قاعدة "داويها بالتي هي الداء" وتناغماً مع الأغنية "اللي شبكنا يخلصنا" ، لان كل اللاعبين في المشهد في الداخل والخارج وحتى من الأحزاب المفرخة كلها من مطبخ واحد هو الدولة العميقة لنحو اربعون عاما التي تسلط فيها الرئيس السابق بسياسة فرق تسد ، وهو الذي أعلن مؤخراً بأن بعض رموز الشرعية خبزه وعجينة.
اختزلت فترة من تاريخ اليمن الحديث لنحو أربعة عقود بفاعل أساسي رقص على الثعابين واهتم بتأسيس نظام ولم يبني أسس دولة بحيث عند محاولة إخراجه من الحكم تجسد مقولة " على وعلى أعدائي" وهي فكرة ليس بجديد فهو القائل " ستقع الحرب من طاقة لطاقة ! " .
سوء إدارة اليمن للدولة العميقة عبث باليمن طيلة هذه الفترة وتحديدا غداة ثورة فبراير 2011 عندما تفرغ للتنكيل بالفترة الانتقالية لإفشالها نكاية بخصومه بفرض حركة غير مقبولة وعاجزة إدارياً حتى يترحم الشعب على أيامه بدليل رواج شعارات تخدم النظام الذي يفترض ان الحوثيين نفسهم شاركوا بالإطاحة به بركوب موجة الثورة ، مع إنها كانت فترة ضعف وانهيار واستمرار الفشل لحد اللحظة وليس هذا فقط بل ان من أضاع حلم الدولة المدنية يُراد منه ان يرسم ملامح الفترة القادمة بحيث ينتج أي تحول حاد للإطاحة بالحوثي موالياً للشرعية نضام مُسخ محوره السلطة العميقة نفسها بحيث تلتئم عناصر المؤتمر في الخارج والداخل من جديد ولكن بالطبع ليس بالضرورة وجود صالح ولا حتى من أسرته ، وبدأ مرحلة جديدة بدون مكون الحوثي هذه المرة هذه الحركة التي أضاعت فرصة المشاركة بحجمها الطبيعي بعد نزع السلاح وتسليم السلطة ، ولكن هذا الأمر غدا بعد "خراب البصرة " أشبه بالمستحيل حتى اللحظة على الأقل... فحوثنة الدولة أشبه بتلغيم البر والبحر بالألغام ولكن ألغام للمستقبل لتجعل من اليمن بلد عاجز ، عودة الخارطة السياسية بما فيها المؤتمر كلاعب أساسي دون تقديم اعتذار وتواري صقوره المهيمنة لن يحقق سلام واستقرار ويبني دولة مدنية في حال بقت أدوات الفساد نفسها بوجوه جديدة .
لا يتعظ الشعب اليمني من إخفاقات الماضي بداء من تصالح الجمهوريين والملكيين في نهاية ستينيات القرن الماضي مرورا بالمبادة الخليجية ومنح صالح حصانة وحتى توقيع إتفاق السلم والشراكة الذي لم ينتج سوا مزيدا من سقوط المدن فلم نرى لا اتفاق ولا سلم ولا شراكة !
ومن هنا يمكن القول بأن تجربة المجرب ضرباً من الحماقة.
وموازاة لإفرازات ما بعد تحرير عدن وبدلا من تحول ما سمى بالعاصمة المؤقتة نظريا وعمليا يؤسس لكيان موازي لسلطة الانقلاب في صنعاء في سياق خشية جميع الأطراف بما فيهم المؤتمر لهرولة خصومهم بحوثنة ، ووفق هذه المسوغات الدولة وتأسيس مداميك كيان طائفي شمولي صارخ أكثر تطرفا وما بين نموذجي صنعاء وعدن شعب يأن من هذه الورطة التاريخية ، وكأن اللاعب المحلي " هوامير المركز المقدس لما عُرف بالهضبة" والإقليم يؤسسون لخارطة جديدة تتماهى مع مسوغات الواقع ليس فقط لإعادة التشطير بل ربما لأكثر من دولتين في اليمن.
إجمالاً تبدو الرؤية ضبابية للمستقبل القريب على الأقل ، وتطلق العنان للإشاعات والمخاوف المشروعة لهذا الشعب المنكوب بحكامه.
،ولا يعني ان نهاية هذه الحرب بشكلها الحالي بصورة أو بأخرى سيكون نهاية المطاف لآلام اليمنيين .. فربما بعد ان تضع الحرب هذه أوزارها قد تكون إيذانا لمرحلة أخرى من الصراعات البينية طالما من كانوا سببا لوصولنا لهذه المرحلة يتصدرون المشهد السياسي ... يكفي انه في عهد زعيم الفساد خلال نحو أربعة عقود عرفت اليمن خلالها أكثر من عشرة حروب منها ستة حروب مع الحوثي راح ضحيتها أكثر من خمسون ألف وهذا العدد يناهز ليس فقط ضحايا هذه الحرب منذ ثلاث سنوات بل يزيد عما قتله الصهاينة ضد الفلسطينيين لسبعون عاما مضت .!
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية.