هناك من يظل يعتقد أن مشكلة نظام علي صالح هي انه أستبعد القوى السياسية ومنعها من مشاركته في نعيم السلطة, لهذا عندما تهيأت أمامهم الفرصة ليصبحوا في السلطة راحوا يمارسونها على طريقته.
بالطبع نظام صالح استبعد القوى السياسية ووصل به الأمر الى التنكيل ببعضها, كل أنوع التنكيل ماديا ومعنويا, وأمام مطامح البعض أظهر أنه يسعى للتفرد الشامل. وبقدر ما خلق هذا انقساما حادا داخل الطبقة المسيطرة, بقدر ما عكس إنقساما أكثر حدة على مستوى الشارع كان من نتائجه تفجر ثورة عظيمة في فبراير 2011.
اذن نظام صالح كان قد أستبعد قطاعات شعبية واسعة من حق العيش الكريم, ومن حق هؤلاء طالما أنهم من صنعوا فرصة النجاة, من حقهم أن يتشبثوا بحلمهم في مستقبل مختلف. وما حالة السخط السائدة من أداء رجالات السلطة الفاسدين هذه الايام إلا أحد مظاهر هذا التشبث.
بالنسبة للقوى السياسية عليها أن تدرك ان نظام صالح لم يستبعدها ويحرمها فقط من الحق في ممارسة السلطة بل كان قد أنتهج سياسات تدميرية طالت كل البنى الفاعلة لتحدث قطيعة بينها وبين الأهداف التي وجدت من أجلها. لهذا أصبحت الممارسة السياسية بهذا الشكل الذي نراه اليوم.
لا يكفي أن نقول أننا نواجه صالح وشريك ثورته المضادة الحوثي, بينما نتصالح مع ثقافة الفساد التي رسخها نظامه, مرة باستبعاد القيم الوطنية وافراغها من محتواها ومرة باستبعاد القوى السياسية التي كانت تحمل هذه القيم أو يفترض انها قد تعلمت ما يكفي من الدروس لترد الاعتبار لهذه القيم كسلاح وحيد في مواجهة تركة ثقيلة.
اليوم السؤال الحقيقي الذي علينا أن نوجهه لكافة القوى السياسية: هل أصبح لديها تصور شامل عن حجم الأزمة التي آخذت تعصف بالجميع بلا استثناء؟ وما هو المشروع الذي يمكننا من خلاله أن نوحد طاقات المجتمع لمجابهة هذه الأزمة ومفاعيل ديمومتها ثم الانتقال بعد ذلك الى المستقبل؟
أي حديث عن أستعادة الدولة, دون ان نبني تصورات شامله, حول المسائل الاقتصادية والاجتماعية, حول العمل والتعليم والصحة والثقافة الوطنية, حول معالجة كافة القضايا العالقة, بدون ذلك نحن في أحسن الأحوال نحرث البحر.
لقد سقطت بقايا الدولة التي كانت عرضة للسقوط طوال الوقت. وعلينا أن نفكر ببنا دولة جديدة وحديثة لا استعادة تلك البقايا ونفس ثقافة الافساد والفهلوة.
دولة لجميع اليمنيين قائمة على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية, وليس دولة الحزب او الاسرة او القبيلة. أما أوهام السلالة والولاية فنحن أصبحنا نواجهها ونقدم اغلى التضحيات. أو لعل هذا هو السبب الوجيه لاستمرار هذه المعركة القائمة منذ ثلاثة أعوام, غير ان معارك كثيرة لا تزال في انتظارنا.