[ غروندبرغ يعلن التزامات يمنية - يمنية نحو السلام ]
بين الحذر والتفاؤل ينظر اليمنيون إلى اتفاق السلام الذي أعلنه المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ مؤخرا، كخارطة طريق دون تزمين أو التزامات واضحة.
وأمس السبت، أعلن غروندبرغ، عن التزام الأطراف اليمنية بخريطة طريق أممية لحل الأزمة في اليمن تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار في عموم البلاد.
وأكد -في بيان صادر عن مكتبه- التزام الأطراف بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكدا أنه سيعمل مع الأطراف في المرحلة الراهنة لوضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها.
وأشار غروندبرغ إلى أن خريطة الطريق التي سترعاها الأمم المتحدة ستشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى اليمن ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة. وأوضح كذلك أن خريطة الطريق ستنشئ أيضًا آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة.
أمل يشوبه الغموض
وفي السياق قال وزير الخارجية الأسبق الدكتور ابوبكر القربي، إن مستجد المبعوث الاممي يبعث الأمل ولكن يشوبه غموض يحتاج إلى توضيح حول إطاره العام وعلاقته بالتفاهمات السابقة بين السعودية وجماعة الحوثي.
وتساءل القربي بالقول: هل إعادة الملف إلى الامم المتحدة من أجل وضع آلية تنفيذية للتفاهمات تنهي الحرب، لأن اليمنيين يأملون أنهم على أبواب الحل وليس عودتهم إلى بداية الطريق؟
مرحلة جديدة من المعاناة
الكاتب الصحفي أحمد الشلفي توقع أن هذا الإعلان مجرد بيان سابق والحديث حول خارطة طريق لا يعني سوى مرحلة جديدة من المعاناة الداخلية.
وقال الشلفي "فور إعلانه التوصل إلى خارطة طريق بين الأطراف اليمنية لم أفهم تماما ماذا يعنيه المبعوث الأممي لليمن غروندبرغ بهذا الإعلان فقد أعلن عن خارطة طريق دون تزمين أو التزامات، فلنقل إنه إعلان مبادئ لخارطة طريق سيتم التفاوض حولها لاحقا، ويبدو أن هذا هو المقصود"، حد قوله.
ويرى أن هذا الإعلان هو مجرد إعلان تلا الاتفاق بين الحوثي والسعودية بحسب مصادر دبلوماسية تحدثت أن الإتفاق بين السعودية والحوثي قد تم إبرامه.
وقال إن "هذا الإعلان هو مجرد بيان سابق وأن الحديث حول خارطة طريق لا يعني سوى مرحلة جديدة من المعاناة الداخلية لكن هذه المرة ستكون بعيدا عن العامل الخارجي، وسيترك الأمر للأقوى كي يحسم أمره ويحكم".
ونقل الشلفي عن مصادر حكومية قولها إن الآلية سيطورها المبعوث وبحسب مصادر حوثية فإن السعودية ستهتم بأمر الآلية التنفيذية.
وختم الشلفي تغريدته بالقول "ثبت في كل زمن وأزمة أن الأمم المتحدة لا تملك من أمرها شيئا، وأن وقف الحرب والسلام يتوفر بإحدى طريقتين: أما السلام بين الأطراف اليمنية وهذا شبه مستحيل حاليا، وإما بحسم أحد الأطراف الوضع في الميدان".
مضيعة للوقت
الكاتب السعودي عبدالله آل هتيلة مساعد رئيس التحرير - صحيفة عكاظ- أكد أن "أي اتفاق لخارطة طريق لإهاء الحرب والانخراط في عملية سلام في اليمن إذا كان لا يفضي لدولة يمنية ذات سيادة بيدها السلاح المتوسط والثقيل بكل أنواعه ولها قرارها بعيدا عن الضغوط والوصاية فمن المفترض عدم الخوض في تفاصيله لأنه مضيعة للوقت".
وقال إن الخلاصة لا حزب في اليمن على غرار حزب الله في لبنان بيده السلاح ولا زعيم خارج عن طوع الدولة يعطل قرارتها كحسن نصرالله".
يضيف هتيلة "في تصوري أن الحوثيين لن يرتهنوا للسلام وإنما يسعون للمماطلة وكسب الوقت اعتقاداً منهم أنه يسير في صالحهم، بينما المعطيات تشير إلى أن أي حرب يمنية يمنية قادمة ستقضي على كل احلامهم غير المشروعة".
ترحيل للصراع
في حين اعتبر المحلل السياسي عبدالناصر المودع أن ما أعلنه المبعوث الأممي ليست اتفاقية سلام ولكنها تطوير للهدنة.
وقال المودع "يبدو أن بيان المبعوث الأممي هو الطريقة الوحيدة للإعلان بشكل رسمي عن الإتفاق السعودي الحوثي الذي طال الحديث عنه. فالحديث عن اتفاق يتم التوقيع عليه بين كل الأطراف اليمنية كان كلام غير واقعي.
وأضاف "فمن الصعوبة تحديد ماهية الأطراف، فالأطراف الفعلية التي تفاوضت على هذا الاتفاق كانت السعودية والحوثيين فقط بوساطة عمانية ظاهرة وأطراف أخرى غير ظاهرة منها إيران والصين وأمريكا".
وبحسب المودع "كان الحوثيون يصرون على أن يكون التوقيع بينهم وبين السعودية وهو ما ترفضه السعودية، لأنها لو قبلت بما يريده الحوثيون تكون قد اعترفت وقبلت بأنها في حالة حرب دولية مع اليمن الذي يمثلها الحوثي، ولهذا اصرت السعودية على أن الاتفاق ينبغي أن يتم التوقيع عليه بين الأطراف اليمنية وتكون هي وسلطنة عمان والأمم المتحدة الوسطاء والضمناء لهذا الاتفاق".
وأوضح أن "الحوثيين رفضوا ذلك ولا زالوا يرفضون، لأنهم لو قبلوا بأن يكون التوقيع بينهم وبين ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي، فإنهم بذلك يكونوا قد قبلوا بشرعية المجلس كممثل للسلطة الشرعية في اليمن، وأنهم عمليا متمردين".
وللخروج من هذه المعضلة يقول المودع "كانت هناك أفكار بأن يتم التوقيع على الاتفاق من قبل الأحزاب والقوى السياسية بدون مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن هذه الفكرة لم يُتفق عليها من أطراف عديدة، لأن هكذا إجراء يعني بأن ما يسمى بالسلطة الشرعية أصبحت غير موجودة ولم تعد تمثل اليمن. ولهذا وكحل عملي لهذه التعقيدات كُلف المبعوث الأممي ليعلن الاتفاق بهذه الآلية، وهذه هي نفس الآلية التي تم بها إعلان الهدنة الأصلية والتمديدات اللاحقة".
وأكد أن الإعلان الحالي لن يغير من مشهد الوضع الحالي في اليمن كثيرآ، فهو عمليا بمثابة تطوير لاتفاقية الهدنة الأصلية، والنقاط التي تم الاتفاق عليها لن يتم تنفيذها بسهولة، لأن بعضها لا زال غير واضح مثل موضوع مطار صنعاء وميناء الحديدة، وكذلك آلية صرف الرواتب وموارد تصدير النفط وغيرها من النقاط مثل فتح الطرقات".
وخلص المودع إلى أن المشكلة اليمنية لازالت في مكانها وهذا الإعلان لم يحركها إلى مربع جديد ناهيك عن حلها أو حتى رسم خارطة طريق للحل".
اتفاق وهمي وتمكين للحوثي
السياسي اليمني المنشق عن جماعة الحوثي، علي البخيتي، هو الآخر يقول إن "ما أعلن عنه المبعوث الدولي من اتفاق بين اليمنيين ترسيخ للواقع على الأرض، فالحوثيون لهم دويلتهم في صنعاء والمناطق التي تحت سيطرتهم (جمهورية أرض الحوثيين على شاكلة جمهورية أرض الصومال)، وبقية الأطراف لهم دويلاتهم".
وأضاف "لن يتم شيء من صرف المرتبات ولا رفع الحصار عن تعز ولا فتح الطرقات ولا حتى بعد سنتين من الآن، وما ذِكر المرتبات وغيرها مما يهم العامة إلا للضحك على المواطنين وبيعهم أملًا كاذبًا ليكونوا في صف هذه الاتفاقات الوهمية التي لم يوقعها أحد بل ولم يلتقي المعنيين ويتفاوضوا عليها -لو كانت جدية ومثمرة- ولم تعلن عنها أطراف النزاع ولا يوجد لها برنامج زمني ولا آلية تنفيذية".
ويرى أن ما حدث مجرد مراسلات -أوراق ومشاريع ومسودات لا قيمة عملية لها ولن تغير شيء من الواقع على الأرض ولا من أحوال المواطنين السيئة- بين السفير السعودي محمد آل جابر والمبعوث الدولي ومحمد عبدالسلام "ناطق الحوثيين"، مشيرا إلى أن الشرعية لا علم لها ولم يتم إشراكها في هذه المهزلة- ليُظهر كل طرف لليمنيين والعالم أن هناك إنجاز حدث في الملف اليمني، حد قوله.
وأكد البخيتي أن الهدف الخفي والحقيقي من الإعلان هو ذكر اسم السعودية كوسيط لا كطرف في الحرب، وترسيخ تلك الصفة في أذهان اليمنيين والمجتمع الدولي، بهدف التنصل التدريجي من دفع تعويضات حرب هي من فجرها مع الإمارات، ولم تثمر إلا دمارًا وخرابًا لمنازلهم وبنية دولتهم التحتية ومؤسساتها وقتلًا وجرحًا وتهجيرًا لملايين اليمنيين".
وطبقا للبخيتي تهدف السعودية، مستخدمة الشرعية -رشاد العليمي ومجلسه ومعين عبدالملك وحكومته- وبالتواطؤ مع الحوثيين وموافقتهم للتنصل التدريجي من المسؤولية الأخلاقية وما يتبعها من مسؤولية إنسانية واقتصادية وتعويضات هائلة تستحقها اليمن والمواطنين اليمنيين بسبب تدخلها الفاشل الذي لم يزد الحوثيين إلا قوة، وجعلهم اليوم رقم صعب في المنطقة والعالم، وباتوا يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وقال إن الحوثيين يهدفون من قبولهم بتلك الإعلانات الفارغة من أي فوائد للمواطن العادي -عدى ترسيخ حالة من اللاحرب واللاسلم- شرعنة وجودهم بالتدريج وكسب مزيد من الوقت لاستكمال مشروعهم الكبير، والبند الثاني فيه استكمال سيطرتهم على ما تبقى من الأرض اليمنية -مراهنين أن كل الأطراف (خصومهم) ستنهار بمجرد وقف الدعم الخليجي لهم وبسبب خلافاتهم وفسادهم وتعدد مشاريعهم وأهدافهم- وصولًا إلى المهرة على حدود سلطنة عمان".
وتابع البخيتي "ثم الانطلاق ولو بعد عقد أو عقدين أو أكثر للسعودية عندما تأتِ الفرصة التاريخية (مستخدمين إستراتيجية وطول نفس حائك السجاد الإيراني)، وتحديدًا مكة والمدينة، التي يحلم عبدالملك الحوثي -باعتباره قرين القرآن وعَلَمْ الأمة وولي الله على الأرض- بدخولهما يومًا أو أحد أبنائه ولو على ناقة، ليحقق هدفهم الذي أعلنوه مرارًا في ملازم ومحاضرات الراحل حسين الحوثي، وفي الندوات والدورات التي يعقدونها حتى هذه اللحظة، والتي يرضعون أطفالهم عصير أفكارها التوسعية والشمولية، والتي لا يريد صانع السياسة السعودية رؤيتها ويتغابى عنها جبرًا بعد فشله الذريع، وهو تحرير مكة -من عملاء أمريكا وإسرائيل (آل سعود)- مهبط الوحي ومكان ولادة جده رسول الله".