[ الزبيدي يتجول في شوارع المكلا على متن مدرعات إماراتية ]
تقف محافظة حضرموت اليوم على مفترق طرق، ما بين البقاء في دائرة الاستقرار أو اللحاق بالفوضى ومشاريع الضم والإلحاق، التي سبقت محافظات جنوبية سابقا، كما زاد الاهتمام الدولي بحضرموت خلال الآونة الأخيرة.
تشهد المحافظة توترا سياسيا واجتماعيا على مستوى القيادات والوجاهات الاجتماعية بعد استقدام رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي المدعوم إماراتيا قوات عسكرية إلى المحافظة، على إثرها قامت السعودية بنقل العديد من هذه القيادات إلى الرياض.
على هامش تصعيد الانتقالي في حضرموت واستدعاء السعودية لرئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي ونائبه فرج البحسني إلى الرياض وزيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي لأبو ظبي، لا يزال المشهد ضبابيا بشأن الوحدة اليمنية في ظل تماهي المملكة، خاصة بعد اجتزاء مصطلج "الوحدة اليمنية" من البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في جدة الجمعة الماضية.
وعقد الانفصاليون فعالية سياسية كبيرة في مدينة المكلا - مركز محافظة حضرموت- بحماية عسكرية من خارج المحافظة، الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة لعدد كبير من القيادات والمكونات الحضرمية، التي أدركت أن الغرض من الفعالية هو تهميش دورهم، والمضي في مشروع الاستحواذ، الذي يقوده المجلس الانتقالي، بدعم من السعودية والإمارات.
وكان محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي قد كشف وقت سابق عن اهتمام دولي كبير بحضرموت خاصة أمريكا، كونها تقع على البحر العربي والمحيط الهندي.
وقال "من حقنا الشراكة مع الأمريكان في عمل استثمارات اقتصادية مشتركة في حضرموت مادام ذلك ضمن سيادة الدولة" مشيرا إلى أن الاهتمام الأمريكي الأخير بالمحافظة يوحي باستثمارات قادمة من قبل أمريكا في المحافظة".
وعلى أثر الأطماع بثروات حضرموت يسعى الانتقالي بكل ثقله وبدعم إماراتي للاستحواذ على المحافظة، حيث يستخدم كل وسائل المراوغة، تحت مزاعم أن تكون أسم الدولة الجنوبية باسم دولة "حضرموت".
ومنذ قيام الوحدة، اقتصاديا فغذت حضرموت -مع بقية المحافظات الشرقية- ميزانية دولة الوحدة بأكثر من 80% من الثروة، كان أبرزها النفط والغاز والذهب و80% من موارد الدولة، إلا أن الفساد وسياسة التبعية والاقصاء والتهميش والمناطقية التي لحقت بمحافظة حضرموت كغيرها من المناطق الشرقية للبلاد في عهد نظام الوحدة؛ نتيجة للإدارة الخاطئة للمرحلة حيث لن يمنح ذلك المحافظة حقها من الاهتمام والخدمات، وهو ما عبر عنه القيادي الحضرمي وعضو مجلس الشورى صلاح باتيس في تصريح سابق لـ "لموقع بوست".
وقال باتيس "نحن في حضرموت وشبوة او المهرة مناطق النفط والغاز، يذهب هذا النفط ولا ندري أين عوائده، وليس هناك وضوح في مصروفات الدولة، ولا مواردها ولا ترشيد لنفقاتها ولم يكن هناك مصداقية وشفافية لإدارة هذه الثروة".
وأضاف "رغم أن المحافظات الشرقية تمثل حوالي 64% من مساحة اليمن (شبوة ـ حضرموت ـ المهرة ـ سقطرى)و80% من الثروة، ولها سبعة مطارات، وخمسة موانئ استراتيجية، وثلاث منافذ دولية، و 80% من موارد الدولة ومع ذلك فوضع حضرموت والمجتمع الشرقي بشكل عام مأساوي، فمنظومة الخدمات لهذه المحافظات تكاد تكون معدومة ، وشبة منهارة ورواتب معدومة وجرحى بلا علاج وغيره".
حضرموت ترفض التبعية والإلحاق
في مارس 2011م عقد اجتماعا في المكلا عاصمة حضرموت، ضم أبناء وقادات حضرموت، فيهم القبائل والعشائر، والاحزاب السياسية، وفصائل الحراك الجنوبي، بلا استثناء، وأصدروا مذكرة وبيان سموه بـ "وثيقة حضرموت الروية والمسار" قالوا فيها: ان حضرموت في عقد الشراكة القادم، سيكون اقليم مستقل، لا يتبع أي اقليم أخر، ولا يخضع لأي مركز نفوذ.
وفي مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في 18من مارس 2012م، طالبت قيادات حضرموت، ومعها كل قيادات شبوة والمهرة وسقطرى بإقليم مستقل بالمحافظات الشرقية لليمن رفضا لسياسة التهميش والتبعية والضم التي مورست بحق المحافظة وغيرها من المحافظات الشرقية، في عهد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتوج ذلك المطلب (الاقليم الشرقي)بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، بالإعلان عن الإقليم الشرقي، لليمن وسمى بـ "إقليم حضرموت"، ووقعت عليه جميع المكونات والقيادات والاطراف اليمنية المختلفة المشاركة في الحوار، إلا أن ذلك الاستحقاق لم يرى النور بفعل انقلاب مليشيا الحوثي على مخرجات الحوار، واقتحامها لصنعاء في 21 سبتمبر 2014 وتدخل التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن في مارس 2015 بحجة استعادة الشرعية اليمنية.
مارست بعض دول التحالف على رأسها دولة الامارات سياسة عدائية لليمن وعملت ضمن التحالف على تنفيذ أهدافها الخاصة والاستراتيجية وغير المعلنة، من تدمير الدولة اليمنية ودعم مليشيات مناهضة للدولة بمختلف الاسلحة والمعدات، سببت في تهديد وجود الدولة بل وطردها من مناطق سيطرتها بمبررات مناطقية كما هو وضع المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن وسقطرى وشبوة وما تسعى اليه حاليا في حضرموت شرقي اليمن وما سببته تلك الممارسات من إتساع دائرة تلك الأساليب التي عانت منها حضرموت وغيرها من مناطق جنوب وشرق اليمن لتدخل حضرموت بفعل أعمال وسياسة المجلس الانتقالي فصلا جديدا من الفساد والتهميش والاقصاء والتبعية، وفقا للقيادي الجنوبي ورئيس منتدى السلام لوقف الحرب في اليمن عادل الحسني.
وقال الحسني في تصريح لـ "الموقع بوست" "الانتقالي هو مجلس شكلته الإمارات في مايو 2017، وهو أيضا خرج من رحم الحراك الجنوبي وغالبية منتسبيه من مناطق الضالع ويافع وهم أكبر المناطق التي تنادي بالانفصال في جنوب اليمن بخلاف المحافظات اليمنية مثل حضرموت وشبوة والمهرة وأبين وعدن التي لا تحمل هذا الفكر والكم الكبير من ابناء هذه المحافظات لا يحمل هذا الفكر".
وأضاف "عيدروس الزبيدي يعرف حجم مشروعه في حضرموت والمحافظات الشرقية ويدرك أن مشروعه انكشف ولم يعد له قبول، سواء في المناطق الجنوبية أو الشرقية لليمن".
مطالبات بدولة حضرموت
ومع استمرار عرقلة تنفيذ مطلب حضرموت المجمع عليه في مخرجات مؤتمر الحوار -المتمثل بإقليم حضرموت المستقل في ظل دولة اتحادية- وممارسات الانتقالي ودوافعه واستفزازاته بحق أبناء حضرموت والمحافظات الشرقية، ومساعيه المستمرة للسيطرة على المحافظة، بمنطق عنصري مناطقي والعمل على تغييب مطالب واصوات السواد الاعظم من ابناء تلك المحافظات والتجاذبات السياسية التي تشهدها المحافظة؛ برزت إلى السطح في الآونة الأخيرة دعوات تنادي "بدولة حضرموت" بعيداً عن الجنوب، كونها تمثل شرق اليمن للخروج من حالة التهميش والإقصاء وسياسة الضم والالحاق والاستفزازات والتحركات التي يمارسها الانتقالي، وهو ما آثار حفيظة المجلس الانتقالي الذي رأى في هذه الدعوات إفشال لمشروعه المتمثل في قيام دولة جنوبية تضم كل المحافظات الجنوبية.
المحلل السياسي الجنوبي ورئيس تكتل الإعلاميين والصحفيين والنشطاء في المحافظات الشرقية "عمر بن هلابي "وصف تحركات الانتقالي الأخيرة في حضرموت بالاستفزازية وأنها تهدف إلى خلط الأوراق، وتفجير الوضع بالمحافظة.
في حديثه لـ "الموقع بوست" قال بن هلابي "يهدف الانتقالي وداعميه على راسهم الإمارات من وراء هذه الاستفزازات او الممارسات خلط الأوراق وتفجير الوضع في المحافظة، وبشكل مستفز للمملكة العربية والسعودية وللشرعية اليمنية، ولإفشال التحالف العربي الذي تقوده المملكة وافشال الشرعية خدمة لتقاسم السلطة والثروة مع المليشيات في شمال الوطن الحوثيون"، حسب وصفه.
خطوط وخلفيات الصراع
وأشار بن هلابي إلى أن هناك خطوط تواصل خليفة مشتركة بين الانتقالي وجماعة الحوثي، خاصة أن الانتقالي المتمثل بعيدروس الزبيدي ومن معه وعبد الملك الحوثي وجماعته المدعومة من إيران الجميع كانوا مرابطين في الضاحية الجنوبية في لبنان تحت لواء حسن نصر الله وقاسم سليماني، لذلك ربما كانوا يتبادلون الأدوار فيما بينهم وهم يريدون اشعال حرب أهلية في حضرموت، كما أشعلت في غيرها، لذلك وصلوا بهذه القوات الكبيرة جدا بل وهي استفزاز لأبناء حضرموت، حد قوله.
وأضاف ومما يتبين للمتابع أن الزبيدي ومن معه من الانتقالي ليس لهم وجود حقيقي وانهم اتوا لتنفيذ مواجهة عسكرية ومواحهة ميدانية في المحافظة، هو أن الزبيدي لم ينزل يحيي الجمهور كعادته بل زار حضرموت من قبل وكان يشرب القهوة مع أبناء حضرموت، ويجلس على الشاطئ، بكل اريحيه لا أحد يعتدي عليه أو على اتباعه.
وأوضح أن حضرموت تؤمن بالاختلاف ولا تسمح لأحد أن يعتدي على أحد ولا تؤمن بالعنصرية أو المناطقية، وتحتضن كل اليمنيين من صعدة حتى المهرة ولم تسجل حادثة اعتداء واحدة، فماذا لم يدخلها بشكل سلمي كعادته لماذا جاء هذه المرة على متن دبابات اماراتية؟! إلا لأنه يؤمن أن مشروعه قد انكشف للحضارم ولأبناء الجنوب بشكل عام، وانه لا قبول له ولا لمشروعه، لذلك جاء على مدرعة اماراتية ليضاهي قوة الاحتلال كـ كرزاي ، المالكي ، وغيرهم ممن اتوا على ظهر الدبابات الامريكية لتدمير أوطانهم واحتلالها.
وأشار إلى أن الحل بالنسبة لأبناء حضرموت يتمثل في أن تخرج هذه المليشيات التابعة للزبيدي من المحافظة وايقاف أي استحداثات أو استفزازات على حضرموت، فالمحافظة لها مشروعها ولها قضيتها الخاصة بها وهي قضية كغيرها من القضايا في الجغرافيا اليمنية، وستقعد على طاولة حوار مستديرة مع جميع الشركاء اليمنيين للحل النهائي بشكل ندي ومستقل عن جميع الأطراف الأخرى، مالم فإن حضرموت ستفرض نفسها على أرض الواقع، فلن ترضى أن تكون تابعا لهذا أو ذاك من المليشيات والاطراف أو المشاريع الخارجية وحتى الاطراف الداخلية.
وتابع: "إذا كان الزبيدي يبحث عن دولة ومليشيا الحوثي تبحث عن دولة، فنحن أبناء حضرموت لسنا أقل منهم، فتاريخنا يمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة، وهويتنا وحضارتنا عريقة في التاريخ العربي كله، بل قبل هوية الجمهورية اليمنية ذاتها، ولذلك اعتقد بأننا سنفرض أمر واقع مثلهم".
وأكد أن حضرموت إما إقليم مستقل ضمن دولة الوحدة أو دولة شرق في حال الانفصال، ولن تكون بعد اليوم تابع لأحد ولم تعد تطوى عليها سياسة الضم والالحاق، وهذا هو المشروع الذي يسعى اليه الحضارم، وانا اعتقد ان حوارنا في الرياض هذه المرة مع مجلس القيادة والتحالف سيكون حوار فاصل وحاسم.
وحمل بن هلابي رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي المسؤولية عن صمته وسكوته لما تتعرض له المحافظة، وحذر من إقدامه على شرعنة هذه المليشيا في حضرموت على غرار المحافظات اليمنية الأخرى، والتي كان أخرها محافظة شبوة، والتي وصفها بالاخطاء القاتلة التي ارتكبها العليمي آنذاك.
واختتم حديثه بالقول "استفزازات الانتقالي والإمارات في حضرموت مؤخرا تجاوز الخطوط الحمراء، ولذلك يجب أن يوقف الجميع وقفة جادة لحسم هذا الأمر، وسيحسم بإذن الله خلال الايام القادمة".