[ تداعيات انهاء الوحدة اليمنية وخطر ذلك على مستقبل اليمن والمنطقة ]
تحل الذكرى الثالثة والثلاثين لعيد الوحدة اليمنية (22 مايو 1990م) واليمن يشهد ارهاصات عديدة في شمال البلاد وجنوبه، في ظل تصعيد ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا نحو فك الارتباط.
تأتي الذكرى الـ33 لعيد الوحدة اليمنية، الإثنين، على وقع الكثير من التحديات والمخاطر التي تهدد بزوالها، إذ تصاعدت حدة المطالب الانفصالية، يرافقها خروج المجلس الانتقالي الجنوبي المشارك في المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية، عن المواثيق والأهداف الرئيسية التي تلت مشاركته في السلطة.
ويتزامن حلول ذكرى الوحدة، هذا العام، مع تغييرات غير مسبوقة طرأت على المشهد السياسي الداخلي والمواقف الإقليمية المحيطة، والتي كان آخرها تجاهل التأكيد على "وحدة اليمن" في البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة الجمعة، في مدينة جدة السعودية.
بالمقابل، برزت الكثير من الخطابات التي تؤكد على أهمية بقاء الوحدة اليمنية، وتدعو لمعالجة الأخطاء التي رافقتها خلال الفترة السابقة، وعدم تحويل الوحدة كمنجز تاريخي في حياة اليمنيين، أخطاء الحكومات والأنظمة المتعاقبة.
تحركات المجلس الانتقالي تثير تساؤلات حول توافقهم مع إرادة المنطقة، التي باتت تنسجم مع إرادة الإقليم، الذي استثمر الأزمة اليمنية لتفتيتها من الداخل، فهل أصبحنا أمام أمر واقع رسمته دول الإقليم، في ظل تماهي السعودية، من كل مهددات الوحدة اليمنية.
ورافق دعوات الانفصال تحذيرات من مخاطر جيوسياسية وأمنية واقتصادية جمة على اليمن وعلى المنطقة برمتها، أولها السعودية، الذي يمثل لها اليمن البوابة الأمنية الجنوبية لارتباطها بحدود واسعة برية وبحرية.
وقبل أيام، وقَّع ممثلو مكونات سياسية جنوبية تابعة للانتقالي الجنوبي "ميثاقًا وطنيًا" يمهد للانفصال عن شمالي البلاد، مقابل رفض مكونات جنوبية أخرى وقطاعات واسعة من الشعب.
مخاطر فك الارتباط على اليمن والمنطقة
الباحث والخبير العسكري الدكتور علي الذهب قال إن اليمن يمر بخطر كبير، والتداعيات التي قد تنشأ عن اي خطوات من شأنها تجزئة البلاد وتقسيم المقسم فيها، لا شك انها تؤسس لصراعات دائمة في اليمن، وهذه الصراعات يتصدرها الصراع الطائفي على اعتبار أن محافظات شمال الشمال باتت في قبضة الحوثيين الذين يمثلون الشيعة الجارودية ولديهم رؤية أخرى في بناء الدولة على نمط نموذج ولاية الفقيه بإيران".
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول الذهب "في ظل افرازات الحرب نشأت تشكيلات مسلحة أو جماعات عنف في منف الدولة وهذه الجماعات سنية مناوئة للحوثيين، وجماعات أخرى منفلته وهي مليشياوية ضمن الجماعات السلفية وهي سلفية مدخلية لها ارتباطات اقليمية وهي مسلحة، وهناك جماعات ذات طابع وسط تميل إلى التحرر أو محاولة الابتعاد عن التجاذب الديني ولكنها في حقيقة الأمر تخفي في نواياها نوازع ودوافع دينية في مواجهة الحوثي وهي بعض القوات الرسمية كقوات طارق صالح".
وأضاف أن "تقسيم البلاد إلى مناطق شمال أو جنوب أو تقسيمها إلى أكثر من كانتون أو سلطة حاكمة في منطقة معينة أو إقليم حاكم على نمط الصومال مثلا من شأنها أن تغيب ملامح الدولة وتدخل في صراعات مفتوحة -وهذا بنظر الذهب -ينعكس على نموذج الدولة المركزية أو الدولة الاتحادية الذي يسعى إليها اليمنيون وفقا لمخرجات الحوار الوطني".
وتابع "اليمن لن يعيش بشكل مستقر"، لافتا إلى أن هذا الوضع ينعكس أيضا على الإقليم، فاقليم الجوار دول مجلس التعاون الخليجي ودول البحر الأحمر بما فيها مصر والدول الأخرى التي تواجه صراعات في القرن الأفريقي.
وأشار إلى أن من سيتأثر بشكل كبير هم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر على رأسها السعودية المرتبطة بالمحيط الجغرافي البري والبحري لليمن.
وأكد الخبير العسكري أن التأسيس لنزعات عصبوية ومناطقية وطائفية أو هويات مختلفة ومتعددة من شأنها أن ينتقل الصراع إلى هذه الدول وهي قابلة للتفكك والتحلل وفقا لرغبات هامدة او تنتظر اللحظة وهذا على وجه الخصوص السعودية وربما سلطنة عمان التي قد يطالها المد الإيراني.
وأردف "لا نحصر المسألة في المد الإيراني ولكن هناك دعاوى وتغذية غربية من شأنها السيطرة على المنطقة وتقسيمها في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يمنح القوى الدولية الفاعلة المهيمنة على العالم الاستئثار بالثروات وخيرات هذه الدول".
وأشار إلى ما تتمتع به اليمن من موقع جيوسياسي على طرق الملاحة الدولية وطرق تدفق النفط والامداد والغذاء في المحيط الهندي أو البحر الأحمر وخليج عدن.
وزاد "هذه التداعيات كما أسلفنا تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وايديولوجية كلها تجعل المنطقة متوترة لعقود قادمة وعلينا ألا نأخذ هذا الكلام بأنه للاستهلاك الإعلامي، بل هو في حقيقة الأمر تصور للمتوقع ونطرح الأمور بتجرد"، لافتا إلى أنه لم يسفر عن أي صراع في المنطقة في الصومال والعراق وسوريا والآن في اليمن، إلا إلى تفكك الدولة المركزية وتواجد التدخلات الخارجية المباشرة وغير المباشرة، واستغلال تلك الصراعات للثراء ونهب الثروات وفرض سياسة الجهل والتخلف وإطالة أمد الحرب التي تبتلع الشباب ومقدرات هذه البلدان، وما من مستفيد من تلك الصراع إلا الدول المعادية للعرب أو للأمة العربية والإسلامية".
الوحدة مرهونة باستعادة الدولة
وفي السياق يرى الكاتب الصحفي فؤاد مسعد أن الوحدة اليمنية رافقها بعض الأخطاء مما جعل البعض يطالبون بإنهائها والعودة إلى زمن التشطير".
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول مسعد إن "هناك من يرى أن الوحدة كمبدأ وغاية لا تتحمل وزر الأخطاء التي شاركت الكثير من القوى السياسية في ارتكابها".
وأضاف "لعل التحدي الخطير ضد الوحدة هو بقاء اليمن في حالة من الضعف جراء انهيار الدولة بسبب الانقلاب والحرب، لأن هذا الوضع يمنح المبررات لكل من يريد تمزيق اليمن تحت مبررات ودعاوى مرتبطة بتدهور الوضع اليوم أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وعدم وجود مقومات دولة موحدة على مستوى اليمن.
وتابع مسعد "عندما يستطيع اليمنيون استعادة الدولة ويبدؤون في الحوار فيما بينهم فلا شك أن كثيرا من القضايا يمكن حلها ومعالجتها".
وبشأن مخاطر الانفصال، أكد مسعد أن "ظهور دولة جديدة يشكل خطورة أيا كان مستوى هذه الخطورة، لأن انفصال دولة وظهور دولة أخرى على مساحة جغرافية واحدة يمثل تحديدات جديدة وفي مقدمتها التحديات الأمنية، لأن الدولة الجديدة تظهر بحسابات ورؤى جديدة وتحتاج فترة طويلة حتى تستقر، وهذا ما ظهر إبان إعلان انفصال جنوب السودان"، حد قوله.