[ مقر نقابة الصحفيين اليمنيين في عدن ]
أدت الحرب المستمرة في اليمن، وواقع البلد المليء بالإفرازات المناطقية والمذهبية لبروز كيانات عديدة، للصحفيين والإعلاميين، تبعا للولاءات المحلية، والأجندة الخارجية، ما ضاعف حالة الانقسام في البلد المشظى أكثر من أي وقت مضى.
ورغم أن نقابة الصحفيين اليمنيين ظلت قائمة، وتقف على مسافة واحدة من أطراف الصراع، وفق بياناها الأخير، إلا أن الانتقادات ظلت تلاحقها، وتتهمها بالقصور، ما دفع بولادة كيانات جديدة للظهور، وفقا للقائمين عليها.
لكن نظرة سريعة على الكيانات الجديدة تشير إلى أن الصحافة وقضايا الصحفيين هي الأخرى تعرضت للاستهداف، والمزايدة، وسعى كل طرف – وفقا لأجندته – لخلق الكيان الذي يخدم توجهاته، ويمنحه السيطرة، وتوزع هذا الإفراز الجديد، على أساس مذهبي، كما هو الحال في صنعاء، وآخر مناطقي ذو أجندة متطرفة، كما هو الحال في عدن، وثالث مناطقي مناهض لجميع الأطراف، كما جرى في حضرموت.
ست كيانات
بدأت أولى عمليات التفريخ، وإنشاء كيانات موازية في العمل النقابي اليمني من إعلان جماعة الحوثي تأسيس كيان مواز لنقابة الصحفيين اليمنيين في الخامس من يوليو 2015م، بالعاصمة صنعاء، وأطلقوا عليه "اتحاد الإعلاميين اليمنيين"، وبات معبرا عن قضاياهم، ومتبنيا لأجندتهم، ويمثل الأعضاء المنخرطين فيه، ممن يعملون في إطار الجماعة، أو يؤمنون بغاياتها.
وفي الثلاثين من يناير 2022 أعلنت قيادات محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي العام الموالية للسعودية والإمارات عن إنشاء كيان جديد أطلقت عليه "الاتحاد العام للإعلاميين اليمنيين"، معتبرة الهدف من التأسيس توحيد الخطاب الإعلامي الوطني وتطويره والدفاع عن الحقوق والحريات في خضم المعركة الوطنية والمشاركة الفاعلة في صياغة الخطاب المتبني للمشروع المدني الذي يواجه التحديات والمخاطر المختلفة، وذلك في ظل سيطرة الجماعات المعادية للدولة المدنية وللحقوق والحريات
وفي الثامن عشر من يناير الماضي سعى المجلس الانتقالي الممول من الإمارات في عدن لتأسيس نقابة خاصة للصحفيين والاعلاميين الجنوبيين، والتي ولدت بعد مؤتمر نظمه الانتقالي في عدن، وصعدت في الأول من مارس الجاري لتقتحم مقر نقابة الصحفيين اليمنيين في عدن، وتزيل لافتتها، وترفع لافتة باسمها.
هذه الخطوة في عدن دفعت محافظات أخرى لإعلان كيانات موازية ومناهضة، وهو ما جرى في الثالث من فبراير الماضي حينما تشكل تكتل الصحفيين والإعلاميين والكتاب بمحافظة حضرموت، ليضم الإعلاميين والصحفيين والنشطاء في المحافظة.
وفي السادس من فبراير الماضي أيضا جرى الإعلان عن تكتل للصحفيين والإعلاميين في محافظة أرخبيل سقطرى، وقال مؤسسيه إنه يسعى لترسيخ حرية التعبير والصحافة، وسيوفر الحصانة اللازمة للصحفيين خلال ممارستهم لمهامهم، بما في ذلك المحافظة على كرامتهم والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ضد كل أشكال التعسف والقمع والمنع.
وفي الثاني والعشرين من فبراير الماضي جرى إشهار تكتل موحد للإعلاميين والصحفيين ونشطاء المحافظات الشرقية شبوة حضرموت المهرة وسقطرى، ويبدو أن هذا التكتل جاء ليضم التكتلات السابقة في حضرموت وسقطرى داخل مكون واحد، ويهدف – وفقا لقيادته - إلى نشر التوعية المجتمعية بالحقوق والواجبات، والاستحقاقات لأبناء هذه المحافظات المتجانسة في المصير داخل دولة ضامنة وعادلة للجميع ورفع الصوت الرافض للإقصاء والتهميش أو التبعية للجنوب أو الشمال، وفق تعبيرهم.
لا اعتراف لكيانات مناطقية
تتحدث مصادر إعلامية متطابقة إلى أن الكيان الانفصالي تلقي تحذير شديد اللهجة من الاتحاد الدولي للصحفيين، حيث وصفه بالمنظمة السياسية المشابهة لاتحاد الإعلاميين الموالي للحوثيين في صنعاء، مؤكدا في نفس الوقت أنه "لا يقيم علاقات مع منظمات نقابية مناطقية".
وتشكلت هذه الكيانات بالتماهي مع الصراعات السياسية كمخرجات لها، لكنه رغم انتهاء فترة مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين إلاَّ أنها تظل الكيان الشرعي الوحيد والمعترف به عربياً ودولياً وتمثل كافة الصحفيين على مختلف توجهاتهم ومن كافة مدن اليمن، وفق الرئيس التنفيذي لمركز التأهيل وحماية الحريات الصحافية "CTPJF" محمد العديني.
إفرازات الحرب والسياسة
ويقول "العديني" لـ"الموقع بوست" إن الكيانات الستة المعلنة ليست سوى إفرازات سياسية ليس لها قاعدة قانونية، وليست صاحبة مشروعية مهنية، لأن اليمن تعيش وضع حرب منذ تسع سنوات، مشيرا إلى أن تعدد الكيانات النقابية في حال كانت البلاد تعش وضعاً طبيعياً سيكون عاملاً معززاً للتنوع والتعدد الذي من شأنه خدمة الصحفيين والإعلاميين، وتحسين ظروفهم المعيشية، ووضعهم الاجتماعي ودعم حقوقهم المهنية.
ويؤكد أن استهداف المشتغلين في مهنة الصحافة والإعلام يمثل قاسماً مشتركاً لكافة الأطراف سواء في صنعاء، أو في عدن، فيما أصبحت الحريات الصحفية منعدمة، وتحولت اليمن إلى بيئة غير قابلة لممارسة المهنة.
ضرورة الأنشاء
ويقول رئيس تكتل الصحفيين والإعلاميين والكتاب بحضرموت، فهمي عرفان بارمادة إن إشهار التكتل في المرحلة الحالية جاء كضرورة إعلامية وحقوقية تتطلبها المرحلة في ظل التحولات الكبيرة التي تمر بها البلاد، بما في ذلك الإقصاء التي يتعرض لها الإعلاميين والصحفيين والكتاب الحضارم.
ويؤكد لـ"الموقع بوست" أن هناك حاجة ماسة إلى إيجاد كيان يتبنى قضايا صناع الرأي، ويعمل على تحقيق تطلعاتهم وطموحاتهم، وهو ما يفتقده أبناء حضرموت خلال المراحل المختلفة، مضيفا أنه سيرسخ حرية الرأي والتعبير، وحق الحصول على المعلومة، وتداولها، فضلا عن تسهيل ممارسة عمل الصحفيين، دون أي مضايقات، أو تعسف، أو قمع.
ويستبعد "بارمادة" البحث عن اعتراف دولي في الوقت الراهن، قائلا بأنهم سيعملون على أهداف التكتل المعلنة في نطاق جغرافي محدد، لكنه يؤكد أنه سيسعي إلى التشبيك مع مختلف الكيانات والاتحادات، من أجل تحقيق التكامل والتعاون، بما "يخدم قضيتنا في المقام الأول".
الحرب تفرز التكتلات
وساهمت حالة الركود التي أفرزتها الحرب والتغيرات التي أعقبت ذلك، وانعكست على عمل هيئات النقابة الخاصة بالصحفيين، إلى ضرورة تأسيس كيانات مساندة تتبنى قضايا مختلفة وتسد الفراغ الحاصل في عمل النقابات وتعمل على مناصرة الصحفيين وتبني قضاياهم والتنديد بحالة الانتهاكات التي يتعرضون لها، حد قول "بارمادة".
ويؤكد رئيس التكتل الموحد للإعلاميين والصحفيين ونشطاء المحافظات الشرقية عمر سالم بن هلابي أن إشهار مكونه يأتي لهدف نشر التوعية المجتمعية بالحقوق والواجبات والاستحقاقات لأبناء هذه المحافظات المتجانسة في المصير، وفي دولة ضامنة وعادلة للجميع، ورفع صوته الرافض للإقصاء، والتهميش، أو التبعية للجنوب أو الشمال.
ويشير "هلابي" إلى أن هذا التكتل سيكون الصوت المتزن والجامع محافظات الأربع للإقليم الشرقي حضرموت شبوة والمهرة وسقطرى، فيما سيعمل على توحيد جهود الصحفيين والإعلاميين والكتاب.
إشهار أربع كيانات في شهر
وفي غضون شهر فبراير الماضي، أشهرت ثلاث كيانات نقابية في محافظات جنوبية كحضرموت وسقطرى، وأخر يشمل المناطق الشرقية للبلاد، ليرتفع عدد الكيانات متعددة الولاءات المعلنة هذا العام مع نقابة الصحفيين التابعة للمجلس الانتقالي المعلن في 18 يناير الماضي إلى أربع مكونات.
ورغم هذه الاستقطابات السياسية المستمرة منذ بداية الصراع، إلا أن نقابة الصحفيين ظلت صامدة مع الجمود الذي أصابها، لكنها في نفس الوقت ألتزمت الصمت أمام هذه الكيانات دون أي تعليق متمسكة فيما يبدو بالقرار الدولي المتبقي لها.
نقابة الصحفيين صمت حذر
ظلت نقابة الصحفيين اليمنيين الجهة النقابية الممثلة للصحفيين اليمنيين داخل وخارج اليمن، والمعترف بها دوليا وعربيا صامتة تجاه تعدد الكيانات، ولم تعلق على ما يجري، لكنها في البيان الصادر عنها حول ما تعرض له فرعها في عدن من اقتحام على يد عناصر تابعة للحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي أعربت عن موقفها، وقالت إن النقابة ستظل حرة وقوية ومتماسكة، ولن ينال منها الباحثون عن أجندات سياسية لا علاقة لها بالعمل النقابي والصحفي.
وذكرت النقابة في بياناتها إنها في نفس الوقت تستشعر الأخطار المحدقة، والتي تحتاج إلى موقف جاد، واستنفار كل منظمات العمل المدني في الداخل والخارج، والتحرك الشجاع لصيانة الحقوق، وإيقاف ما وصفته بالانتهاكات المستمرة.