يبدو أن استهداف جماعة الحوثيين الشهر الماضي لميناء الضبة النفطي شرقي محافظة حضرموت، عزز من حضور أمريكا بالمحافظة - الذي اقتصر خلال الفترة الماضية على الخبراء العسكريين بمكافحة الإرهاب- في دلالة على توجه واشنطن لحماية سلامة تدفق النفط من موانئ حضرموت، وتأمين خطوط الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة.
وفي الثامن من نوفمبر الجاري، زار السفير الأمريكي لليمن ستيفن فايغن مدينة المكلا، وعقد خلالها لقاءا مع السلطات المحلية، في وقت أشار إلى أن الزيارة تؤكد دعم الولايات المتحدة لليمن وعلى وجه الخصوص حضرموت، بعد أكثر من 22 يوما على استهداف الحوثيين لميناء الضبة النفطي.
يقول رئيس الدائرة الإعلامية لمؤتمر حضرموت الجامع صلاح مبارك إن لحضرموت أهمية كبيرة لما تمتلكه من مقدرات ومكانة ومساحة وثروة، معتبرها أيضا منطقة ثقل اقتصادي وبوابة للسلام. ويشير إلى أن الزيارات المتكررة للمسؤولين الأمريكيين تؤكد على أن هذه المنطقة تتمتع بموقع جيوسياسي استراتيجي خاصة بعد وصول تهديدات الطائرات المسيرة للحوثيين إليها.
خط أحمر
ويضيف "مبارك" لـ"الموقع بوست" أن لهذه الزيارة رسائل عديدة منها حرص الرعاة الدوليين على أن حضرموت "خط أحمر"، مؤكدا في هذا السياق على أن تكون بعيدة عن الصراع والحرب وتصدير الفوضى لها، مستبعدا التكهنات بذهاب واشنطن نحو إنشاء قاعدة عسكرية بالمحافظة، قائلا "اعتقد لا حاجة لوجود قاعدة او قواعد عسكرية امريكية".
ويؤكد على ضرورة أن يكون الشركاء الدوليين والاقليميين صادقين في محاربة الإرهاب وتمكين القوات الوطنية ودعمها وتجهيزها عسكريًا لبسط الأمن ومواجهة أي عدوان.
دلالات الزيارة
وتحمل زيارة السفير الأمريكي إلى المكلا تحمل دلالات متعددة، منها الاهتمام الأمريكي لتجنب أي تداعيات قد تؤثر على استمرار تدفق النفط وتنسيق الجهود في مجال تأمين حركة الملاحة في البحر العربي، إلى جانب التأكيد على استمرار الدور الأمريكي في ضمان استقرار الأوضاع بحضرموت، فهناك تعاون وتنسيق مع السلطة المحلية في المجال الأمني، حسب أستاذ علم الاجتماع السياسي عبدالكريم غانم.
ويقول "غانم" لـ"الموقع بوست" إن الحضور الأمريكي في حضرموت يرتبط بتقديم الدعم العسكري النوعي لقوات التحالف بقيادة السعودية المتواجدة في المحافظات اليمنية الشرقية بحُجة دعم قوات مكافحة الإرهاب، لكن الولايات المتحدة أصبحت أكثر اهتمامًا بسلامة طريق الملاحة الدولية في البحر العربي.
ويؤكد أنه زاد بعد هجمات المسيرات الحوثية، لضمان تدفق إمدادات النفط، في ظل ما سببته الحرب الروسية الأوكرانية من اضطراب لأسواق الطاقة في العالم، بينما هناك في السابق خبراء عسكريون، أمريكيون ومن قوات متعددة الجنسيات في مطار الريان، ومناطق عسكرية عديدة.
رسالة طمأنة
كما تبعث هذه الزيارة برسائل طمأنة، لتعزيز استعادة الثقة بالأمن في محافظة حضرموت، بما يخدم محاولة استئناف تصدير النفط عبر ميناء الضبة المتوقف منذ استهداف ثلاثة أسابيع، فضلا عن مساعي الإدارة الأمريكية لترميم العلاقة مع الرياض التي وصلت إلى أدنى مستوياتها، عقب قرار أبوبك + خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، كما يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي.
ويشير إلى أن الإدارة الأمريكية تحاول الاستفادة من المتغيرات الراهنة، ومنها مخاطر هجمات المسيرات الحوثية والتهديدات الإيرانية للسعودية، والاستعدادات لردع أي هجوم محتمل على حضرموت أو ضد السعودية، بينما يأتي هذا في إطار الرغبة الأمريكية في خفض التصعيد العسكري في المنطقة، تجنبًا لتداعيات ذلك على إمدادات الطاقة وتأثر أسعار النفط.
استياء الحوثيين
وآثارة هذه الزيارة حفيظة جماعة الحوثيين الذين أعتبروها "استفزاز لملايين اليمنيين المحاصرين"، وأنها لا تخدم فرص السلام المتعثر في اليمن منذ سنوات، لكن المحلل السياسي غانم يفسر تصعيد الحوثيين للخطاب ضد زيارة السفير الأمريكي لأنها جاءت لكبح مخاطر استهداف مسيراتهم للموانئ النفطية، ولتفادي أي دور محتمل لواشنطن في تصعيد الاحتجاجات داخل المدن الإيرانية.
فيما تبدو الولايات المتحدة صادقة هذه المرة بشأن حماية المنشآت النفطية اليمنية لأنها تصب في خدمة المصالح الأمريكية في هذه المرحلة في سبيل تحقيق استقرار أسعار الطاقة، وفق غانم.
واعتبر المحلل السياسي الزيارة الأمريكية خرقًا واضحًا للسيادة اليمنية، لأنها جاءت مخالفا للبروتوكولات الدولية التي تؤكد عدم التعامل المباشر مع السلطات المحلية دون إذن أو تنسيق مع الحكومة المركزية.
ولكن رئيس الدائرة الإعلامية لمؤتمر حضرموت الجامع صلاح مبارك يبدد عدم تنسيق الزيارة مع الحكومة المعترف بها، قائلا" الزيارة كانت معلنة وتناولها الإعلام من خلال لقائه بقيادات في أعلى هرم السلطة المحلية الذين هم ممثلين عن حكومة الشرعية".