[ انتشرت فكرة المهدوية في اليمن مؤخرا بسبب تداعيات عديدة ]
ما إن كان اليمنيون يتابعون أخبار محمد ناصر اليماني، الضابط السابق بالحرس الجمهوري، والذي زعم أنه المهدي المنتظر، حتى تفاجأوا بمهدي جديد، يدعى حسن التهامي، والذي يدعي انه من آل البيت كما يقول، و سمى حركته بـ" حركة أنصار المهدي" وجمع بعض أصحابه أكثر من 80 علامة يدعون أنها من علامات المهدي حسب زعمهم، وأن صفات المهدي تنطبق عليه، كانت هاتين الشخصيتين، هي الأكثر حضورا من بين أكثر من عشر شخصيات ظهرت مؤخرا في اليمن.
وعلى الرغم من ظهور مثل هذه الحالات والعينات من الناس في كل زمان وفي بلدان مختلفة، إلا أن انتشار هذه الظاهرة في اليمن مؤخرا، وبشكل غير مسبوق، جعل الناس تلتفت لها، والحديث عنها، والبحث عن اسبابها ودوافعها.
وفي سطور هذا التقرير سنتناول هذه الظاهرة، وندرس أسباب انتشارها، وأبعادها، ودوافعها النفسية، والاجتماعية، والسياسية، ومن يقفون وراء الترويج لها، وما دلالات زمان ومكان انتشارها.
فكرة المهدوية
ورد التراث السني إن المهدي رجل يخرج أخر الزمان، من ذرية فاطمة الزهراء بنت النبي محمد، واسمه يطابق اسم محمد بن عبد الله من أهل البيت، وأن الله سيعطيه حكم الأرض سبع سنوات، وسيملأ الارض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، وسيجمع الممالك الاسلامية، ويسمى بـ "المهدي"، ويكون خروج الدجال بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيحين، وأن عيسي عليه السلام ينزل من بعده، فيقتل الدجال أو يساعد على قتله، ويصلي بعد المهدي في الصلاة، لكن ذلك لا يوجد له نص صريح في القران، ولا يوجد حديث صحيح وصريح في كتب الصحيحين للبخاري ومسلم، وكلها روايات صنفها بعض العلماء بأنها ضعيفة.
بالنسبة للشيعة فهذا الأمر موجود في كتبهم، ومؤلفاتهم في هذا الموضوع كثيرة، إلا أنهم يسمونه بـ" المهدي المنتظر"، ورواياتهم تقول أنه موجود في السرداب بالعراق، وبأنه سيخرج عندما يزداد الظلم، وتمتلئ الارض جورا وظلما، بعدها يأتي لتحقيق العدل، ويقضي على الظلم والفساد، وسيخرج في أخر الزمان.
يذكر المؤرخون أن العقيدة المهدوية ظهرت مع تأسيس الدولة العباسية 132هـ ، وهي المرحلة التأسيسية للفكر الإسلامي، وذلك عندما تولى العباسيون الحكم بمساعدة أبو مسلم الخرساني، وخسر الطالبيون (آل البيت) الحكم، رغم مشاركتهم مع العباسيين في اسقاط الدولة الأموية، وقيام العباسيين بالتنكيل بهم، وهنا ظهرت فكرة المهدي عند الطالبيين كنوع من مواجهة التنكيل الذي لحق بهم.
لكن هذه الفكرة لم تتوسع وتتحول إلى عقيدة صلبة وقوية إلا مع نشوء الدولة الفاطمية في مصر، والامتداد الشيعي لها "دولة الموحدين" في المغرب على يد "عبيد الله المهدي" 297هـ، نهاية القرن الثالث ومطلع القرن الرابع، وهو الإمام الحادي عشر لفرقة الإسماعيلية، كما يدعون.
أبرز دعاة المهدوية في اليمن
ناصر محمد اليماني
هو شيخ قبلي من محافظة مأرب شرقي البلاد، وضابط بالجيش اليمني برتبة عقيد، ولا يجيد اللغة العربية ولا قراءة القران، وفي العام 2005م بدأت مزاعمه بأنه المهدي المنتظر بالظهور، وحجته في ادعائه أنه هاشمي، ومن آل بيت رسول الله، وأ ن جده أخفى نسبه بسبب قمع العباسيين.
من الحجج التي يسوقها اليماني أنه حلم بالرسول وهو يوصي له القيام بالمهمة، محذرا (أي رسول الله) في الوقت ذاته من سخط الله في حال عدم الايمان به واتباعه، ويدعي اليماني أن كورونا ليس سوى جند من جنود الله للبشرية، لمعاقبتهم على عدم اتباعه وتصديقه.
بدأت اليماني دعوته من صنعاء عن طريق عقد لقاءات لانصاره، ومن ثم المناطق المجاورة، يدعو الناس لتصديقه واتباعه بانه المهدي المنتظر، و أستغل وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أدعائه، وتمكن من جذب الآلآف من المناصرين من اليمن، وبعض والدول أبرزها سوريا ولبنان، ووصل عدد المتابعين له ما يقارب 200ألف متابع.
حسن التهامي
اسمه الحقيقي "محمد عبده محمد الخودلي" يعود نسبه الى خودل في تهامة بمحافظة الحديدة شمال غربي اليمن، ونشأ في مكة، وتلقى التعليم فيها، وتميز بالفصاحة، ويوصف بأنه من الدعاة اليمنيين الذين يؤمنون بالفكر الاسلامي الوسطي.
أسس جماعة أسماها بـ "أنصار المهدي"، وقال بأن الهدف من دعوته وجماعته، هو التمهيد لظهور المهدي، ويقول في محاضراته أن جميع العلامات لظهور المهدي قد ظهرت، ورغم بانه لم يصرح بانه المهدي إلا أن أنصاره يدعون أنه المهدي، وأن جميع المواصفات الشخصية للمهدي قد ظهرت فيه.
سجن التهامي من قبل النظام السعودي في 2002 بحجة التحريض، وادعاء الفتنة في الدين، وأفرج عنه بعد أربعة اشهر، فلجأ الى صنعاء، وقيل انه تم سجنه من قبل نظام صالح حينها، بنفس التهمة ليتم بعدها الافراج عنه أيضا، وفي 2019 تم سجنه من قبل الحوثيين وما زال مسجونا لديهم حتى الان.
يدعى حسن التهامي أيضا بأنه هاشمي، وينتمي الى آل البيت، وظهر أنصاره للعلن لأول مرة في صنعاء قبل أسابيع وهم يرددون شعارا ينص على: "الله أكبر أمت أمت" الذي قيل بانه شعار الجماعة، مطالبين بتشكيل مسيرة للنزول الى صعدة للمطالبة بالافراج عنه.
استغلال الفكرة
يقول الكاتب والباحث زايد جابر إن قضية المهدوية قضية قديمة في التاريخ الاسلامي، بل والانساني، وتنتشر عادة حين يسود الاحباط واليأس في المجتمعات التي يسود فيها الظلم والفساد، وتقمع فيها الثورات، فيعيش الناس على أمل وإن كان مجرد وهم، وأن هناك من سيأتي لينقذهم من واقعهم البائس نحو واقع أفضل، واستغلت هذه القضية من قبل كثير من الطامحين للسلطة، وجرى الترويج لروايات المهدي رغم ضعفها من قبل العلويون، أو دعاة السلالية، لترسيخ مفهوم تواصل مصطلح آل البيت وأنهم الحل والمنقذ للأمة.
وفي حديثه لـ الموقع بوست يضيف زايد: "لا غرابة أن تنتعش هذه الأفكار في اليمن بعد سقوط الدولة بيد الحوثيين، الذين قامت دعوتهم على أساس دعوى الحق الإلهي، وترسيخ فكرة الاصطفاء، ومحاولة ربط الناس بسلالة معينة يزعمون أنهم ورثة النبي وذريته.
وتابع: "هذه الدعوات على اختلافها وتنافسها، تحاول ترسيخ هذه الافكار السلالية، واستغلال يأس الناس من الوضع القائم، والبحث عن أي أمل للخلاص، خصوصا وأنها تستند إلى إرث ديني تراكم عبر القرون، حتى ترسخ في اذهان الكثير من الناس انه دين!
أبعاد نفسية وموضوعية
الدكتور عبدالكريم غانم أستاذ علم الاجتماع السياسي تحدث في تصريحه لـ"الموقع بوست" عما وصفه بالبعد الموضوعي لانتشار ظاهرة ادعاء المهدي المنتظر في اليمن.
يربط غانم بين هذا الموضوع وارتفاع حدة التناقضات الاجتماعية التي تبدو عصية على الحل، فعندما تتراكم الأزمات في المجتمع، دون وجود أفق لحلول واقعية، يلجأ الناس في المجتمعات الهشة لانتظار ظهور مخلص، وبما أن هذا المخلص كزعيم أو نخبة سياسية رشيدة لم يظهر بعد، فمن المرجح أن يتحول توجه الناس إلى البحث عن مخلص غيبي، ديني، أسطوري.
ويردف: "القابلية لتصديق الحلول الخرافية أو الغيبية، الماورائية، تصبح مرتفعة لدى أفراد مجتمع طحنته رحى الحرب والأزمات لسنوات، كما هو حال المجتمع اليمني، وفي ظل هذا الواقع شديد التعقيد والتأزم، من المتوقع أن تتطور الحالات النفسية إما باتجاه ادعاء المهدي المنتظر، أو باتجاه تصديق الخرافات، أو الميل لمتابعة مثل هذه القصص والحكايات التي تستهوي الكثير من أفراد المجتمع، الذين ملوا من متابعة تراجيديا الواقع".
يواصل غانم تشخيصه معتبرا أن البعد الآخر لهذه الظاهرة يربط بطبيعة الشخوص الذين يتقمصون شخصية المهدي المنتظر أو المسيخ الدجال، فبعضهم من المشتغلين بالشعوذة، ويميلون لاستغلال هذه الفترات الصعبة التي تمر بها المجتمعات، لتمرير حيلهم في استقطاب المزيد من المريدين والمؤيدين.
ويشير غانم إلى أن الادعاء في هذه الحالة يكون بغرض الحصول على شهرة بطريقة أسرع وأسهل، فالكثير من الناس تميل للاهتمام بمتابعة الأمور غير المنطقية وغير العقلانية، كنوع من التسلية والبعد عن هموم الواقع، وبعض من يدعون أنهم المهدي، يسعون للفت انتباه الجمهور بما يقدمونه، فقرروا أن يسلكوا الطريق الأسرع لتحقيق الشهرة، وتحقيق أعداد مرتفعة من المتابعين.
وتابع: ما يعزز من انتشار هذه الظاهرة تعاطي بعض المخدرات أو حتى أنواع من القات، فالوقوع تحت تأثير بعض هذه المواد، قد يمنح المتعاطي جرعة مرتفعة من الشجاعة، تجعله غير مبال بالعواقب التي يمكن أن تترتب على ادعائه أنه المهدي المنتظر، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت للبعض هذه العملية، فبإمكان الشخص تسجيل فيديو، لقياس نبض الجمهور ومدى استجابته له، والبحث عن حظه من الشهرة عبر خوض هذه المغامرة.
الحرب تنعش هذه الظاهرة
الباحث فهد سلطان يرى أن فكرة المهدوية أو المخلص، تظهر وتنشط دائما في أماكن الحروب، بحيث تكون النفوس تتطلع للحصول على مخلص، فتبزر شخصيات تتبنى هذا الدور، وتوجد لها مروجين في أماكن الضعف، وأماكن الصراعات، وأكثر من يروج لها في هذه الفترة هم الحوثيون، وفقا لسلطان.
يشير سلطان في حديثه لـ"الموقع بوست إلى استغلال بعض الجماعات أو التيارات الدينية التي تطمع للحكم، والسيطرة الدينية، وأن المسلمين تاثروا بهذه العقيدة ( العقيدة المهدوية) وبدوا بالترويج، لها هروبا من افتقارهم لمقومات ومؤهلات القيادة أو الحكم، ليجعلوا من ادعائهم بالانتماء لنسل النبوة، مبررا وذريعة للقيادة والحكم.
وتابع سلطان: هذه الحالات تظهر في معظم الدول، وهذه العينات والحالات المرضية، موجودة بشكل كبير في كثير من الدول، ولكن تأثيرهم محدود جدا، ولا يجدون لهم مناصرين أو أتباع، وغالبا يكونوا مدعى للسخرية والضحك، ومنها اليمن، لكن للأسف مثل هؤلاء سواء من يدعون المهدية، أو ورثة الكتاب، أو أهل الولاية وغيرها ممن يعانوا من هذه الحالات المرضية يجدوا لهم أتباع ومناصرين، ومن يقتلون ويقتلون من أجلهم، من أجل اشباع حاجاتهم المرضية، والحوثي خير مثال على هذا الاتباع الأعمى.
دوافع نفسية واجتماعية
الباحث زايد جابر يرجع سبب انتشار هذه الظاهرة في اليمن، إلى الدوافع النفسية والاجتماعية لليمنيين، والحاجة الى قائد ومخلص يخرجهم من دوامة الصراع والإحتراب والوضع المعيشي الصعب الذي تسبب به الانقلاب الحوثي، وتدخل التحالف العربي، وما خلف ذلك من احباط في أوساط اليمنيين.
أما فهد سلطان فيرى أن سبب انتشار هذه الظاهرة في اليمن على وجه التحديد، وفي هذا التوقيت بالضبط، يعود إلى الفراغ المستشري في أوساط اليمنيين، والشعور بالإحباط من الوضع القائم المسيطر عليهم، مع استمرار الحرب وانتشار الظلم والفساد وتردي الخدمات وافتقادهم لرئيس دولة والى دولة وحكومة ومؤسسات وغيرها، حيث جعلت الجميع يتطلع للبحث عن قائد أو مخلص ومنقذ يخرجهم من هذا الوضع.
وتابع سلطان: فالمهدوية هي رمزية للبحث عن قائد وشخص يعيد العدل وينشره بين الناس، خصوصا في ظروف الحرب.
الجهل والأمية
رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة اب الدكتور جلال المذحجي أرجع أسباب انتشار مدعو المهدي المنتظر الى تفشي ظاهرة الجهل والأمية في أوساط عامة الشعب اليمني، وسرعة قابلية هذا الشعب للتصديق للخرافات والاشاعات، ثم سيطرة التفسير الديني والخرافي، الذي ربط ظهور المهدي المنتظر بتفشي ظاهرة الظلم والفساد و القتل وسفك الدماء، والفتن وانتشار الهرج والمرج، حيث خلفت الحرب كل هذه العلامات، مما جعل البعض يستغل الوضع القائم، ليعلن عن نفسه المهدي المنتظر المخلص.
وفي تصريح لـ الموقع بوست أشار المذحجي أن الترويج لفكرة المهدوية في مجتمعاتنا الاسلامية ككل، وفي هذا التوقيت بما تحمله من تفسير ومضامين أوساط المسلمين خصوصا بالمفهوم الشيعي، على رأسها علامات ظهورها، مثل انتشار ظاهرة الظلم والفساد والقتل وسفك الدماء والفتن، وتفسير أسباب حدوث كل ذلك في أوساط المجتمعات، بأنها بشارات لخروج المهدي، تغدو فكرة تخديرية صهيونية، ذات دلالات وأبعاد تدميرية، وتعد غزو غربي، وجريمة بحق العقل البشري.
وأوضح: "من آثار ترويج الغرب ودعمهم لفكرة المهدوية في مجتمعات الإسلام بمفهومها الخرافي، أنها تجعل بلدان العالم والدول تتقدم وتتطور وتصلح، وتحسن من أخطائها، وتبني بلدانها، بينما تجعل كثير من أبناء البلدان الاسلامية قاعدين منتظرين المهدي المنتظر يأتي ليصلح لهم حالهم ويحقق لهم القسط والعدل".