[ أطفال بمدينة إب في طريقهم إلى المدرسة ]
واقع مرير يعيشه اليمنيون مع عودة الدراسة للموسم الجديد 2022 – 2023، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي إذ فشلت كثير من الأسر على الحاق أولادها بالمدارس الحكومية؛ بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ومع دخول الحرب عامها الثامن.
خلال السنوات الأخيرة تعرض قطاع التعليم في اليمن لأضرار بالغة، طالت بنيته التحتية – الضعيفة أصلا – حيث يواجه قرابة 200 ألف مُعلّم صعوبات جمة بعد توقف رواتبهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وبحسب منظمة اليونيسف فإنّ أكثر من ثلثي المعلمين أو ما يقارب 172 ألف معلم ومعلمة لم يعودوا يحصلون على رواتبهم منذ العام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدِرّة للدخل.
وتشير تقارير دولية إلى أن ما يقارب مليوني طفل يمني هم خارج التعليم في اليمن، مرجعة ذلك إلى النزاع القائم منذ ثماني سنوات والذي أثر بدوره على الوضع الاقتصادي مما دفع أهالي الطلبة إلى عدم إرسالهم إلى المدارس، وفي أحسن الحالات يقومون بإرسال الذكور دون الإناث، في حين أن هناك حوالي 1.7 مليون طفل يعيشون في مخيمات النزوح و80 في المئة منهم لا يذهبون إلى المدارس لأسباب مختلفة، وفقا لتقارير حديثة لمنظمة الهجرة الدولية.
ومع دخول الحرب عامها الثامن، تجد الآلاف من الأسر نفسها عاجزة من إلحاق أبنائها بالمدارس هذا العام، بسبب فرض الحوثيين رسوماً دراسية في المدارس العامة تصل إلى 800 في المئة، لينضموا إلى مليوني طفل لم يلتحقوا بالتعليم سنوياً نتيجة للنزاع القائم، وفق تقارير محلية ودولية.
وأثار القرار الذي أصدرته وزارة التربية التابعة للحوثيين صدمة في المجتمع الذي يعيش 80 في المئة منه على المساعدات لأنه ينص على فرض رسوم دراسية في جميع المدارس الحكومية تبلغ 8300 ريال على كل طالب بدلاً من ألف ريال خلال العام الماضي تحت مسمى "مساهمة مجتمعية" وهي بالأصل جباية لتمويل حربها ضد اليمنيين.
معاناة وأعباء ثقيلة
مصادر تعليمية حذرت من اجراءات الحوثيين، الأمر الذي سيؤدي إلى عزوف كثير من الأسر عن إرسال أبنائها إلى المدارس، وسيكون جزء كبير من الميسورين ضحايا لهذا القرار بعد أن اضطروا إلى إدخال أبنائهم مدارس حكومية هرباً من رسوم التعليم الباهظة في المدارس الخاصة.
وإلى جانب معاناة الناس ووضعهم المعيشي السيئ وعدم امتلاك غالبية الأسر رسوم الحاق أبنائهم إلى المدارس يتخوف الأهالي أيضا من تلغيم عقول أطفالهم جراء المنهج التعليمي التي أجرت جماعة الحوثي عليه تغييرا جذريا طال غالبية المواد التعليمية بما يخدم أجنداتها ومشروعها الطائفي الدخيل على المجتمع.
محمد قاسم (44 عاما) رب أسرة لديه خمسة أبناء، منهم فتاتان، عجز عن توفير رسوم كل أولاده لإلحاقهم بالمدارس الحكومية هذا الموسم وقال إنه اضطر لإلحاق الثلاثة الأولاد فيما ابقى الفتاتين بالمنزل.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول قاسم "بسبب الحالة المعيشية والوضع الاقتصادي المتردي اعجز عن توفير الالتزامات التي علي تجاه أسرتي من نفقات وايجار الشقة التي أقطنها".
يضيف "طلبوا منا رسوم تسجيل مبلغ 8 آلاف ريال لكل طالب كرسوم تسجيل، إلى جانب ألف ريال تدفع شهريا لإدارة المدرسة كرواتب للمعلمين"، متسائلا بالقول: من أين لي هذا المبلغ ونحن عاطلون وبلا مصدر دخل؟
بلغة مليئة بالحسرة والحزن يتابع قاسم بالقول "لا عمل ولا دخل ثابت إلى جانب ارتفاع الأسعار، لا استطيع أن ادفع قرابة 50 ألف ريال رسوم تسجيل الأولاد في المدرسة، ناهيك عن توفير من 35 ألف ريال إلى 40 ألف لكل طالب مستلزمات وزي مدرسي.
يشير قاسم إلى أنه -حتى لحظة كتابة التقرير- لم يتمكن من إلحاق أولاده بالمدرسة هذا العام، وأنه أمام خياران صعبان: إما توقف أولاده عن الالتحاق بالمدرسة هذا العام لعل وعسى تفرج الأزمة في البلاد، أو أن يلحق الأبناء الثلاثة ويبقى الفتاتين في المنزل.
خيارات بديلة
أم عنود، ربة منزل لديها طفلان، هي الأخرى أخرجت أولادها من مدراسهم الخاصة الذي درسا فيها لعدة أعوام، واضطرت إلى إدخالهم المدارس الحكومية طمعاً في التعليم المجاني، بعد أن عجزت عن دفع الرسوم في المدارس الخاصة والمقدرة من 150 إلى 170 ألف ريال عن كل طالب.
تقول أم عنود "رغم أننا نمتلك مسكن (ليس بالايجار) ووضعنا المادي متيسر نوعا ما إلا أنه مع ارتفاع الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة ورفع المدارس رسوم التسجيل هذا العام إلى أضعاف أصبحنا غير قادرين على دفع تلك المبالغ، الأمر الذي دفعها إلى تحويل أولادها إلى المدارس الحكومية رغم أن التعليم في المدارس الحكومية سيئ بسبب عدم الاهتمام من قبل السلطات القائمة وأيضا بسبب عدم استلام المعلمين رواتبهم منذ عدة سنوات بسبب الحرب.
وفي الشأن ذاته يرى التربوي ماجد عبده أنّ التعليم الحكومي في اليمن فقدَ جودته تمامًا مع تغيب المدرسين بعد انقطاع مرتباتهم منذ بداية الحرب إلى جانب تغيير الحوثيين للمنهج بشكل كلي ما يخدم أجندات ومعتقدات الجماعة ذات النزعة الطائفية.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول عبده إنّ "التعليم في اليمن صار أحد أكبر الهموم التي تؤرق الأسر في البلاد، في ظل الظروف المعيشية السيئة".
ولفت إلى أنّ الكثير من الآباء والأسر اليمنية صار لديهم قناعة بأنّ المدارس الحكومية لم تعد صالحة لتلقي العلم، وهم يفضلون الخيار الأصعب بالتعليم الخاص بحثًا عن جودة التعليم لأبنائهم رغم كلفته الباهظة، والأقساط المبالغ فيها جدًّا، رغم رداءة التعليم فيها أيضا".
أرقام صادمة
وتشير تقديرات الأمم المتحدة أن أكثر من 80 في المائة من الأطفال اللاجئين الذكور وأكثر من 70 في المائة من الإناث من الأطفال اللاجئات لا يذهبون إلى المدرسة، ولا يفعلون شيئا، أو يتسولون، حيث يصف خبراء في مركز البحوث الوضع بالكارثي، إذ إنها المرة الأولى التي يتم فيها إنهاء مجانية التعليم.
ووفقا لتقرير منظمة الهجرة الدولية لم يتسلم 171.600 معلم ومعلمة (ثلثا العاملين في مجال التعليم) رواتبهم بشكل منتظم لمدة ست سنوات، ويضطر المعلمون للتوقف عن التدريس لإيجاد سبل أخرى لإعالة أسرهم، الأمر الذي يعرض ما يقرب من أربعة ملايين طفل إضافي لخطر فقدانهم فرص الحصول على التعليم.
ويذكر تقرير اليونيسيف، أن هناك مليوني طالب خارج المدارس حتى نهاية عام 2021 وخلال الفترة الواقعة بين مارس (آذار) 2015 وفبراير (شباط) 2021 تم تجنيد أكثر من 3.600 طفل في اليمن ضمن الجماعات المسلحة أو القوات، كما أن هناك 1.71مليون طفل نازح، قتل منهم 3.336، و400 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.