[ من مشاورات جنيف2 ]
وسط كثير من الشكوك وخيبة الأمل لا يعول كثير من اليمنيين على مباحثات الكويت التي يحاول المجتمع الدولي إيجاد صيغة لإنهاء الحرب في اليمن، ذلك أن اليمنيين باتوا مدركين لألاعيب المليشيات الحوثية وأنصار الرئيس المخلوع في التلاعب بالزمن وشراء الوقت وكذلك التلاعب بنصوص المبادرات التي تقدم بين فترة وأخرى، واضعة نصب عينيها فقط إنهاء ووقف قصف طيران التحالف العربي لأهداف المليشيات على الأرض حتى يستفردوا بالواقع على الأرض كون كفتهم التسلحية هي الراجحة على أرض الواقع، هذا فضلاً عن أن القرارات الرئاسية الأخيرة التي أزاح فيها الرئيس هادي نائبه ورئيس حكومته بحاح فضحت كثيراً من الأطراف الدولية والإقليمية في التلاعب بالقضية اليمنية والوقوف خلف المليشيات.
علينا أن ندرك أن المشكلة التي نعاني منها اليوم ليست وليدة اللحظة ولا عقد أو قرن من الزمان، بل هي مشكلة متجذرة منذ 1200 سنة؛ إذ لا يسهل علينا توقع حلها بين عشية وضحاها وفي مؤتمر للسلام هنا أو هناك.
تمضي الأحداث وتتسارع الخطى نحو مؤتمر الكويت المزمع عقده في الثامن عشر من هذا الشهر إلا أن هناك الكثير من المعوقات التي سوف تعترض المؤتمرِين وتفشل أية مباحثات مماثلة كما فشل من قبل مؤتمرا "بيل" و"جنيف" في سويسرا لأسباب عديدة نذكرها كما يلي:
أولاً: إبقاء جذوة الصراع مشتعلة من قبل أطراف خارجية:
هناك أطراف دولية وإقليمية متعددة تقف وراء الانقلابيين لا ترغب في إحلال السلام في اليمن وتبقي فتيل الصراع مشتعلاً إما لاستثمار الصراع في المنطقة وتمرير مصالحها في المنطقة تحت حجج متعددة، وإما نكاية وضغطاً على دول وجماعات أخرى. وهذه الأطراف هي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران والإمارات وكلها لها أهدافها الخاصة من وراء هذا الصراع في اليمن، وكلها فضحتها القرارات الرئاسية الأخيرة.
فالولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف الحوثيين لثلاثة أسباب رئيسة هي:
- ابتزاز المملكة العربية السعودية بالإبقاء على فزاعة الحوثيين ورقة مستدامة للضغط على المملكة في عدة اتجاهات وملفات.
- التماهي والمقايضة مع إيران لتمكينها في المنطقة إقليمياً مقابل عدم المضي قدماً في برنامجها النووي، وخلق نوع من التوازن في المنطقة مع المملكة العربية السعودية بشكل خاص والخليج بشكل عام، والتوازن الطائفي في المنطقة، وأمريكا سلمت العراق على طبق من ذهب لإيران ولا تخفي توجهها لدعم المشروع الشيعي في المنطقة والتمكين له.
- استثمار ملف الحوثي في مواجهتها للإرهاب في المنطقة، كما تزعم، واستنزاف المنطقة في صراعات طائفية وإضعاف كل المحيط بـ(إسرائيل) للإبقاء عليها دولة متفوقة في المنطقة، وإيجاد الفوضى الخلاقة وتقسيم الشرق الأوسط مجدداً على أساس طائفي.
ولهذه الأهداف هيأت الولايات المتحدة الأمريكية لها حلفاء جددا في المنطقة تمثل هذا الحليف الجديد في الإمارات العربية المتحدة التي مكنتها في المنطقة وسحب البساط من تحت أقدام المملكة العربية السعودية بشكل تدريجي، ولذلك بدت الإمارات حليفاً مشاكساً للمملكة وتتخذ سياسات مغايرة لسياسات وتوجهات المملكة.
وبدا هذا التوجه واضحاً منذ القرارات الرئاسية الأخيرة التي لم تعجب الإمارات فعمدت إلى القيام بخطوات كثيرة للتعبير عن عدم رضاها للسياسة اليمنية الأخيرة وهي تعلم أن المملكة تقف خلف هذه القرارات، فقامت بسحب بعض قواتها من مارب، وعملت على تحريك الملف الجنوبي واستدعت الشخصيات الجنوبية كالعطاس والجفري والبيض والزبيدي وشلال وانضم إليهم مؤخراً بحاح وغيرهم وجعلتهم يقومون بتحركات متعددة منها: توقيع (وثيقة الاستقلال) وتدعم توجهات الجنوب نحو الانفصال، وهي تهيمن الآن في الجنوب للاستفراد بميناء عدن الدولي والمنطقة الحرة، كما منعت تزويد مقاومة تعز بالأسلحة.
وحتى مرشح الرئاسة السابق في مصر أحمد شفيق خرج عن صمته وأدلى ببيان يعبر عن عدم رضاه بتسليم السيسي جزيرتي صنافر وتيران للسعودية، وهذا لا يخفى على أحد أن الإمارات تقف خلفه. كما شرعت مؤخراً باستدعاء الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل عسكرياً في اليمن لما أسمته الوقوف ضد الإرهاب، وهذا ضرب من التلاعب السياسي الذي يخفي خلفه أجندة كثيرة لن تكون سوى إلا لضرب الجبهات المختلفة كما هو الحال مع روسيا وأمريكا في سوريا ظاهرياً لمواجهة داعش بينما الضرب يتركز على أهداف المقاومة المدعومة من المملكة العربية السعودية.
أما روسيا وإيران فمعلوم حلفهما التاريخي وكل أذرعة إيران في المنطقة هي ضمن هذا الحلف، ويقفان في صف الحوثيين وصالح سياسياً وعسكرياً ومالياً.
ثانياً: الأسباب الداخلية والخلفية الطائفية والفكرية:
للمليشيات الحوثية معتقدات وأجندة طائفية عمرها مئات السنين في اليمن وهي تشعر أنها حامل المشروع الإمامي الذي أسسه الهادي الرسي وامتد حتى اليوم ولا يمكن بحال من الأحوال التسليم والرضوخ لمشروع الدولة الذي قوضته وخسرت لذلك آلاف القتلى في صفوفها وصولاً لهذه النتيجة وبسط سيطرتها على كثير من المحافظات اليمنية.
فالمليشيات الحوثية ليست جماعة أو حزباً سياسياً يمكن أن تسكت عند بلوغ حد من المكاسب السياسية بل هي جماعة عقائدية عنصرية طائفية ترى سلالتها السلالة المفضلة والأحق بالحكم "مؤيدة من الله"، وترى المراوغات السياسية والغدر بالعهود والمواثيق مع الآخر ديناً وعقيدة وإن اضطرت في مأزق ما فإنها تستخدم التقية السياسية والفكرية حتى تتجاوز تلك المآزق ثم تنبعث من جديد بشكل أقوى من ذي قبل.
بعد وصولها إلى قمة مجدها وشعورها بأنها قد حققت مشروعها فإنه يستحيل مع هذه الجماعة التسليم والرضوخ وهي ترى خصومها يستجدونها السلام وتراهم في موقع الضعف وهي في موقع القوة إلا أن تحمل قسراً وقهراً على التسليم والاستسلام، وما عدا ذلك فهو مغالطة كبرى وضرب من الأمنيات.
ثالثاً: إيجاد العثرات في تطبيق قرار مجلس الأمن 2216:
ويدعو قرار مجلس الامن المليشيات لتسليم الأسلحة وانسحابها من المدن وتسليم مؤسسات الدولة، وهي تجاهد للتخلص من هذا القرار وعدم تنفيذه؛ لأنها تدرك أن تسليم السلاح معناه سقوط مشروع إيران الفارسي في المنطقة.
وهناك ألغام حوثية مليشوية سيصطدم بها أي مسعى للحل السياسي السلمي حتى لو بدأت أولى خطواته على طاولة الاتفاقات في الكويت أو في غيرها، وهذه الألغام هي:
-تسليم السلاح:
كثيراً ما تراوغ المليشيات الحوثية في مسألة تسليم السلاح وتختلق الأعذار المختلفة والتلاعب بالألفاظ والوقت والبنود ومن ذلك مثلاً ما ظلت تردده منذ العام 2011 فتقول: لأية دولة وحكومة وجيش نسلم السلاح؟! فهي لا ترى في الحكومات المتعاقبة حكومة شرعية مؤهلة لتسلم السلاح وبسط سيطرتها على الأرض ليس لأنها ليست حكومات قوية أو توافقية فحسب وإنما هي لا تريد التسليم من الأساس فهي لا ترى إلا الحكومة والدولة والجيش إلا المتخيلة في عقولهم؛ دولتهم هم وحكومتهم وجيشهم هم، وهذا ما سعوا له عبر الانقلاب. وقد رأينا تلاعباً بالألفاظ وشيئاً من المناورة السياسية في تصريحات ناطقهم الرسمي محمد عبدالسلام لصحيفة الشرق الأوسط قبل أيام، ومن خلال تلك التصريحات بانت خارطة توجههم في التعامل مع هذا الشأن.
-المليشيات في مفاصل الدولة:
فضلاً عن هيمنة المليشيات الحوثية وأتباع الرئيس المخلوع على كل مفاصل الدولة فيما يسمى بالدولة العميقة سواء دولة الإمامة العميقة أم دولة المخلوع وحزبه العميقة، فإننا أمام دولتين عميقتين منذ ما بعد ثورة 26 سبتمبر وحتى اليوم، عززت المليشيات الحوثية والعفاشية هاتين الدولتين العميقتين بمليشيات أخرى بعد الإنقلاب؛ ففي مجال الجيش وحده عززوا بأكثر من 30 ألف عنصر مليشاوي، وفي مجال الأمن حوالي 20 ألف عنصر، ناهيك عن عملية الإحلال في السلك المدني بأكثر من 30 ألف عنصر منذ الانقلاب فقط، أما لو حسبنا ما تم إضافته أثناء ثورة الشباب في 2011 فبحسب توجيهات صالح وكشوفات الخدمة المدنية فقد تم توظيف 60 ألف من أنصار المخلوع.
أمام هذا السيل الجارف من التوظيف العشوائي لمليشيات كامنة ومقاتلة تكون المليشيات قد التهمت الدولة بكل تفاصيلها ومؤسساتها، وليس من السهل مواجهتها أو تسريحها فستكون العقبة الكأداء فضلاُ عن الأرقام الأخرى لما يسمى باللجان الشعبية ومليشيات صالح التي يتجهزون بها لفرضها مع أية مفاوضات لاستيعابها في الدولة.
سيمثل هذا الأمر كارثة اقتصادية للدولة لن تتعافى منه فضلاً عن عدم تأهيلها وستكون عبارة عن بطالة مقنعة وعالة على الشعب في كل مناحي الحياة ستخلق دولة معاقة ومشوهة لن تمضي خطوة واحدة إلى الأمام.
أضف إلى ذلك الجيش الوطني المشكل حديثاً والمقاومة الشعبية المساندة للجيش التي يراد استيعابها ليس كحق من حقوقها في مقاومة الانقلاب فقط وإنما حتى في مقابل الطرف الآخر الذي أتخم أجهزة الدولة بعناصره.
وهذه تعد من أكبر وأهم الألغام المتربصة بالشعب اليمني وخطورتها أشد من الألغام العسكرية المزروعة في جبهات القتال والتي يسهل انتزاعها والتخلص منها، بينما ألغام الدولة العميقة لا يمكن التخلص منها بسهولة.
محاسبة الانقلابيين وشهداء وجرحى وإعمار:
أية تسوية سياسية معناها الاعتراف بكل الأطراف والإبقاء على المكونات والقيادات التي أوغلت إجراماً في حق الشعب وليس مستبعداً أن تعطى حصانات كما أعطيت في 2011؛ لأنه إذار أريد زحزحة المشكلة نحو الحل فلا بد من تقديم الأطراف تنازلات لبعضها حتى تتم التسوية وهنا مكمن الخطورة التي ستفضي إلى حروب مستقبلية أخرى.
لا نستطيع أن نتخيل أبداً أن من قاموا بارتكاب المجازر بحق الشعب وتدمير مدن بأسرها والقضاء على الدولة أن يكونوا شركاء في الدولة القادمة وينعمون بكافة الامتيازات وتذهب دماء الشهداء هدراً، ولا يكون هناك من عدالة اجتماعية وقضائية انتقالية تحاسب مرتكبي المجازر بحق الشعب.
حينما تجد أسر الضحايا أن تضحيات أبنائها ذهبت أدراج الرياح وعدم إنصاف سيكون دافعاً قوياً لها ولكثير من عامة الشعب تشكيل منظمات مسلحة أخرى موازية تقوم بالانتقام للضحايا وتطبيق العدالة بشكل شخصي مما يدخل البلاد في فوضى وحروب أهلية لا تنتهي، وعلينا أن نسترجع فقط سيناريو هذا الانقلاب والحروب المختلفة أنه جاء نتيجة أيضاً لعدم إنصاف ضحايا 2011 وعدم محاسبة المسؤولين عن تلك الحروب.
أما إعادة الإعمار فحدث عنها ولا حرج من حيث كميات الأموال التي تحتاجها اليمن لإعادة الإعمار وبناء الدولة وتعويض الضحايا وإعادة تأهيل الدولة وجيشها ومؤسساتها وغيرها في ظل شحة إمكانات البلد ومواردها الاقتصادية المدمرة.
تنفيذ مخرجات الحوار الوطني
حينما قام الانقلابيون بانقلابهم كان في الأساس موجها ضد مخرجات الحوار الوطني التي كانت كرؤيا واضحة المعالم في بناء الدولة وتوزيع الثروة وتحقيق التوازن الاجتماعي والسياسي وغيره في البلد، والخروج من هيمنة الهضبة على بقية أنحاء اليمن. وعلى الرغم من أن هذه المخرجات كفلت حتى للانقلابيين حقوقهم وامتيازاتهم الجغرافية والسياسية إلا أنهم رفضوها وقاموا بهذه الحرب، واليوم وبعدما دمروا البلد لم تعد تلك المخرجات في بعض أجزائها صالحة للمرحلة المقبلة، وحتى في ظل الحوار السياسي لابد من التنازل عن بعضها وإلا فإن كل طرف متخندق حول مطالبه السابقة ولم نحقق تقدماً من نوع ما وهو ما يعني استمرار الحرب وفشل الحلول السياسية، ومن هنا سيكون علينا أن نتوقع فشل مؤتمر الكويت قبل قيامه، واستمرار المضي في طريق الحرب إلا أن يتم الحسم العسكري ميدانياً أو كسر شوكة الانقلاب، وأي حديث خارج هذا النطاق سيعد ترحيلاً للمشكلة وحلولاً ترقيعية واستعدادت لمعارك أشد ضراوة من سابقاتها.