تخللت العمليات العسكرية التي مضى عليها أكثر من عام، منذ بدأت "عاصفة الحزم"، التي أطلقها التحالف العربي، بقيادة السعودية لدعم الشرعية في اليمن، في 26 مارس 2015، تخللتها العديد من الهدن، بإشراف الأمم المتحدة، وهي الهدن، التي غالبا ما كانت تسبق جولة محادثات بين الحكومة الشرعية، والمتمردين الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح.
وخلال الثلاث الهدن، التي وقعت عليها كل الأطراف، كانت مليشيا الحوثي وقوات المخلوع، أول من يخترقها، من خلال الاستمرار في قصف المدن، والمناطق بمختلف أنواع الأسلحة، إلى جانب الاستمرار في حصار المدنيين، وحرمانهم من الخدمات والمساعدات، إلى جانب استغلال تلك المليشيات، للهدنة الأولى والثانية، لإعادة ترتيب أوراقها، وتعزيز صفوفها، فضلا عن استقبال مزيد من الأسلحة من حلفائهم الإقليميين.
الهدنة الاولى (هدنة مشروطة)
ليلة الثلاثاء، الموافق 12 مايو 2015، بدأت هدنة تم التوصل إليها بين الأطراف المتصارعة، بإشراف من الأمم المتحدة، حيث كانت هدنة مشروطة، ولكن وبعد ساعات من دخولها حيز التنفيذ، إلا أنه سرعات ما عادت المواجهات في مختلف الجبهات، الأمر الذي أضطر التحالف العربي، إلى إلقاء منشورات في مناطق صعدة تحذر من غارات جوية ستستهدف مواقع المليشيا في جميع أنحاء المحافظة.
الوضع الإنساني
جاءت الهدنة الأولى، في ظل تدهور كبير للوضع الإنساني في مختلف المحافظات، حيث ساهم الحصار الخانق الذي فرضه التحالف طيلة الأسابيع السبعة، منذ بدأت "عاصفة الحزم"، في خلق ظروف سيئة، في معظم المحافظات، بسبب انعدام المشتقات النفطية، وتوقف حركة الواردات عبر المنافذ البحرية.
وما إن بدأت الهدنة، حتى سارعت وكالات إغاثة إنسانية إلى إيصال كميات كبيرة من المساعدات إلى اليمن عبر ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، في حين أعلن الملك سلمان ابن عبد العزيز عن منحة مقدمة من المملكة للمساعدات الإنسانية في اليمن بقيمة 540 مليون دولار.
كما رست عدد من السفن التي تحمل مساعدات إنسانية من دقيق ومساعدات طبية ومشتقات نفطية وغيرها من الاحتياجات الضرورية، في عدد من الموانئ اليمنية، حيث رست ثلاث سفن في ميناء الحديدة، بينما رست اثنتان في ميناء المكلا والأخيرة، رست في ميناء المخا.
كما رصد خلال الهدنة الأولى، دخول 18 قاطرة تحمل مشتقات نفطية عبر منفذ الوديعة، في حين تم إجلاء عدد من موظفي الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومنظمات دولية عبر مطار صنعاء، إلى جانب إجلاء رعايا إثيوبيين عبر مطار جازان الإقليمي، بينما رصد دخول طائرات تحمل مواد إغاثية ومساعدات طبية إلى اليمن.
الخروقات والانتهاكات
شهدت الساعات الأولى من الهدنة الأولى، هدوء نسبي في كل من عدن ولحج وابين (جنوب)، لكن الهدنة لم تصمد طويلاً، وسرعان ما شرعت المليشيات في قصفت عدة أحياء في مدينة عدن بقذائف الهاون.
كما حشدت مليشيات الحوثي وصالح مسلحيها وآلياتهم في محيط جبل جرة، واستمرت بإدخال تعزيزات ودبابات ومدرعات وأطقم عسكرية من المدخل الشرقي لمدينة تعز، وطالت الخروقات تعز، والبيضاء، ورداع، ومأرب والضالع، وحضرموت،
كما شهدت محافظة الضالع اشتباكات متقطعة بين اللجان الشعبية والمسلحين الحوثيين، مما أعاق وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، وشهدت مدينة تعز، اشتباكات مسلحة عنيفة، سقط على العديد من المدنيين.
وفي اليوم الرابع من الهدنة، وقصف الحوثيون بالسلاح الثقيل والقذائف أحياء تعز، ما أوقع 12 قتيلا و51 جريحا في صفوف المدنيين، وأسفرت المعارك التي تكثفت خلال الليل عن سقوط 26 قتيلا في صفوف الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح، و14 في صفوف اللجان الشعبية في المدينة.
التحرك الأممي
كان الموفد الأممي الموريتاني إسماعيل الشيخ أحمد قد وصل إلى صنعاء قبل ساعات من دخول الهدنة الإنسانية حيز التنفيذ في محاولة لاستئناف مفاوضات السلام.
الهدنة الثانية (هدنه غير مشروطه)
أعلن وقف لإطلاق النار للمرة الثانية، في 15 ديسمبر من العام 2015، حيث تزامن الاتفاق مع بدء جولة جديدة من محادثات جنيف بين الحوثيين والحكومة برعاية الأمم المتحدة، حيث كان الاتفاق في هذه المرة غير مشروط.
الوضع الإنساني
جرى خلال الهدنة الثانية تبادل للأسرى في منطقة يافع بمحافظة الضالع بين الحكومة والحوثيين، في حين استقبل ميناء عدن سفينة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تحمل 300 طم متري من المساعدات الغذائية بعد 3 أسابيع من وصولها إلى قبالة شواطئ عدن.
كما وصلت طائرتان إماراتيتان، وطائرة سعودية تحمل مساعدات إنسانية إلى عدن حينها.
الخروقات
بالرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار خلال الهدنة الثانية، إلا أن المواجهات العنيفة استمررت بين الطرفين في كل من تعز ومأرب وشبوه والجوف، كما فتحت جبهة جديدة للمعارك في حجة بعد استفزازات ومحاوله اختراق الحدود السعودية من قبل الحوثيون وقوات صالح.
وخلال هذه الفترة، تقدمت القوات الموالية للحكومة الشرعية في 16 ديسمبر 2015 في منفذ حرض الحدودي مع السعودية في محافظة حجة غربي اليمن، حيث تمكنت من السيطرة على المنفذ وكذا التلال والمرتفعات المحيطة به وهي تل الدغاسة وجبل المفلوق، إضافة إلى أن القوات الحكومية توجهت لتطويق مدينة حرض وقصفت مواقع للحوثيين بالمدفعية.
وبالتزامن مع ذلك سيطرت قوات أخرى على بلدة ميدي و"ميناء ميدي" الواقع على البحر الأحمر في نفس المحافظة، مدعومين ببوارج حربية تابعة للتحالف العربي شنت قصفاً مكثفاً على سواحل مدينة ميدي قبل أن تسقط بيد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الموالية للشرعية.
في 17 ديسمبر توغلت قوات الجيش في مدينة حرض وسط اشتباكات عنيفة، وشهدت منطقة "الطوال - حرض"، بينما اندلعت اشتباكات كثيفة، بين الجيش والمقاومة من جهة، ومليشيا الحوثي والمخلوع من جهةٍ أخرى في حجة، أسفرت عن تقدم لقوات الجيش والمقاومة مسنود بقوات التحالف والأباتشي مع تقدم بوارج حربية في السواحل الغربية لليمن، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها محافظة حجة معارك ميدانية منذ اندلاع الحرب.
وبالتزامن مع المعارك في حجة، تمكن الجيش مدعوماً بالمقاومة الشعبية والتحالف العربي في محافظة مأرب شرقي صنعاء في 17 ديسمبر من السيطرة على "معسكر ماس" ونقطة الجميدر ونقطة حلحلان و"وادي الخانق" جنوبي منطقة "مفرق الجوف" الفاصل بين محافظتي الجوف ومأرب وتعتبر آخر معاقل الحوثيين في مأرب، والتقدم داخل محافظة الجوف.
كما تمكنت القوات الحكومية في اليوم التالي 18 ديسمبر من السيطرة على مدينة حرض بمحافظة حجة غرب اليمن، وعلى مدينة الحزم مركز محافظة الجوف ومواقع عسكرية فيها منها معسكر اللبنات التابع للواء 115 مدرع الذي كان خاضعة لسيطرة الحوثيين والقوات الموالية لصالح.
وفي اليومين التاليين 19 و20 ديسمبر تعمقت قوات الجيش القادمة من مأرب والجوف داخل مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء والتابعة لمحافظة صنعاء حيث سيطرت على جبل "اللدود" ثالث جبل مطل على "فرضه نهم" التي يوجد بها معسكرات اللواء 312 مدرع التابع لصالح والحوثيين، حيث تبعد فرضة نهم عن العاصمة صنعاء نحو 40 كلم.
واستمرت الاشتباكات المتقطعة ومعارك الكر والفر في المثلث الفاصل بين صنعاء ومأرب والجوف حتى أوائل فبراير 2016 عندما تقدمت القوات الحكومية في منطقة فرضة نهم واستعادت السيطرة على معسكر اللواء 312 مدرع بالقرب من العاصمة صنعاء.
الجهود الأممية
انطلقت في مدينة بيال السويسرية، خلال فترة الهدنة الثانية، محادثات مؤتمر جنيف 2 بين وفدا الرياض وصنعاء بالتزامن مع بدء سريان هدنة ووقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام.
الهدنة الثالثة
بدأت الهدنة الثالثة، والأخيرة، مساء 10 أبريل الجاري، بعد مرور أكثر من عام على المعارك المحتدمة في البلاد، حيث جاءت هذه الهدنة، بعد محادثات مباشرة عقدها الحوثيون مع السلطات السعودية بشكل مباشر منذ عدة أسابيع لأول مرة.
كما أن هذه الهدنة، تأتي في الوقت الذي تستعد الحكومة الشرعية والإنقلابيين لعقد جولة محادثات جديدة في الكويت، حيث من المقرر أن تبدأ في 18 أبريل الجاري.
الوضع الإنساني
لم يتم الاعلان عن أي تحرك فيما يتعلق بالجانب الإنساني، رغم أن الاتفاق نص على ضرورة السماح بإدخال المساعدات إلى السكان في مختلف المحافظات المتضررة من الحرب.
الخروقات
بالرغم من إعلان المليشيات المتكرر التزامها بوقف إطلاق النار، إلا أن خروقاتها لم تتوقف، حيث رصدت في كل الجهات عشرات الخروقات، منذ اليوم الأول من الهدنة.
وبحسب المصادر، فقد فجر الحوثيون منازل في الجوف، بينما شنت المليشيات عدة هجمات وقصف على مواقع الجيش والمقاومة في الجبهة الغربية في تعز، فضلا عن إطلاق صواريخ وقذائف مدفعية بشكل مستمر على الأحياء السكنية في تعز.
كما أطلقت المليشيا، منذ الدقائق الأولى للهدنة، صواريخ بالستية باتجاه مأرب، والجوف، إضافة إلى مهاجمة وقصف مواقع الجيش والمقاومة في شبوة والبيضاء ومأرب ونهم وحجة وتعز وغيرها.