[ جنود إمارتيون في عدن ]
يحتفل اليمنيون اليوم بالذكرى الـ58 لثورة 14 أكتوبر 1963، ذكرى طرد المستعمر البريطاني، وبعد مضي خمسة عقود لا يزال مصير جنوب اليمن مجهولا في ظل سيطرة دولة الإمارات على موانئ وجزر جنوب البلاد ومدنه عبر ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
يجعل هذا الواقع الجنوب في وضع يشبه ما كان عليه من شتات أيام الاحتلال البريطاني الذي تم اجلاء آخر جندي منه من عدن عام 1967.
ما يدور اليوم هو نفس اللغط والجدل المصدوم بخيبة الأمل وتناقضات الواقع المرير يحدث مع أحفاد غالب بن راجح لبوزة وعبدالله المجعلي وقحطان الشعبي وعبود الشرعبي قادة ثورة 14أكتوبر/تشرين الأول 1963في جنوب اليمن ضد الإستعمار البريطاني.
اللغط المحتدم الذي اشعل ما يمكن تسميته بثورة تساؤلات فكرية وسياسية في أوساط الشارع الجنوبي بمختلف شرائحه وأطيافه وتوجهاته انصبت جميعها حول ماهية الرسالة التي سيبعثها أحفاد ثوار ثورة 14أكتوبر لرموزها وقادتها في الذكرى الـ 58 لانطلاقها والجنوب بجزره ومدنه وموانيه وثرواته محتل من قبل دولة الإمارات التي فاقت ممارسات مليشياتها الإجرامية ضد شعب الجنوب ببشاعتها ما كان يمارسه الاحتلال البريطاني قبل 58 عاماً.
"الموقع بوست" يجيب في هذا التقرير عن بعض تلك التساؤلات.
ذاكرة الثورة
عن ذكريات ثورة 14 أكتوبر يقول محمد ناصر (77عاماً) وهو أحد المعاصرين لثورة أكتوبر "قبل أن يعلن الشيخ الثائر غالب بن راجح لبوزة انطلاق شرارة الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني من جبال ردفان كانت الأصوات المطالبة برحيل الاحتلال البريطاني عن الجنوب قد بدأت تتعالى وبدأت خلايا المقاومة تتشكل عبر توزيع المنشورات المحرضة على الثورة ضد الاحتلال في كل محافظات الجنوب وخصوصا مدينة عدن.
وأضاف ناصر في حديثه لـ "الموقع بوست" "بدأ الفدائيون ينفذون عمليات فدائية ضد جنود الاحتلال وبمجرد أن أعلن الشيخ غالب بن راجح لبوزة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في 14أكتوبر/تشرين الأول1963بعد عودته من المشاركة في ثورة 26سبتمبر/أيلول1962ضد العهد الإمامي في الشمال حتى لبت جماهير الشعب نداء الثورة واندفعت تقاتل المستعمرين بإستبسال عنيد بأسلحة شخصية وامكانيات شحيحة مقارنة بما يملكه جيش الاحتلال البريطاني من طائرات ومدرعات وآليات متطورة".
وفي رده عن تساؤلنا عن ماذا تبقى من ثورة 14أكتوبر في ذكراها الثامنة والخمسين؟ يجيب نصار بعد برهة تفكير وكأنه يستحضر الظروف التي اشعلت ثورة أكتوبر بالقول "مع الأسف لم يتبقى من تلك الثورة ومن تضحيات الشهداء غير ذكرى لحلم اغتيل في دوامة الصراع والاحتراب".
وتابع "ها نحن الآن نعيش في ظل احتلال جديد ووصاية خارجية بذات الذرائع الخادعة التي تحججت بها بريطانيا لاحتلال الجنوب".
ذكرى بين احتلالين
من جهته أوضح الأكاديمي فيصل على الزبيدي "أن اليمن بموقعه الاستراتيجي وتحكمه بطرق التجارة العالمية ومضيق باب المندب، ظل عبر التاريخ هدفاً للأطماع الاستعمارية لذلك تكتسب احتفالات الشعب اليمني عامة وابناء الجنوب خاصة بالذكرى الثامنة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1962 هذا العام أهمية خاصة كون الجنوب خاضعاً الآن للاحتلال الإماراتي الأمريكي، حد قوله.
واستطرد الأكاديمي الزبيدي في حديثه لـ "الموقع بوست" إن "ما تمارسه دويلة الإمارات العربية المتحدة بحق أبناء الجنوب شعباً وإنساناً باحتلالها للجزر والموانئ اليمنية وممارساتها القمعية الاستبدادية ضد ابناء الجنوب لا يختلف كثيراً عنما كان يمارسه الاحتلال البريطاني مع فارق جوهري بين الاحتلالين البريطاني والإماراتي المتمثل في أن بريطانيا أوجدت خدمات وبنية تحتية فيما دمر الاحتلال الإماراتي كل المقومات الاقتصادية والحضارية والثقافية لشعب الجنوب".
ودعا الزبيدي كل أبناء اليمن والجنوب لجعل الاحتفال بذكرى ثورة 14 أكتوبر الثامنة والخمسين فرصة لإحياء روح المقاومة في نفوس أحفاد غالب بن راجح لبوزة ورفاقه ضد الاحتلال الجديد الذي يمعن في إذلال ابناء الجنوب ومصادرة حريتهم واذكاء نار الصراعات بينهم من خلال سياسة فرق تسد التي كان يمارسها الاحتلال البريطاني قبل ثورة أكتوبر الخالدة.
التربوية نجود على عبرت عن خيبة أملها بأن تعود الذكرى الثامنة والخمسون لثورة 14 أكتوبر 1962 والجنوب يعيش أوضاعاً اقتصادية وسياسية وأمنية سيئة وغياب تام للدولة، متسائلة بأي صورة ولغة يمكن الاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي نعيشه؟
في حديثها لـ "الموقع بوست" أشارت نجود إلى الظروف التي يعيشها اليمنيين خاصة في مناطق الجنوب والتي هي أسوأ بكثير عما كانت عليه أيام الاحتلال البريطاني، والسبب في نظرها يرجع إلى إنقلاب المليشيات الحوثية على الدولة واشعالها الحرب المدمرة وسياسات التحالف العربي التي أتت على ما تبقى من مظاهر الدولة الهشة ولم تختلف ممارساته عن ممارسات الاحتلال البريطاني والمليشيات الحوثية التدميرية.
واختتمت التربوية نجود حديثها بالقول "هناك عدم ارتياح واضح من وكلاء الاستعمار الجديد الذي يحكم قبضته الأمنية على عدن والجنوب من احياء ابناء الجنوب لثورة 14 أكتوبر 1962 والاحتفال بها كونها تستنهض قيم الحرية ومقاومة الاستبداد والوصاية الخارجية وهذا بكل تأكيد يعد تحريضاً صريحاً ضدهم.
البحث عن راجح لبوزة
من بين صخب النقاشات المحتدمة والتساؤلات المثارة التي أشعلتها الذكرى السنوية الثامنة والخمسون لثورة 14 أكتوبر/ ضد الاحتلال البريطاني برز السؤال الأهم على شفاه أبناء الجنوب وفي عقول المستعمر الجديد ووكلاءه: أين غالب بن راجح لبوزة؟
وفي خضم البحث عن إجابتين متناقضتين لسؤال واحد يظل كلا الطرفين ابناء الجنوب المتطلعين للانعتاق من المستعمر الجديد المترقب لثورة اكتملت جميع مسبباتها يترقبون قدوم راجح لبوزة الثائر الذي بات مقدمه أمراً حتمياً.
ثمة اجماع شعبي في الشارع الجنوبي بأن الجنوب بكل جزره وموانئه وأرضه وقراره السيادي بات محتلاً من قبل دولة الإمارات التي أعماها جنون العظمة عن قراءة تاريخ الشعب اليمني المسطر بالأنفة والعزة والإباء فراحت تحاكي في ممارساتها الاحتلالية المستعمر البريطاني.
الإجماع الشعبي هذا دعا حكام الإمارات لاستعادة المشهد الأخير في ميناء المعلا للجندي البريطاني عشية الجلاء وهو يستعطف ثوار الجنوب متوسلا (please les me go)وهو جندي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فكيف الحال بمستعمر أنشأ دولته الكرتونية على الخريطة بعد مقهاية "الشجرة" بالشيخ عثمان بسنوات عدة.