[ نجلاء والعنود تتحديان الإعاقة في مأرب وتسلطان الضوء على واقع المعاقين في زمن الحرب (فيديو) ]
لا تختلف الصعوبات التي تواجهها نجلاء حداد (14عام) عن غيرها من طلاب المدارس ذوي الإعاقة النازحين إلى محافظة مارب، والبالغ عدهم 5426، منهم 3117 ذكور، و 2299 إناث، وجميعهم التحقوا بمدارس المحافظة العام الجاري، ورغم احتياجاتهم المنعدمة لاستمرار تعليمهم المدرسي الجيد مقارنة بالأصحاء إلا أن ذوي الإعاقة لهم تميز ملفت وسط زملائهم في المدارس العامة، مكتب التربية والتعليم بمارب.
تقطع نجلاء مسافات طويلة (4 كم تقريبا) من سكنها في مخيم الجفينة للنازحين إلى مدرسة محمد هايل للبنات وسط المدينة، مضيفة إلى حياتها معاناة اخرى كونها فاقدة البصر، وتقطع الطريق وهي محمولة على كتف شقيقتها أو إحدى زميلاتها ذهابا وإيابا، كل صباح وظهيرة حاملة على كتفها حقيبتها، وطموح سيطر على حياتها، وإصرار على مواصلة التعليم في بيئة ليست مثالية، لكنها صنعت بيئتها بنفسها، وبهمتها التي لم تنكسر رغم صغر سنها .
مواصلة الكفاح
وهي تتحسس أصابع يديها وفاتحة عينيها الجميلتين تقول نجلاء في حديثها لـ"الموقع بوست" إنها تدرس حاليا مع زميلات لها، سليمات البصر، ولم تقصر واحدة منهن في مساعدتها" الكل يساعدني في المذاكرة والشرح وكل جوانب الدعم، وسأواصل الكفاح حتى التخرج من الجامعة ".
خضعت نجلاء لاختبار قبول عند التحاقها بالمدرسة لتحديد مستواها التعليمي، وقدراتها على الاستيعاب، وهو ما يخالف القانون اليمني في قبول طلاب المدارس من ذوي الإعاقة، إلا أن المدرسة خيرت نجلاء بين اجتياز الامتحان لقبولها أو العودة لمنزلها دون الالتحاق بالتعليم، لكن نجلاء اجتازت الامتحان بجدارة، دون أن تواجه صعوبات حد وصفها، وهو ما أكدته وكيلة مدرستها فكرة نعمان .
فقدت نجلاء بصرها في عامها السابع بسبب مرض أصاب شبكة عينيها، ونزحت هربا من الحرب مع أسرتها من محافظة الحديدة (غرب اليمن) إلى مارب (شرق اليمن) خلال العام 2019م، ومن ثم التحقت بالتعليم المدرسي مع طلاب أصحاء، دون التحاقها بأقسام خاصة بحالة اعاقتها لمواصلة تعليمها، وغياب المراكز الخاصة بذوي الإعاقة في مدارس مارب.
ورغم الظروف الصعبة والمعاناة الكبيرة التي تبذلها نجلاء مع رفيقتها الوحيدات من ذوي الإعاقة في المدرسة لمواصلة دارستها والوصول إلى هدفها الذي تغير بعد فقدانها بصرها قبل ثمان سنوات.
تقول نجلاء: "كان حلمي أن أصبح دكتورة أطفال، لكن بعد أن أصبت بفقدان بصري بدلت حلمي، وأتمنى أن أكون معلمة متخصصة في تعليم المكفوفين".
تُصر نجلاء على إكمال تعليمها تحت أي ظرف أو صعوبات، وقالت إنها لن تلاقي صعوبات بعد تخرجها من الثانوية، كونها تعلم أن جامعة اقليم سبأ في مارب خصصت مقاعد تعليمية لذوي الإعاقة.
معاناة النزوح
كانت نجلاء قبل نشوب الحرب في اليمن قد التحقت مع أمثالها من ذوي الإعاقة في مدرسة الضياء المتخصصة بالمعاقين بمحافظة الحديدة من الصف الأول حتى السادس، وبعد نزوحها إلى مارب التحقت بمدرسة الشهيد محمد هايل للبنات من الصف السابع إلى التاسع، الذي تتعلم فيه خلال هذا العام2021م، وبحسب نجلاء فالمدرسة في مارب رفضت قبول تسجيلها مشترطة اختبار قبول لإلحاقها بالمدرسة، لكنها اجتازت الاختبار بجدارة ودون صعوبة، وأصبحت اليوم من أوائل مدرسة الشهيد محمد هائل للبنات في مارب .
طالبات كثر من ذوي الإعاقة في مخيم الجفينة للنازحين في مارب لم يستطعن الالتحاق بالدراسة، لعدم وجود مدارس خاصة باحتياجاتهن بحسب نجلاء، مشيرة إلى أن احتياجاتها كفاقدة للبصر وطالبة تكمن في حاجتها للكتب الخاصة، ومعلمين متخصصين ومدارس خاصة أو فصول مخصصة، مضيفة: "لأني اُلاقي صعوبة كبيرة بالفهم بسبب أن المعلمات لا يشرحن لي بالصوت بل على السبورة وهو شرح لا أفهمه ولا أراه ".
المبررات الذي قالها مدير مكتب التربية بالمدينة محمد مارش من عدم توفر المعلمين المختصين والضغط على التربية بسبب النازحين لم تكن مقبولة أمام القانون اليمني الخاص بذوي الإعاقة، الذي كفل حق التعليم والرعاية والتأهيل وتوفير المنهج الدراسي والمدرسين المتخصصين لتأهيل وتعليم ذوي الإعاقة، وتسهيل استيراد أدوات التعليم والتأهيل والنقل الخاص بهم، وإعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية، مع العلم هنا أن اليمن صادق على اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة، التي تنص على توفير سبل التعليم الجيد لهم، وألزم الجهات الرسمية بتطبيق ذلك، إلا أن الواقع الذي يعيشه الطلاب من ذوي الاعاقة بمارب غير ذلك، ولم يتوفر لهم أي من ذلك.
العنود إعاقة مماثلة
العنود هي الأخرى طالبة في الصف الثامن، ولديها إعاقة، وتدرس في ذات المدرسة، وتعاني أكثر في تلقي المعلومات من المعلمات، كما تعاني من نفيس الاشكاليات التي تواجهها نجلاء، لكنها أيضا ذو إصرار كبير لمواصلة تعليمها دون مساعدات من مختصو لغة الإشارة ولم تلتحق بها حتى الان.
تجد معلمات المدرسة صعوبة في التعامل مع نجلاء والعنود أثناء الشرح، والسبب يعود للازدحام الشديد في الصفوف، ورغم ذلك تبذل المعلمات جهودهن لمساعدة نجلاء وزميلاتها من ذوي الاعاقة في المدرسة، ويستعن بصديقات وزميلات نجلاء لمساعدتها في شرح الدروس اليومية.
تقول المعلمة خديجة الأرحبي لـ "الموقع بوست" أنها وزميلاتها المعلمات يحاولن بما يستطعن مساعدة نجلاء في شرح ما لم تستطع فهمه، وأن الكل من حولها يشعر بما تعانيه، لكن القدرات كلها لا تفي بالغرض، مثل وجود مدرسة، أو على الأقل فصل في المدرسة مخصص لذوي الإعاقة ومعلمين متخصصين.
وطالبت الأرحبي من الجهات المعنية في اليمن ككل بتوفير المدارس الخاصة بذوي الإعاقة، وتوفير لوازم تعليمهن، باعتبارهن جزء من المجتمع اليمني الفعال، بل و ربما أكثر فاعلية من الأصحاء، لانهم بحسب المعلمة يحملون همة كبيرة أكثر من الآخرين، ويتعرضون لإهمال كبير في مارب خاصة، وفي البلد عامة، وخاصة خلال الحرب الدائرة التي تفتقر لأي فصول أو مدارس مخصصة لذوي الإعاقة.
ورغم أن القانون اليمني الخاص بذوي الاعاقة كفل حق التعليم والرعاية والتأهيل، وتوفير المنهج الدراسي والمدرسين المتخصصين لتأهيل وتعليم ذوي الإعاقة، وتسهيل استيراد ادوات التعليم والتأهيل والنقل الخاص بهم، وإعفائها من الضرائب والرسوم الجمركية، وكذا مصادقة اليمن على اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التابعة للأمم المتحدة، التي تنص على توفير سبل التعليم الجيد لهم، إلا أن الواقع الذي يعيشه الطلاب من ذوي الاعاقة غير ذلك، ولم يتوفر لهم أي من ذلك.
ويبقى التحدي والهمم العليا للطلبة من ذوي الإعاقة هي الدافع الأوحد لمواصلة تعليمهم في وسط أشواك وحواجز، تمنع الكثير منهم من مواصلة تعليمهم الابتدائي والثانوي في مدارس مزدحمة بالطلبة النازحين، وفي بنية تعليمية ركيكة، لا تلبي احتياجات 142 ألف طالب وطالبة التحقوا بها خلال العام التعليمي الجاري.
لكن التساؤل يبقى قائما: إلى أين يتجه مستقبل تعليم ذوي الإعاقة في زمن الحرب الذي تشهده اليمن منذ سبعة أعوام، والذي يصيب التعليم؟