[ تدهور سعر العملة المحلية في اليمن ]
أجل سلمان الحبيشي موعد حوالته المالية لأهله إلى محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين مرارا، منذ إعلان البنك المركزي في عدن طباعة عملة جديدة فئة ألف ريال ذات الحجم القديم، كي يحظى بدفع رسوم تحويل قليلة، ولا يخسر أكثر من نصف المبلغ كرسوم تحويل لشركات الصرافة.
طموح سلمان البسيط يشابه إلى حد كبير طموح كل المواطنين اليمنيين في مناطق الحوثيين أو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا من حيث توحيد سعر الصرف ليبقى الريال بقيمة موحدة في البلد ككل دون انقسام، كما هو حاصل حاليا من اختلاف كبير بين أسعار الصرف للعملات الأجنبية بين مناطق الحوثي والشرعية والذي أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار التحويل وكذا في أسعار المواد الغذائية المختلفة.
يقول سلمان لـ"الموقع بوست " إنه لن يقدر على دفع 27 ألف ريال مقابل تحويل خمسين ألف ريال لأهله في محافظة إب ولن تكفي أسرته 23 ألف ريال، إذا ما حول بمبلغ الخمسين ألفا ليأخذ الصراف مبلغ التحويل من الحوالة لأن "المعيشة باتت صعبة والغلاء شمل كل شيء وأهلي معتمدين عليّ في معيشتهم أو على الزراعة".
وأعلن البنك المركزي في عدن -مطلع الشهر الجاري- عن طباعة أوراق نقدية بحجمها الكبير من الطبعات القديمة فئة ألف ريال، في محاولة لطي الفوارق بين العملات في مناطق الشرعية والحوثيين والتخفيف من معاناة اليمنيين الذين يتكبدون تبعات تلك الفوارق في أسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية.
مناطق سيطرة الحوثي هي الأخرى تنتظر بفارغ الصبر العملات ذات الطبعة القديمة من البنوك في مناطق الشرعية لكي تنقذ نفسها من الاوراق النقدية المتهالكة والمقطعة التي ظلت بحوزتها دون تجديد خلال الأعوام الماضية وذلك لمحاولة استبدالها بالطبعة الجديدة.
يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في المعهد الوطني للعلوم الإدارية بعدن، هشام الصرمي، إن التجار وشركات الصرافة والبنوك في مناطق سيطرة الحوثيين ستتهافت سرا وعلانية لمحاولة استبدال أوراقها النقدية التي تعد تالفة ومقطعة بأوراق جديدة من مناطق الشرعية وهذه نقطة الضعف التي تسطيع من خلالها الحكومة الشرعية سحب التالف واستبداله بمثيله القديم السليم ومن ثم إحلال كل ما يتلف مستقبلاً بما يتناسب معه.
في حديثه لـ"الموقع بوست" يفسر الصرمي "مشكلة الحكومة الشرعية في الفترة السابقة أنها لم تكن مبادرة بل صاحبة ردة الفعل، وكذا كانت دائماً متأخرة كما هو الحال حتى قرار إنزال الطبعة القديمة من الريال، قرار أخذ قرابة عامين، إنما أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي"، حسب وصفه.
ويهدف قرار إنزال الطبعة القديمة من الريال إلى تقليص مقدار الفارق في رسوم التحويل المالي بين صنعاء وعدن بشكل تدريجي حتى ينتهي شرط وجود منظومة من الإجراءات المرافقة نقدياً ومالياً، إضافةً لأهمية الدور الاستخباراتي أيضاً لمنع التلاعب في الطبعة الجديدة للريال وتحويل الإجراء كمصدر لمكاسب المضاربين وحرف مساره عن الهدف المنشود، حسب الصرمي.
ومن أهم تلك الإجراءات منع المضاربة والدور الاستخباراتي الخاص بهذا الخصوص لمراقبة سوق الصرافين وكذا ضرورة الإشراف على عمل محال الصرافة من قبل البنك المركزي حيث تعمل حالياً خارج نطاقه، هذا بالإضافة إلى الجانب التقني حيث كله خارج سيطرة الحكومة الشرعية ويخضع لسيطرة قوى صنعاء وهذا يجعل العمل المصرفي برمته مكشوفا وسهل المنال، يقول الصرمي.
وقال إن "معالجة مشكلة انخفاض القيمة الشرائية للريال مقابل العملات الأجنبية يجب الحد من توسع الفجوة بين العرض والطلب على النقد الأجنبي، ويجب تفعيل المؤسسات الإيرادية المعززة للنقد الأجنبي كالنفط والغاز والاتصالات، وهذا الأمر يعتمد على مستوى الوصول إلى تفاهمات بين أطراف الصراع وحل التعقيدات السياسية في هذا الخصوص، وبدون ذلك سنظل في إطار الحلول الترقيعية أو المحدودة زمنياً كالوديعة السعودية سابقاً أو ما شابهها".
وأوضح البنك المركزي في عدن خلال تعميم أصدره الأربعاء أنه يعتزم اتخاذ إجراءات مشددة تجاه شركات ومنشآت الصرافة لإلزامها بالامتثال لكافة المتطلبات القانونية لمزاولة نشاطها، وستخضع كل عمليات تلك المحال المصرفية للفحص والتدقيق وفق خطط وآليات تفتيش عبر فرق من الموظفين المتخصصين، بحسب بيان البنك.
وفي بيان آخر للبنك المركزي اليمني فرع عدن قال إنه ابتداء من مطلع أغسطس الجاري سيتم تنفيذ خطة تعميم تداول العملة المحلية بالحجم الكبير وصرفها في جميع فروع البنك المركزي وعموم المحافظات، مشيرا إلى أنه في الوقت ذاته سيعمل البنك على سحب أكبر قدر من العملة ذي الطبعة صغيرة الحجم إلى خزائن البنك لخفض المعروض النقدي منها إلى أدنى مستوى ممكن.
الريال الإلكتروني محاولة أخيرة للحوثي
وأشار الصرمي إلى أن جماعة الحوثي قد تلجأ إلى استخدام الريال الإلكتروني لمحاولة عرقلة الحلول التي قدمتها الشرعية رغم استحالة تحقيق ذلك بشكل كفؤ في ظل مستوى الأمية في البلد، لكن جماعة الحوثي ستحاول منع وصول الطبعة القديمة من مناطق الشرعية إلى مناطق سيطرتها بما أوتيت من إمكانيات والسبب في ذلك كما يعلم الجميع هو ما تستفيده سلطات صنعاء من فارق التحويل الكبير في تمويل أنشطتها واتهام الحكومة الشرعية بالفشل.
وأكد أن سلطة الأمر الواقع "جماعة الحوثي" في صنعاء ليست بالطرف السهل بل تمتلك الكثير من الخبراء، كما أنها لا تعاني الانقسامات التي تعانيها الحكومة الشرعية، مشيرا إلى أن الانقسامات داخل معسكر الشرعية سبب رئيسي في شبه الشلل السياسي والاقتصادي.
ولفت إلى أنه في حال وصلت طبعة الألف الريال للسوق اليمني شمالاً وجنوباً فسيكون هذا قطع الطريق على سلطة صنعاء في اتخاذ أي حلول بعد تلف الطبعة القديمة بالكامل، كما أنه إذا نجحت الحكومة الشرعية فيما خططت له سينتهي المقابل المالي للتحويل نهائياً ومن بعدها يتم العمل على تعافي الريال بشكل عام.
وقال الصرمي إن البنك المركز بعدن بدأ فعليا بإجراءات سحب 400 مليار ريال من العملة الجديدة ذات الأوراق الصغيرة من فئة ألف ريال، حيث أصدر البنك رسميا صكوك وسندات بـ400 مليار ريال لاستبدالها بطبعته القديمة التي ستضخ إلى السوق خلال الأيام القليلة المقبلة.
وإلى حين تصل تلك الأوراق النقدية إلى السوق سيظل سليمان الحبيشي منتظرا لتحويل فلوسه إلى محافظة إب بفارق بسيط لا يتجاوز 500 ريال، كما كان يفعل سابقا، وهو أيضا طموح الكثير من أبناء اليمن الذين أذلتهم الحرب وأفقرتهم لأسباب ترجع إلى تعنت جماعة الحوثيين التي لا تلقي بالا لمعاناة المواطن الغلبان.