[ "الفل" يُحيي أفراح العيد باليمن رغم الحرب وكورونا ]
يروج الفتى بصوت رقيق للورد، يكسر السكون السائد في وسط مدينة مأرب، ويهرول مسرعا إلى كل من وقف بجانب صناديقه البيضاء، متخذا من رصيف يتوسط الشارع مكانا لبيع عقود الفل وعرض كل ما تحتويه صناديقه من عقود مختلفة الأحجام والأسعار لزبائنه غير الدائمين.
وحين أغلقت المدينة أبوابها تركت شوارعها ملعبا لبائعي الفل يحيون سكونها وحدهم ويجولون مستغلين العيد كموسم مهم لبيع أكبر قدر من عقود الفل لا يتكرر إلا مرة كل عام ولأيام معدودات.
خلت شوارع المدينة من الجميع بعد زحام ليلة العيد لتنفرد بضيفها الجميل القادم من سواحل الغرب ليأنس وحشتها صباحات أيام العيد يروي للمارة قصة سفرة العصيبة إلى هنا ليسعد بروائحه وجمال منظره مناسبات عيدنا وأفراحنا ويأنس وحشة شوارع المدينة بعد أن تركها الناس صباح العيد، لتخلو بزهور الفل وبائعها الذي يقدر جيدا قيمة الفل المادية والثقافية والرومانسية.
يقول سليمان محمد وهو تاجر فل لـ"الموقع بوست": "لقد بذلنا جهدا كبيرا خلال هذا العيد الذي قضيناه في شوارع المدينة لبيع الفل ومحاولة إسعاد الناس ببيعهم الفل لتزيين سهراتهم ومناسباتهم بزهور الفل" .
وأضاف أنه وبقية زملائه "بقوا في الشوارع يبيعون الفل رغم أن المحال التجارية والمطاعم مغلقة وعانوا كثيرا بسبب إغلاق المطاعم ولم يجد حتى الأكل، وكلنا سعادة بأن نكون سببا في إسعاد وتزيين مناسبات الناس".
وتبقى زهور الفل المزروعة محليا هي الوحيدة في البلاد بعد توقف استيراد الورد القادم من دول الخارج بسبب الحرب والحصار المفروض على اليمن، وكذا بسبب إغلاق الدول حدودها وإيقاف تجارتها بفعل فيروس كورونا المستجد والذي أدى أيضا إلى توقف تجار الفل المحليين عن تصدير الفل إلى دول الجوار، كما كان قبل الجائحة والتي تسببت بتلف الكثير من الفل.
وأشار سليمان إلى أنه كان يعمل في بيع وتجارة الفل إلى السعودية قبل انتشار جائحة كورونا التي أدت إلى إيقاف تجارته نحو المملكة، لافتا إلى أنه ليس الوحيد الذي توقف عن تجارة الفل إلى السعودية حيث إن الكثير من التجار المحليين من أبناء الحديدة تضرروا كثيرا بسبب توقف تجارتهم وأن الكثير من الفل وأفضل أنواعه وأكبر أحجام عقوده التي كانت تسوّق إلى المملكة السعودية باتت تباع بأقل الأثمان في الأسواق المحلية، حد قوله.
وأثر الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد وهبوط الريال أمام العملات الأجنبية، وكذا انقسام البنوك في اليمن بين صنعاء وعدن والذي أدى إلى ارتفاع قيمة الحوالات النقدية من مناطق الشرعية إلى مناطق الحوثيين، والذي بدوره أثر على ارتفاع أسعار الفل، ويدفع تاجر الفل على 100 ألف ريال قرابة 70 بالمئة رسوم حوالة لإرسالها من مأرب إلى الحديدة، مما زاد في ارتفاع كبير لعقود الفل مقارنة بأسعارها سابقا حيث ارتفع سعر أصغر عقد فل من 100 ريال إلى 500 ريال.
وذكرت إحصائيات سابقة أن السعودية لوحدها استوردت فلا يمنيا خلال عام 2014 فقط بقيمة 39 مليون ريال سعودي، بحسب صحيفة الوطن السعودية.
ويقول بشار دبيش أحد بائعي الفل في حديث لـ"الموقع بوست" إنه يدفع مقابل نقل صندوق واحد من الفايبر مليء بعقود الفل وقطع الثلج مبلغ 80 ألف ريال مقابل نقله من الحديدة إلى مأرب، بالإضافة إلى دفعه ما لا يقل عن 50 ألف ريال وأحيانا أكثر من ذلك كإتاوات في نقاط أطراف الحرب بين الحوثيين والحكومة وهو ما يدفعه زملاؤه من تجار الفل، حسب بشار.
ويتنقل بشار في جولات وأسواق متعددة في مدينة مأرب لبيع الفل، مشيرا إلى أنه خلال يوم العيد والأيام التي تليه يباع الفل بكثرة وأن زبائنه هم المواطنون الذين يخرجون إلى الحدائق وزيارات الأهالي للأطفال والنساء والشباب.
وتختلف أسعار عقود الفل باختلاف أحجامها حيث يباع أكبر عقد فل بـ12 ألف ريال، بينما يباع أصغر منه بـ8 آلاف ريال، وهناك آخر أصغر بخمسة آلاف ريال، وأصغر عقد 500 ريال، كما يقول بشار.
ويباع عقد الفل في محافظة الحديدة بـ200 ريال فقط، بينما يباع نفس العقد في مأرب بـ500 ريال، يقول بشار وهو ما يوضحه الفارق الذي يتحمله المواطن اليمني بسبب فرض الإتاوات وفوارق الصرف بين مناطق سيطرة الحوثيين والشرعية.
ويتحدث فؤاد مسعود وهو تاجر فل التقاه "الموقع بوست" في أحد جولات مدينة مأرب أنه باع خلال يوم العيد فقط 250 عقد فل متنوع الأحجام، كما وصف الإقبال على الفل بالكبير خلال يوم العيد، مشيرا إلى أن أيام العيد القادمة سيبيع خلالها أكثر من عقود الفل لأنها ستكون أيام يكثر فيها الأعراس والمناسبات الأخرى.
ورغم ظروف الحرب وأحزانها يتصدر الفل أولويات عدد كبير من الأسر اليمنية خلال أيام المناسبات والأعياد، لتتصدر أيضا يوم العيد أكبر كمية بيعت من عقود الفل المتعددة لزبائن متعددة أهداف استخدامها إلا أن روائح الفل وبهاء ألوان زهراته واحدة موحدة سبب الإقبال عليه من الناس.
من جانبه يقول رامي سريع وهو مواطن قدم صباح العيد لشراء عقود الفل لصديقه العريس لـ"الموقع بوست"، إنه يشتري الفل خلال أيام العيد والمناسبات والأعراس التي تكثر خلال أيام عيد الأضحى لما للفل من روائح مميزة وألوان زاهية وجماله الذي يضفي للمناسبات جمالا ورونقا، حسب وصفه.
وتخلو شوارع مراكز المدن اليمنية عادة من الناس وتغلق محال الباعة والتجار لقضاء إجازة عيدية قصيرة ابتداء من يوم العيد إلى خامس أيامه غالبا، لكن بائعي الفل المنحدرين جميعا من مناطق زراعته المستمرة رغم الحرب في محافظة الحديدة الساحلية والتي تصدر الفل إلى جميع محافظات اليمن يستمرون دون إجازة ليبيعون ما زرعته أيادي أهاليهم هناك بعد جلبه من مسافة تبعد أكثر من 400 كيلومتر من الحديدة إلى محافظة مأرب، رغم ظروف سفره المعقدة من وسط مئات من نقاط التفتيش العسكرية وفرض إتاوات متعددة عليه من قبل أطراف الصراع المستمر في البلد منذ سبع سنوات.
وتبقى تجارة الفل إحدى المهن اليمنية التي تأثرت مباشرة بفعل الحرب وجائحة فيروس كورونا المستجد لتساهم في إغراق عدد كبير من ممتهني هذه التجارة من أبناء اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم في ما هو عليه من فقر وفاقة ومجاعة، وتبقى مهنة منتظرة الخروج من عمق الزجاجة لترى النور مجددا لتوفير لقمة عيش لأسر تجار الفل المنحدر أغلبهم من الحديدة أكبر محافظة يمنية تشهد أزمة إنسانية وفقرا وسوء التغذية، بحسب منظمة الأمم المتحدة.