[ تصاعد الاحتجاجات في تعز للمطالبة برحيل المحافظ وإقالة الفاسدين ومحاكمتهم ]
تتواصل الاحتجاجات الغاضبة في محافظة تعز للأسبوع الثالث على التوالي، للمطالبة بتوفير الخدمات، وإقالة المسؤولين الفاسدين في المؤسسات الحكومية، وإلغاء نظام المحاصصة الحزبية في تولي المناصب الحكومية.
لم تنجح قرارات المحافظ نبيل شمسان (يقيم في العاصمة المصرية القاهرة يتهمه المحتجون بأنه الراعي الأكبر لمنظومة الفساد المالي والإداري بالمحافظة) بإقالة بعض مدراء عموم تلك المؤسسات من التخفيف من حدة تلك الاحتجاجات الشعبية التي يصفها الشارع التعزي بـ"الثورة ضد الفساد وتردي الخدمات العامة".
وتأتي الاحتجاجات في تعز إثر انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والصحة والنظافة وتدهور سعر العملة المحلية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، والفساد المتفشي في المرافق الحكومية.
ثورة جياع
وعن أسباب الإحتجاجات يقول أسامة الكمالي: "لا يخفى على أحد الوضع الكارثي الذي تمر به البلاد عموما ومدينة تعز خصوصا من تردي الأوضاع المعيشية للمواطن بسبب الحرب، فاستمرار الصراع بين الأطراف المتحاربة، والانخفاض الشديد لقيمة العملة أمام الدولار والعملات الأجنبية، وارتفاع نسبة البطالة، وانقطاع الرواتب، وغيرها، جميعها أسباب أدت إلى طفح الكيل بالنسبة للشعب والمواطن العادي الذي أصبح يعاني الأمرين في مواجهة كل هذه الظروف القاسية التي سببتها الحرب ولم يعد بمقدوره تحمل المزيد".
في حديثه لـ"الموقع بوست" يضيف الكمالي بحرقة ومرارة: "لك أن تتخيل بأن الراتب الذي يستلمه المعلم على سبيل المثال قبل 10 أعوام هو نفسه الراتب الذي يستلمه اليوم رغم الفارق الكبير في تدهور سعر العملة، والذي تتسع فجوته بشكل يومي، حتى أصبح الراتب لا يفي بأبسط مقومات الحياة والمتطلبات الرئيسية للمواطن العادي".
وتابع: "مع كل هذه الظروف واستمرار هذه الأوضاع في التردي وعدم وجود بوادر انفراج لهذه الأزمة، تظهر في الأفق ثورة جياع قد ينفجر بها الشعب فجأة، لأنه لم يعد هناك شيء يخسره، حيث بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر وأصبحت الثورة مطلبا أساسيا ورئيسيا لا مناص منه لمحاولة الخروج من هذه الأزمة".
وفي الشأن ذاته أكدت إلهام القاضي إحدى المشاركات في الاحتجاجات أنّ الأوضاع التي يعيشها المواطن في وقتنا الحالي أوضاع كارثية تتمثل بانقطاع الرواتب، وغلاء الأسعار، وانعدام الأمن، وصعوبة البحث عن عمل، وغياب مطلق لدور السلطات وتخلي المسؤولين عن واجباتهم.
وقالت: "أصبح المواطن اليمني بشكل عام والمواطن التعزي بشكل خاص لا يملك القدرة للحصول على قوت يومه ما يعطي مؤشرات كبيرة تمهد لثورة تقضي على كل أسباب الفساد ورموزه وقد بدأت شرارتها حاليًا".
في مطلع يونيو/حزيران الجاري، بلغت تلك الاحتجاجات ذروتها بمسيرة جماهيرية حاشدة، تعد أكبر مسيرة تشهدها مدينة تعز منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل سبع سنوات، المسيرة رفعت شعارات تطالب بتحسين الخدمات وإقالة الفاسدين وإحالتهم للقضاء.
توجهت المسيرة إلى مبنى المحافظة المؤقت وصدر عنها بيان أكد عدم تحمل المواطنين المعاناة فوق معاناة الحرب والحصار، ولا يمكن لأبنائها التأقلم والعيش مع استمرار تكدس أكوام القمامة في الشوارع، وتعطل شبكة المياه التي غطى الصدأ مواسيرها، وتواصل العبث والنهب لممتلكات المؤسسة العامة للكهرباء، وتعمد الإهمال الكلي للقطاع الصحي الذي كان سببا في تفشي الأوبئة التي فتكت بالمرضى والمواطنين.
وبحسب ما جاء في البيان، فإن المسيرة والمطالب المرفوعة فيها جاءت نتيجة معاناة حقيقية وليست من ترف أو من فراغ، ولذلك لن يثنيها شيء عن تحقيق آمال ومطالب المحتجين المشروعة بضمان توفير الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه ونظافة وصحة وفق برنامج واضح وخطة زمنية محددة، وإقالة ومحاسبة جميع الفاسدين دون انتقائية واستثناء لإنهاء الفساد والعبث بكل الطرق والوسائل السلمية والاتجاهات القانونية الممكنة.
وأكد البيان على مطالب المتظاهرين المتمثلة في إقالة جميع المسؤولين الفاسدين وإحالة ملفاتهم إلى القضاء لمحاكمتهم، رافضا أي عملية تدوير واستبدال بالفاسدين، كون ذلك يعد جريمة فساد أخرى.
وطالب البيان جميع القوى السياسية المشاركة في السطلة بتغيير كوادرها الفاسدة، كما طالب نيابة الأموال العامة بسرعة استكمال التحقيقات في ملفات المكاتب الخدمية والإيرادية وتطهيرها مما وصفه بـ"لوبي الفساد"، وتشكيل لجان قانونية ووضع آلية ربط شفافة لإيرادات المكاتب الإيرداية بالمحافظة.
ملفات سوداء
فارس البنا، عضو هيئة الرقابة الشعبية، يقول لـ"الموقع بوست" إنه نشر عن قرار توقيف مدير مكتب الواجبات ومدير منتزه التعاون، بعد أن رأى القرار بعينيه وتوقيع وكيل المحافظة عارف جامل عليه، تحت اسم المحافظ، وعدم السماح لهم بتصويره، لكن الأخبار تتحدث اليوم عن تراجعه، وضغط المحافظ باتجاه ذلك.
وتابع البناء: "هكذا تبدو الصورة، يمارسون فسادا جديدا يضاف إلى رصيدهم الممتلئ، من خلال فرز ملفات وتقارير الفساد الموثقة من قبل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وترتيبها لخدمة فسادهم، وكأن غليان الشارع لا يعنيهم ولا يؤثر في قراراتهم".
وأردف "هم أيضا يتلاعبون بالمشهد السياسي بغية إفساد ما تبقى منه، الإفساد في محاربة الفساد، أبشع صور الفساد يجب أن يقول الشارع كلمته تجاه هذه السلطة، والذهاب نحو التصعيد طالما أن وسائل الاحتجاج الراهنة لم تؤثر فيهم".
ووفقاً لتقارير أولية سربها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمحافظة تعز، فإن مبلغ (1,720,459,308) ريال يمني منهوب من ضرائب القات خلال عام وأربعة أشهر.
فيما (3 مليارات و400 مليون ريال) مخصص نثريات محافظ تعز نبيل شمسان، خلال الأعوام 2019، 2020 ، 2021، بواقع 100 مليون شهرياً، بالإضافة إلى ذلك كل نثرياته على حساب السلطة المحلية وهو بالقاهرة.
الجيش يغلق أوكار الفساد
في خطوة تصعيدية مؤيدة لمطالب الثورة الشعبية ضد الفساد، أقدمت وحدات من الجيش الوطني على إغلاق مكتبي الضرائب والمالية بمحافظة تعز في خطوة وصفها مصدر عسكري في الجيش بأنها إغلاق لأوكار الفساد المدمر في المحافظة.
في خطوة وصفها مراقبون لحالة الغليان الشعبي في أكثر مدن اليمن معاناةً وكثافة سكانية بالقفز إلى ضفة الأمان بغية الكسب السياسي عبر ذرف دموع التماسيح كلعبة جبلت الأحزاب السياسية على ممارستها عند كل احتجاج شعبي.
وأصدر كل من حزب التجمع اليمني للإصلاح، والمؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري، وهي الأحزاب الرئيسية المتقاسمة للمناصب الحكومية في المدينة، بيانات أعلنت فيها تأييدها لمطالب المحتجين، متناسيةً أنها تتقاسم اقتراف جريرة الفساد الطافح عبر تقاسمها لإدارة جميع المؤسسات الإيرادية والخدمية في المحافظة المنكوبة.
الاحتجاجات الشعبية أو ثورة الجياع كما يسميها أبناء تعز توشك أن تكمل شهرها الأول دون أن تحدث هتافات المحتجين الغاضبة أي صدى أو استجابة حكومية لتنفيذ مطالبهم، الأمر الذي دفعهم لتصعيد حراكهم الاحتجاجي من خلال نصب خيام إعتصام أمام مبنى المحافظة ورفع سقف مطالبهم للمطالبة بتغيير المحافظ نبيل شمسان ووكلائه وكبار قادة الجيش، غير أن مخاوف بدأت تساور المحتجين بتكرار سيناريو ثورة 11 فبراير الشبابية السلمة 2011 بتمكن الأحزاب من حرف مسارها وإغراقها في دوامة المكايدات السياسية.
فالفساد في تعز لم يعد المتجول في شوارعها بحاجة إلى دليل لاكتشافه، فأكوام النفايات والأوضاع الخدمية شبه الغائبة تتحدث عن واقع حال كارثي، فهل يتمكن المحتجون الغاضبون من دك قلاع فساد محصنة بالولاء الحزبي والنفوذ؟ أم يتحول الفساد كطائر عنقاء يشكو منه الجميع ولا يشاهدونه مكبلاً؟