[ فاتن فنانة رسوم تشكيلية على وجوه الأطفال بمأرب ]
احتفل أطفال مأرب بعيد الأضحى على الرغم من ظروف الحرب والحصار وسيول الأمطار الجارفة التي تمر بها مدينتهم، حيث قام الأطفال بارتداء الملابس الجديدة ونقشت الفتيات الحناء على أيديهن ليلعب الجميع ببراءة الطفولة التي أنهكتها الحرب.
تزين سعادة الأطفال خلال أيام العيد وترسم على وجناتهم ابتسامة تغطي حزن الأيام ومآسي النزوح وقساوة المعيشة التي ترتسم على وجوه الصغار والكبار.
فاتن أم أيمن، رسامة السعادة، تدخر من ريشتها البسيطة لقمة عيشها وأطفالها وتعيد رسم ملامح طفل ضاعت ملامحه الطفولية وسط مخيمات النزوح ومعاناة الحرب الدائرة في البلاد منذ ستة أعوام.
كما تغطي ريشتها الملونة بالمساحيق شحوبة وجوه الطفولة التي غطتها ضربات الشمس ومعاناة النزوح راسمة بين عيونهم ورودا وفراشات ونظارات لتضفي السعادة والفرحة إليهم.
"الفتيات أكثر إقبالا من الأولاد" تقول فاتن، بينما لا تختلف الرسوم بين الجنسين التي تضفي ملامح طفولية على أوجه الصغار المتعبة من المعيشة القاسية من آثار النزوح والسكن في المخيمات التي لا تقي من شمس ولا برد.
رسوم باتمان وفراشات وقلوب ملونة بألوان العلم الوطني نرسمها بريشة ومساحيق وحبر جاف سريع الإزالة على وجوه الأطفال هنا في حديقة مأرب.
تشمر فاتن، التي فقدت زوجها قبل عام بسبب الحرب في محيط مأرب، عن سواعدها وتحمل عدتها على حقيبة بسيطة على كتفها كل يوم خلال المناسبات العامة والأعياد في حديقة مأرب الصغيرة والمتنفس الوحيد لحوالي مليوني نازح في المدينة.
باتت فاتن تعمل اليوم بريشتها لرسم سعادة الأطفال التي أخفتهت الحرب من وجوه أطفالها وأقرانها النازحين.
حيث تتزاحم مئات الأسر والأطفال والنساء على أقل من كيلومتر مربع واحد خلال أيام العيد ليعيش الجميع يوما سعيدا في نزهة خارج جدران خيام نزوحهم التي فروا إليها منذ انطلاق الحرب في البلاد عام 2014 ومن مختلف محافظات اليمن.
وعاشت الأسر النازحة والأصلية في محافظة مأرب أيام العيد بسعادة جزئية رغم الظروف الصعبة والأحداث المتلاحقة التي شهدتها مأرب من سيول الأمطار التي جرفت مخيمات ومنازل النازحين وارتفاع منسوب مياه سد مأرب التي أدت إلى فيضانه مخلفة ولا زالت أضرارا واسعة في ممتلكات ومساكن ومزارع المواطنين.
بالإضافة إلى القصف المتلاحق والمستمر من قبل جماعة الحوثي الانقلابية على الأحياء السكنية والتي تخلف قتلى وإصابات وخوف وهلع في أوساط الساكنين أطفالا ونساء وشيوخ.
وخلال أيام العيد أيضا الذي تحتفي به اليمن ككل بنصف فرحة بسبب استمرار الحرب وتوقف رواتب موظفي الدولة وقلة فرص العمل بسبب ركود الأسواق التجارية، ذلك أيضا في مأرب التي تعيش أيام عيد يفرح به الأطفال والنساء، بينما المحافظة محاطة بجبهات قتال مشتعلة بين الحوثيين والقوات الحكومية.
وتكسب فاتن 200 ريال مقابل كل رسمة يختارها الطفل أو والدته التي ترافقه خلال نزهتهم في حديقة مأرب شديدة الازدحام، كل يوم على حد سواء حيث يذهب جزء من تلك الأموال التي تدخرها إلى شراء حاجاتها من حبر ملون ومساحيق وريشة رسم والتي تكلفها أكثر من نصف محصولها اليومي الذي يصل إلى خمسة آلاف ريال، حد قولها.
تقول فاتن لـ"الموقع بوست" إنها لم تستطيع شراء كسوة العيد لأطفالها الثلاثة بسبب ارتفاع أسعار الملابس بشكل جنوني في أسواق مأرب، مما أدى إلى تخلي الكثير من الأسر النازحة في مأرب عن شراء ملابس الأطفال في العيد، وبات الأمر اعتياديا في أوساط النازحين.
التربوي والنازح في مأرب نور الدين السقلدي قال إنه رغم ما تمر به البلاد من حروب وأزمات وكوارث طبيعية إلا أنه وأسرته خرجوا بعوائلهم وأطفالهم للنزهة في حديقة مأرب وسط زحام شديد لإسعاد الأطفال ليشعر من خلاله أن يوما من أيام العيد هو مختلف عن حياتهم اليومية داخل مخيم الجفينة (أكبر مخيمات النزوح في مأرب التي تضم حوالي 30 مخيما للنازحين).
وفي حديثه لـ"الموقع بوست" قال السقلدي إنه برغم شحة وانعدام الحدائق والمتنزهات في مأرب إلا أن الأسر تجد في هذه الحديقة العامة الوحيدة في مأرب بغيتها للعب الأطفال ونزهة الأسرة.
وطالب السقلدي من السلطة المحلية في مأرب بالعمل على إيجاد متنزهات واسعة ومتعددة في مناطق المحافظة والمديريات تكون متنفس الأسر للخروج من واقع المعاناة وواقع الحرب الذي تشهده المحافظة خاصة والبلاد عامة، حد قوله.
لكن فاتن تقول إن إقبال الأطفال على الرسوم في وجوههم هذا العيد كبير بسبب عدم خروج الأطفال خلال العيد السابق بسبب الحظر جراء فيروس كورونا الذي بدأ يتلاشى في المحافظة.
وتحدثت فاتن وهي تداعب طفلة صغيرة قعدت على الأرض أمامها للرسم على وجنتها "يا ماما إيش تشتي أرسم لك"؟ رسمة العلم رسمة الأسد المهرج الجوكر أو باتمان؟".
وفتحت سلطة محافظة مأرب الحدائق والأسواق خلال أيام العيد بعد إغلاقها منذ أشهر بسبب كورونا الذي كان انتشاره محدودا داخل المحافظة.