[ عيد اليمن ـ أرشيف ]
يستقبل مواطنو العاصمة صنعاء عيد الفطر هذا العام ببهجة محفوفة بالمخاطر في ظل تفشي وباء كورونا في المدينة بشكل صامت نتيجة تحفظ جماعة الحوثي عن أعداد حالات الإصابة لأسباب كثيرة، منها تهرب الجماعة من المسؤولية أمام المجتمع، ذلك أن إعلانها عن الأرقام الحقيقية لحالات الإصابة بالوباء سيحتم عليها اتخاذ إجراءات وقائية قد تتطلب فرض حظرا للتجوال وإغلاقا للمتاجر والمنشآت الحيوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، الأمر الذي سيترتب عليه خسارة الجماعة للريع المالي الذي تقوم بتحصيله من التجار تحت مبررات مختلفة.
وشهدت صنعاء يوم أمس السبت، حركة طبيعية للمواطنين الذين توجهوا بشكل اعتيادي إلى الأسواق ومراكز التسوق لجلب مستلزمات العيد دون اكتراث للمخاطر المحتملة لتفشي وباء كورونا بشكل أكبر بسبب التجمعات.
استخفاف
يعيش المواطنون في المدينة وسط المخاطر المحدقة لفيروس كورونا، والتي قد تؤدي إلى نتائج كارثية قد تظهر آثارها خلال الأيام القليلة القادمة، يواصلون التجول في أسواق القات والمتاجر المزدحمة دونما اكتراث، وسيحتفلون بعيد الفطر بطريقتهم الاعتيادية المتمثلة في استمرار إبرام اللقاءات وتبادل التهاني والزيارات المعتادة خلال مواسم الأعياد، وقد تجلى الأمر بشكل فادح خلال الأيام التي سبقت حلول العيد، حيث هرع الناس ـ ضمن استعداداتهم لاستقبال عيد الفطر ـ إلى المتاجر والمولات مُشكّلين أكبر تجمعات تشهدها العاصمة خلال العام.
يتخوف المواطن يحيى الصباحي من احتمالية إصابته بفيروس كورونا بعد انخراطه في التسوق مساء أمس السبت، بين الحشد المكتض داخل مركز "سيتي مارت" التجاري، وسط صنعاء، لكنه يقول إنه كان مضطراً لذلك بهدف جلب احتياجات العائلة من "جعالة العيد"، مشيراً إلى أنه قد لا يحصل عليها دون أن يضطر للولوج بين مئات المواطنين المتلهفين لحيازة الجعالة "حلويات ومكسرات"، والذين لا يجدون أنفسهم مضطرين للتخلي عن إحدى استحقاقات العيد ـ التي توارثوها بحكم العادة الاجتماعية ـ لمجرد وجود تهديد غامض لفيروس يمارس الانتقال والقتل بانتقائية يرجحون النجاة منها.
مجازفة
الصباحي ومثله المئات من مواطني العاصمة صنعاء، يظنون ـ جميعهم ـ أنهم يناورون على احتمالات عدم الإصابة بالفيروس من خلال ارتداء بعض الكمامات ومن ثم الانغمار في الحشود المزدحمة في أماكن التسوق، منها المراكز التجارية الكبرى وأسواق القات، متوشحين بكافة المبررات التي تجيز لهم ممارسة حياتهم الطبيعة دونما اكتراث في الوقت الذي لجأت فيه - أغلب شعوب العالم - إلى العزلة وتجنب الحياة الاجتماعية، بيد أن هذا لا يُعد مُبررا كافياً بالنسبة لليمنيين ليكفوا عن تشكيل تجمعات، مُراهنين بعبثية مُرة على احتمالات عدم الإصابة بالفيروس، إلى جانب امتلاكهم مبررات جُزافية لمواصلة الحياة الاجتماعية بينما يتجاهلون مُضيّهم في درب خطر يقود للهلاك.
توجد العشرات من حالات الإصابة بفيروس كورونا في مستشفيات العاصمة صنعاء، وفق تأكيدات مصادر طبية لوسائل إعلام محلية وعربية، لعل آخرها موقع قناة الجزيرة الذي أفصح قبل أيام - في تقرير له - عن وجود أكثر من 40 حالة إصابة بالفيروس في مستشفى الكويت فقط.
تنصل الحوثيين
وزارة الصحة في حكومة الحوثيين بصنعاء (غير معترف بها دولياً)، حذّرت - في بيان لها نشره أمس السبت موقع قناة المسيرة - المواطنين من خطورة التجمعات خلال أيام العيد، مشددة على ضرورة توخي العزلة والاكتفاء بالاحتفال بالعيد داخل المنازل، والكف عن المعايدات وزيارات التهاني العيدية، موصية بتجنب التجمع في الحدائق العامة والمنتزهات وأسواق القات إلى جانب المراكز التجارية، كما حذّرت من كافة أشكال التجمع التي قد تمثل بؤرا لتفشي وباء كورونا.
توجّه حكومة الحوثيين في صنعاء المواطنين بالالتزام بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، لكنها تسمح بحدوث أكثر المخالفات فداحة دون أن تُحرك ساكناً، وتكتفى بدور المتفرج في تنصل واضح عن المسؤولية أمام المجتمع الذي لا يجد بدًا من الاستهتار في ظل غياب سلطة مسؤولة تتكفل بضبط الأمور.
اعتبارات
يعتزم المواطن وليد السروري تطبيق طقوس العيد الاجتماعية المتمثلة في الزيارات العائلية والانخراط في التجمعات ضمن الأسرة والأقارب إلى جانب تبادل التهاني بالمصافحة والعناق وفق العادات الاجتماعية المتوارثة دون اكتراث للمخاطر المحتملة لتفشي فيروس كورونا.
يدرك السروري المخاطر المترتبة على تنظيم اجتماعات عائلية تضم كافة أقاربه خلال أيام العيد في ظل تفشي فيروس كورونا، لكنه يقول إنه محكوم بمنظومة عادات سيكون من المعيب عليه مخالفتها، كما أنه يخشى من فكرة تحوله إلى مادة للسخرية والتهكم من قبل أصدقائه وعائلته في حال فضّل الانصياع لإجراءات الوقاية من وباء كورونا وكف عن الانخراط ضمن تجمعات الألفة الخاصة بعائلته.
لا يبدي السروري في حديثه لـ"الموقع بوست" اكتراثاً لفكرة عقد اجتماعات ضمن عائلته وأقاربه في ظل تهديدات كورونا، على الرغم من وعيّه لمخاطر الوباء، لكنه يفضل قضاء أوقات لطيفة مع الأصدقاء والأقارب مُعتمداً على حدس ظني بأن الفيروس لن يقترب من عائلته، ومرجحًا بشكل جزافي خلو أصدقائه وأقربائه من الفيروس أيضاً.
تواكل
أسرة وليد نموذجا للمئات من الأسر اليمنية التي تجد ذاتها منقادة بحماقة للعادات الاجتماعية المتوارثة، ضمن اتكالية واعتماد أعمى على الحظ الذي لا يشفع في التصدي للفيروس.
وعلى الرغم من مجازفتهم بالتخلي عن إجراءات الوقاية من الفيروس؛ يقضي المواطنون عيد الفطر في صنعاء بجزع بعد أن تخلوا عن إجراءات الوقاية من كورونا وفكرة التباعد الاجتماعي، ولا يترددون عن إبداء مخاوفهم تجاه احتمالات إصابة بعضهم بالوباء بعد انخراطهم في حمى الشراء التي شملت معظم سكان المدينة بدافع من العادة وشعور اللا اكتراث الذي اكتسبه اليمنيين نتيجة تلاحق الويلات خلال السنوات الأخيرة، بيد أنهم لا يعدمون الوسائل لتبرير أخطائهم والمضي في الحياة بجسارة من لم يعد يخشى شيئ.