[ مصير اتفاق الرياض في ظل تعنت المجلس الانتقالي الجنوبي ]
تداولت مؤخرا كثير من وسائل الإعلام خبر عودة الحكومة اليمنية إلى العاصمة المؤقتة عدن يوم الخميس (23 أبريل/نيسان) الجاري، بالتزامن مع الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض المحافظات.
ونقلت قناة "العربية" عن مصدر رفيع قوله إن الحكومة ستباشر أعمالها من عدن في ظل وجود مؤشرات إيجابية لاستكمال تنفيذ بقية بنود اتفاق الرياض الموقع مع ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وللإشراف على جهود الإنقاذ والإغاثة جراء السيول.
تزامنت تلك التصريحات مع تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق في عدن، بسبب السيول التي تعرضت لها العاصمة المؤقتة وتسبب بحدوث وفيات وأضرار بالغة بالممتلكات.
أدت تلك الأوضاع إلى تنامي غضب المواطنين الذين لم يجدوا فرقا كبيرا في تحسن الأوضاع من استعادة محافظتهم قبل أكثر من أربع سنوات.
لم تدم تلك الأنباء سوى ساعات، حتى أعلنت الحكومة في بيان لها عدم قدرتها على العودة إلى عدن بسبب عرقلة "الانتقالي" لذلك، والذي حملته مسؤولية التصرف "غير المسؤول" وتبعاته أمام أبناء عدن والشعب اليمني عامة.
فشل العودة الدائمة
طوال السنوات الماضية لم تتمكن الحكومة من العودة والاستقرار في عدن من أجل إعادة تطبيع الحياة فيها، ولم تكن تتضح أسباب ذلك بشكل بارز كما يحدث الآن، بعد اصطدامها العسكري مرات عديدة مع "الانتقالي".
ومن حين لآخر، يعود رئيس الحكومة مع بعض المسؤولين فقط إلى عدن، لكنها عودة لا تستمر لمدة طويلة، ويغادرون مجددا إلى السعودية، وظل ذلك محل تساؤلات المواطنين، الذين انتقدوا وبشدة عدم عودة الحكومة إلى محافظة أخرى لممارسة مهامها، في حين ينتقد آخرون تلك الفكرة لأنها تعني السماح بإضعاف الشرعية التي تؤكد تقارير مختلفة تقلص نفوذها.
ووقعت الحكومة والمجلس الانتقالي اتفاق الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي برعاية السعودية، وكانت أبرز بنوده عودة الحكومة إلى عدن وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.
وتخضع حاليا عدن لسلطة مليشيات "الانتقالي" المدعومة إماراتيا، وهناك نفوذ واسع على أرض الواقع للقوات السعودية التي دخلت المشهد عقب الانسحاب الذي وصف بـ"الشكلي" للقوات الإماراتية.
عراقيل ومراوغة
وبرغم تفاؤل كثيرين بعودة الحكومة، إلا أن الصحفي كمال السلامي يستبعد ذلك بسبب العراقيل التي يفرضها "الانتقالي"، مؤكدا أن المشكلة في عدن لا تتعلق بها بل بذلك المجلس وهو الأمر الذي بات واضحا لدى أغلب أبناء عدن.
ويبدو بالنسبة للسلامي الذي تحدث لـ"الموقع بوست" أن المجلس عاجز عن تقديم أي خدمة للناس هناك، وهو أيضا لا يمكن أن يسمح للحكومة بالنجاح، لأن ذلك يعني انتهاء شعبيته، ويدفعه ذلك للاستمرار في المراوغة والعبث وتحميل الحكومة المسؤولية.
وباعتقاده فالوضع في عدن يشابه إلى حد كبير ما يجري في صنعاء، فالطرف المسيطر هو من يتحكم بكل مجالات الحياة، ويعتبر نفسه ممثلا شرعيا للناس، وبناء على ذلك يستنتج الصحفي اليمني صعوبة عودة الحكومة وإن حدث ذلك تحت ضغوط فلن تنجح لأن "الانتقالي" سيعيقها.
عودة مشروطة
وبرغم تزامن عودة الحكومة المحتملة إلى عدن مع الأوضاع الصعبة في عدن، يقول الإعلامي محمد القاسم إنها لن تكون أكثر من "مجرد بعثة تصريف أعمال، استدعتها كارثة السيول لتسهيل الأمور التشغيلية وصرف الرواتب".
ورأى في سياق حديثه مع "الموقع بوست" أن تلك العودة مشروطة يكتنفها الضعف، بعد فقدان الحكومة كل أوراقها، وعدم جدية السعودية في تمكين الشرعية من استعادة سلطتها هناك رغم مضي فترة طويلة على اتفاق الرياض.
وبناء على ذلك فهو يعتقد أن الحكومة لن تقدم أكثر من ذلك، كإعادة ترميم ما خلفته كارثة السيول، واستعادة بعض الخدمات، وصرف الرواتب، وتعويض المتضررين إن كانت جادة أصلاً، وفق تعبيره، متسائلا في الوقت ذاته عن إمكانية عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية في ظل هيمنة الانتقالي على المدينة.
موقف حاسم
مع استمرار جمود المشهد وتوقفه عند صعوبة عودة الحكومة، يرى الصحفي السلامي أن المطلوب هو موقف حاسم من الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يمتلك القدرة على تصحيح الأمور وتوجيه بوصلة الأحداث في العاصمة المؤقتة لما فيه مصلحة الناس.
وعليه أن يبلغ التحالف العربي وتحديدا السعودية بضرورة أن ينفذ "الانتقالي" التزاماته التي وردت في اتفاق الرياض بدون مراوغة، وفي حال لم ينفذ يجب على الرئيس هادي إعلان وفاة اتفاق الرياض وحينها ستعيد السعودية حساباتها كونها الضامن، وفق السلامي.
وبقاء التمرد في عدن يعني -كما يفيد السلامي- فشل السعودية والتحالف، وصراع دموي مؤجل لن تحتمله المملكة، مشيرا إلى أن "الانتقالي" لا يمثل لا عدن ولا الجنوب، وذلك يؤكده الاحتقان الحاصل في الشارع العدني والجنوبي عموما.
تصحيح مسار
وبالنظر إلى كل التعقيدات الحاصلة وتكرار ذات المشهد، يرى الإعلامي القاسم أن الحكومة بحاجة إلى تغيير فريقها الحالي وتدعيم منظومتها بشخصيات وطنية مسؤولة، ذات برامج عمل وأكثر صرامة في إنجاز مهامها المناطة.
كما تحتاج إلى التحرر من الاستلاب وهيمنة السعودية على قرارها، والبقاء في الداخل لمقاومة كل فصول العبث والعمل بروح المسؤولية في تلبية احتياجات الناس وتفعيل أجهزة الدولة لثبيت الأمن وتطبيع الحياة في المناطق المحررة بالتزامن مع إصلاح إدارة معركة استعادة الدولة، بحسب القاسم.
وتابع "ليس مطلوبا من الحكومة إنهاء دور التحالف في اليمن، لأن هذا الأمر صعب في الوقت الحالي، وإنما إعادة العلاقة إلى مسارها الطبيعي والمفترض وعدم السماح بأي تجاوزات أو عبث من قبل دول التحالف".
وحتى اليوم من اندلاع الحرب في اليمن مطلع 2015، لم تستقر الأوضاع لا في المحافظات المحررة ولا غيرها، ومن حين لآخر نشهد انقلابات، ومعارك متقطعة، وتردٍّ مستمر في الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وتخضع المحافظات الشمالية لسلطة الحوثيين، أما الجنوب فالمجلس الانتقالي هو المسيطر على المشهد هناك، في حين تتقاسم النفوذ في بعض المحافظات هناك أو المناطق الشرقية والساحلية السعودية والإمارات.