[ مكفوفون في قرية العميان بحجة يفرون من جحيم الحرب ]
مثل غيرهم من اليمنيين، ذاق المكفوفون ويلات الحرب التي دخلت عامها الخامس واضطر بعضهم للفرار من منازلهم سيراً على الأقدام هرباً من جحيمها، كما هو حال سكان قرية الخزنة أو ما تعرف بـ"قرية العميان".
وتقع قرية الخزنة في منطقة بني حسن بمديرية عبس في محافظة حجة (شمال غربي اليمن) ويعاني غالبية سكانها البالغ عددهم نحو 200 شخص من العمى المتوارث منذ ثلاثة عقود في حالة مرضية نادرة يفقد بسببها أبناؤها أبصارهم بعد بلوغهم سن الخامسة.
ونزح نحو 18 ألف شخص مطلع الشهر الجاري من منطقة بني حسن شمال مديرية عبس عقب اندلاع المعارك بين الحوثيين والجيش الوطني في المديرية الواقعة شمال غربي محافظة حجة في 28 مارس الماضي.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها، الخميس، إن تفجر القتال في منطقة عبس في الأيام القليلة الماضية أجبر 18 ألف شخص على النزوح عن ديارهم، مشيرة الى وجود 50 ألف نازح في عبس والمنطقة المحيطة بها، مع توقع وصول المزيد من الأشخاص.
وأوضحت أن الاحتياجات الإنسانية الرئيسية للنازحين الجدد ملحّة في الرعاية الطبية والحصول على المياه النظيفة والمأوى والغذاء ومواد الإغاثة الأساسية.
رحلة العذاب
حاملون معهم أوجاعهم وما خف حمله من متاع، توجه غالبية سكان قرية العميان إلى ريف مديرية بني قيس بمحافظة حجة هرباً من جحيم الحرب والقصف والدمار حيث يعيشون وسط ظروف مأساوية فاقمت من معاناتهم.
"صحونا على أصوات الانفجارات والقصف العنيف وكل منا يتخبط في كل شيء أمامه"، يقول طيب علي من أبناء قرية الخزنة بمديرية عبس والذي فقد نعمة البصر منذ نعومة أظفاره.
ويروي بألم وحسرة قصة نزوحه لـ"الموقع بوست" قائلا: "عشنا أيام الحرب التي ظلت بعيدة عنا واكتوينا بنارها وغادرنا قريتنا قهراً أنا وأسرتي وأقاربي المكفوفون أيضاً، تاركين وراءنا منازلنا وما لم نستطع حمله من أمتعتنا".
يصمت علي برهة ثم يتابع: "أغلب الأسر المكفوفة اضطرت للفرار من جحيم المواجهات خالية الوفاض إلى مدينة عبس سيراً على الأقدام قاطعة مسافات شاسعة في ظل حرارة الشمس المرتفعة بحثاً عن الأمان".
ويضيف: "اتخذنا من صفوف هذه المدرسة في بني قيس مأوى لنا ونعيش في ظل ظروف معيشية صعبة فليس هناك مخيمات تؤوينا أو من يقدم لنا المساعدات الضرورية وهناك أسر أخرى اضطرت للعيش في العراء أو تحت الأشجار".
النزوح سيراً على الأقدام
لم يكن حال الكفيف أحمد حسن (45 عاماً) من أهالي قرية الخزنة بالأفضل، فهو أيضاً عانى مع زوجته وأولاده الثلاثة المكفوفين مرارة النزوح وفقدان المنزل والضياع والخوف.
ويصف أحمد لحظات النزوح العصيبة بقوله: "خرجنا من المنزل بملابسنا فقط، نتلمس الطريق برعب ولا نعلم إلى أين سنذهب، مشينا حتى كلت أقدامنا وعند وصولنا إلى منطقة الربوع حملنا سائق سيارة إلى مدينة شفر ومنها قدمنا إلى هنا برفقة بعض الجيران".
ويضيف في حديثه لـ"الموقع بوست": "هربنا من الموت فقط، وتركنا كل ما نملك خلفنا، لأننا لم نكن قادرين على حمله إلى هنا، ومعظم أهالي قرى منطقة بني حسن كذلك".
ويختتم حديثه بمرارة: "حياة النزوح صعبة على الإنسان الصحيح المبصر فكيف بالمكفوف الذي بات بلا مأوى يفترش الأرض ويلتحف السماء في ظل غياب الجهات المتخصصة التي تقدم له الحد الأدنى من الرعاية".
وتتجمع مئات الأسر النازحة من منطقة بني حسن في بعض قرى وبلدات مديرية عبس والمديريات المجاورة، في ظل ظروف معيشية صعبة، دفعت بعض الأسر إلى العيش في العراء أو تحت الأشجار في ظروف مأساوية.
وضع كارثي
وتحدث الناشط في العمل الإنساني محمد الطيب عن وضع إنساني كارثي للنازحين من منطقة بني حسن بمديرية عبس بشكل عام ونازحي قرية الخزنة بشكل خاص، موضحاً أنهم يفتقرون إلى المأوى، ويعانون من غياب الدعم الصحي وشح كبير في الغذاء والماء.
وقال الطيب في حديثه لـ"الموقع بوست": "قلة قليلة منهم لديها مأوى عند عوائل مستضيفة من الأقارب أو المعارف في مديرية عبس أو المديريات المجاورة والبعض منهم يسكن في المدارس التي فرغت من أجلهم".
وأوضح أن مكفوفي قرية الخزنة النازحين يعانون من مشاكل ومعوقات كثيرة، أهمها الحصول على المساعدات خصوصاً أنهم لم يتمكنوا من الإقامة في المخيمات التي تستهدفها المنظمات الإغاثية بسبب اكتظاظها.
وأشار إلى تفاقم معاناة المكفوفين كونهم لا يستطيعون التحرك كغيرهم من دون مساعدة ولا يمكنهم الوصول إلى أماكن توزيع المساعدات وهذه مشكلة كبيرة في ظل ظروف النزوح المأساوية التي يواجهونها.
وحذر الطيب من تجاهل محنة النازحين المكفوفين من قرية الخزنة والتي قد تتحول إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، داعياً المنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في المحافظة إلى التحرك لإغاثة هذه الشريحة من المجتمع اليمني.
ولا توجد إحصاءات دقيقة بشأن عدد المكفوفين في اليمن بعد أربعة أعوام من الحرب، في ظل انكفاء البعض منهم على أنفسهم وتوقف عمل أغلب الجمعيات المعنية بمساعدتهم.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية في اليمن ارتفع إلى 24 مليون شخص بينهم أكثر من ثلاثة ملايين من ذوي الإعاقة.