[ عقد البرلمان جلسته في سيئون بعد توقف دام أربعة أعوام ]
بعد محاولات كثيرة لاستئناف الشرعية عمل البرلمان، انعقدت قبل يومين الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب في دورته غير الاعتيادية بمدينة سيئون بحضرموت شرقي اليمن، بعد اكتمال النِصاب القانوني، وذلك بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه ورئيس مجلس الوزراء وآخرين.
وكان الرئيس هادي قال في كلمته الافتتاحية في دورة انعقاد البرلمان، إن هذا الحدث يوحد كافة اليمنيين بكل أحزابهم واتجاهاتهم وأطيافهم على قاعد الشرعية والثوابت الوطنية وفي مواجهة مشروع الحوثيين.
ووجه كذلك دعوته لكل البرلمانيين الذين لم يلتحقوا بالجلسة، ليبادروا بالانخراط مع زملائهم في المجلس، للدفاع عن الوطن.
أما رئيس البرلمان سلطان البركاني، فأكد على ضرورة هزيمة الحوثيين، ليستعيد الشعب دولته، رافضا أي انتقاص من السيادة أو تكوين أي مليشيات خارج إطار الشرعية.
تدلل تلك التصريحات، بحسب مراقبين، أن فشل انعقاد البرلمان بعدن دليل واضح على عمل الإمارات العربية المتحدة عبر مليشياتها بالعاصمة المؤقتة ضد الشرعية وإضعافها، خاصة بعد خروج أنصار ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي" في مظاهرات مناوئة لاستئناف الجلسات بحضرموت.
من جانبه اعتبر السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر أن انعقاد البرلمان خطوة تؤكد عزيمة اليمنيين على استعادة دولتهم وإنهاء مشروع الانقلاب الحوثي.
جاءت جلسة البرلمان في إطار السباق بين الحكومة والحوثيين الذين اتجهوا نحو عمل انتخابات تكميلية، لملء المقاعد الشاغرة التي تبلغ أكثر من ثلاثين مقعدا، في محاولة لتفعيل هذه المؤسسة التشريعية والرقابية المهمة.
دعم الشرعية
الحكومة اليمنية برئاسة معين عبد الملك، اعتبرت انعقاد البرلمان بأنه بمثابة تأكيد على التوافقات السياسية التي تعد أساس المرحلة الحالية، وسيشكل خطوة مهمة في سبيل استعادة المسار السياسي.
بخصوص أهمية استئناف جلسات البرلمان، يعتقد الصحفي كمال السلامي أن هذه الخطوة المهمة تأخرت كثيرا جدا، وكان يفترض أن يباشر البرلمان مهامه منذ صدور قرار نقل مقره إلى العاصمة المؤقتة عدن في يناير/كانون الثاني 2017.
ومع ذلك، فإن استئناف جلسات المجلس في هذه المرحلة يعتبر -وفق السلامي الذي تحدث للموقع بوست- خطوة إيجابية، كونها ستسحب البساط من تحت الحوثيين، وتفقدهم ورقة المؤسسة التشريعية بما تمثله من رمزية مهمة للدولة، إضافة إلى أنه سيساهم في وضع حد للكثير من الاختلالات في الحكومة الشرعية، كونه سيتولى تشريع القرارات، والتصديق على الكثير من الاتفاقات، وسيمارس دوره الرقابي والتشريعي على أداء الحكومة، وبالتالي سيمارس النواب دور المساءلة على تصرفات الحكومة، وسيفتح ملفات الفساد والاختلالات التي اعترت أداء الحكومة الشرعية طيلة المرحلة السابقة.
كما أن نقل البرلمان سيسحب آخر ورقة تمنح الحوثيين صفة شرعية، فهم بدون برلمان فاقدو الشرعية، واستمرارهم في عقد جلساته بصنعاء لن يكون شرعيا، لأن العالم لن يعترف إلا ببرلمان واحد، هو الذي يعمل لصالح الشرعية المعترف بها أيضا، يضيف السلامي.
ويمكن كذلك استئناف جلسات البرلمان -كما يفيد السلامي- ويعيد الثقة بالشرعية، ويشجع بقية مؤسسات الشرعية على العودة إلى الداخل وممارسة نشاطها من هناك بدلا من البقاء في المهجر.
وهو لا يتوقع أن يساهم البرلمان في حلحلة ملف الحرب، لكنه سيساهم في ترسيخ سلطة الحكومة الشرعية، وسياسهم في تطبيع الحياة السياسية من خلال ممارسة الدور التشريعي والرقابي على أداء المؤسسات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية والأمنية.
تحديات
الإدارة الأمريكية وفي بيان صادر عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس، قالت إن انعقاد البرلمان خطوة مهمة لتعزيز الحكومة اليمنية الشرعية، مؤكدة دعمها الكامل للبرلمانيين اليمنيين.
وبالنسبة للمحلل السياسي محمد الغابري، فإن انعقاد مجلس النواب يعد تحولا إيجابيا لصالح السلطة الشرعية، وبه تكتمل سلطات الدولة، فضلا عن كونه يعطل توظيف الحوثيين للمجلس في محاولاتهم الاستناد إلى غطاء قانوني.
وعن الآثار السلبية لغياب البرلمان سابقا، أفاد الغابري لـ"الموقع بوست" أنه يشكل فراغا في السلطة، وعلامة على الانقسام، وهو ما يؤدي إلى إضعاف السلطة ومكانتها على المستوى الإقليمي والدولي.
وتشير المعطيات حتى الآن -بحسب الغابري- إلى أن البرلمان سيمارس مهامه ما لم تقم القوى التي لا تتبع الجيش بعمل ضد الانعقاد أو محاولة التعطيل، متوقعا فشلها بعمل ذلك كونه سيضعها في مواجهة مع الداعمين لانعقاد المجلس.
وكان قد تم التوافق على القيادي في حزب المؤتمر سلطان البركاني رئيساّ للمجلس، ومحسن باصرة ومحمد الشدادي وعبد العزيز جباري نواباً لرئاسة المجلس.
وتوقف عمل البرلمان اليمني منذ حوالي أربع سنوات، إلا أن الحوثيين كانوا يعقدون جلساته بصنعاء دون اكتمال النصاب القانوني.
مخاض جديد
في تعليقه على نسبة عدم الرضا للانعقاد من أطراف عدة أبرزها جماعة الحوثيين المسلحة والانتقالي الجنوبي، تدل -وفق الصحفي عمار زعبل- على أن الشرعية في اليمن ما زالت تمر في مخاضات صعبة لتثبيت وجودها وتطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة.
ورأى في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن عودة البرلمان لممارسة مهامه جزء لا يتجزأ من مهمة استعادة الدولة وهو ما يحتم على التحالف دعمها ومساندتها، متوقعا أن يكون الانعقاد بداية لعودة المؤسسات إلى عدن، كون حلحلة الأزمة تحتم عودة المؤسسات وعودة بناء الثقة بين كل الأطراف العاملة وإن بنسبة بسيطة، فالكل عالق لا يدري كيف يتحرك.
واستطرد "هذه الخطوة أظهرت أن الجميع مكبل وينتظر اللحظة التي سينطلق فيها وفق المتاح والممكن في ظل اللعبة أو الأزمة التي بدت أكثر استعصاء، وأن مفاتيح حلها لن تكون إلا بتسوية الأرضية مجددا للأحزاب السياسية بأن يكون لها دور في أي قادم ومنها حزب المؤتمر الذي أصبح يمتلك حظوظا جديدة تعيده إلى المشهد كلاعب مهم ومسنود بالمؤسسة التشريعية".
جوانب مهمة
أما الباحث توفيق السامعي فأشار من جانبه إلى جوانب أخرى مهمة لهذا الانعقاد منها أن قرارات الرئيس هادي والحكومة المنفردة والتي يأتي بعضها دون أي دراسة أو مناقشة، يمكن إثراؤها والحد من التغول والانفلات ولكن بشرط وحيد وهو أن لا يكون مجلس النواب أداة مسيرة ومشرعنة للقرارات أكثر من تمحيصها والبحث في مقتضيات ضرورتها.
وأوضح لـ"الموقع بوست" أن هناك قرارات سيادية لا يستطيع الرئيس هادي وحده البت فيها أو إصدارها منفردا بشكل أحادي دون توافق أو دراسة أو شرعنتها من قبل المجلس، وهو يأمل أن تكون جلسات البرلمان وقراراته معادلا موضوعيا لأي استفراد بالقرارات خاصة تلك التي تتعلق بعدم المضي في استكمال التحرير وبسط سيطرة الدولة في كل شبر في الوطن.
الشيء الأهم في المجلس -كما يقول السامعي- هو استمرار انعقاد جلساته بشكل دائم دون أي عوائق وعراقيل، وكذلك تكوين اللجان المختصة التي ستعمل على التواصل مع الخارج وتبدأ تحركاتها دوليا كمظلة شرعية معترف بها دوليا وهذا العامل هو الذي أفقد الحوثيين عقولهم لأنهم كانوا يريدون التحرك للعالم عبر هذه اللجان وبالتالي أفشلت الشرعية كل خططهم.
وهو يتمنى ألا يكون تفعيل المجلس آنيا فقط لتمرير بعض المشاريع والقرارات ولكن لجم الانفلات واستمرار الانعقاد وتفعيل مبدأ الرقابة التشريعية والمحاسبة، فنواب الشعب هم الأداة الشرعية الممثلة عن الشعب في كل مديرية وعزلة وقرية وحارة وقوة الشرعية من قوة برلمانه ونوابه الممثلين عن الشعب، شرط أن يكون النواب أقوياء في قول الحقيقة ولا يكونوا مسيرين، معتقدا أن هيئة رئاسة المجلس ستكون قوية بأشخاصها ومواقفهم وبالتالي سيكون من خلفهم عند مستوى المسؤولية.