[ السياسي محمد قحطان المخفي قسريا في سجون الحوثيين منذ أربعة أعوام ]
"ننتظر عودته.. حياتنا تمر ببطء كبير"، كانت هذه كلمات تحية ابنة السياسي المخفي قسرا منذ أكثر من 4 سنوات في سجون الحوثيين بصنعاء، القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان.
قحطان القائد الفذ المحبوب من خصومه قبل أنصاره، لا يختلف عن قحطان الأب الذي تسرد ابنته فاطمة تفاصيل كثيرة تركها في البيت مرغما ذات نهار أسود، اجتاحت فيه غيمة سوداء سماء البلاد، فرأت في قحطان ضوء لا يمكن إتمام إغراق البلاد في الخطيئة إلا بإخفائه قسريا في غياهب السجون.
تقف فاطمة مستندة على مكتبة فيها قحطان، محاولة استخلاص كل ما في الكتب بجملة واحدة: "تعلمنا من أبي ممارسة الحياة بإباء وعزيمة، ورغم غيابه بقينا كما يحب أن يرانا، أقوياء رغم هول الضعف الذي سببه غيابه عنا".
تعيش فاطمة وباقي عائلة القيادي المخفي قسريا في منزله وسط العاصمة المختطفة صنعاء، حيث ترى بأن لا شيء أكثر رعبا لكل العائلة، كبارها وصغارها، من تساؤلات لا إجابة لها: "أين أبي؟ ولماذا هو وحده من بين باقي المختطفين لم نعلم عنه شيئا؟ ولمَ تدور الشائعات حوله فقط؟".
مضايقات ورعب من ذكر اسمه
خلال الفترة الممتدة لأربع سنوات، لم تيأس العائلة من الوقفات الاحتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح محمد قحطان ورفاقه الكثر في سجون مليشيات الحوثي التي أفرغت الجامعات والشوارع وأملأت الزنازين والمقابر.
تواصل فاطمة وهي البنت الكبرى لمحمد قحطان حديثها مؤكدة تعرض العائلة لـ "مضايقات كثيرة خلال عدة وقفات احتجاجية في العاصمة صنعاء، كان الجاني خلالها يرى صورة قحطان أو يسمع اسمه فنشعر وكأننا نذكره بشيء مخيف ومقلق".
تصمت فاطمة مُحَاوِلة إحصاء عدد الطرق التي سكلتها العائلة في سبيل العثور على شيء من ريح محمد قحطان لترد إلى أعين يعقوب الكثيرات في المنزل والبلاد بصرها، لكن دون جدوى، فالأمر يتعلق بقحطان لا بأحد آخر.
تعود مؤكدة "رغم تواصلنا مع المنظمات والشخصيات الهامة في الدولة لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة أو معرفة حال أبي وعندما يأتون لتطميننا يقولون إنه لديهم معلومات إنه بخير، لكن هل شافوه (رأوه)؟ لا أبداً".
تتابع فاطمة: "الكل يتواصل مع أسرته من فترة إلى أخرى ونحن إلى الآن سيتم عامه الرابع ويبدأ عامه الخامس لا حس ولا خبر".
ننتظر للحوثي ينام ونخرج جدو
تحن ميساء صغيرة فاطمة لرؤية جدها كباقي صغار العائلة الأكبر منها الذين اعتادوا على معانقته واللعب معه وتبادل أحاديث طويلة حول شؤون طفولية لا يلتفت لها أحد سواه.
ميساء ذات الخمس السنوات وبعد ضجر من أسئلة كبيرة لم تعثر هي وباقي كبار وأطفال العائلة والحارة والبلاد على إجابة لها، تطرح عليهم حلا بريئا للغز الأسئلة المخفية إجاباتها في سجون جماعة لم ترعَ في يمنيٍ إلا ولا ذمة.
ترسم ميساء بمخيلتها جماعة مكونة من أطفال أبرياء مثلها اختطفوا جدها، فتهمس في مسامع نظرائها: "ننتظر للحوثي ينام ونكسر الباب ونخرج جدو وهم راقدين"، بضحكة مخنوقة بالدمع تتأمل فاطمة المشهد حولها.
تعلق فاطمة: "الكل يطمع برؤيته، نحن والصغار هنا وفي الحارة وكل من عرفه سيرى فيه رجل دولة محبا لوطنه، ومنتميا على الدوام لأحلام المساكين والبسطاء وبشوشا في وجه الأطفال والعجائز والكبار والأصدقاء والخصوم".
محاولة مصادرة المنزل
قبيل أيام قليلة حركت جماعة الحوثي طقما عسكريا إلى المنزل، حاول المسلحون اقتحام البيت لولا إحدى نساء الحارة توقفت في الباب مانعة لهم، فأبلغوها أن تخبر عائلة قحطان بترك البيت في غضون 3 أيام، ما لم فسيتم إرسال "الزينبيات" وطرد العائلة.
توضح فاطمة أن المسلحين "أرعبوا أحفاد قحطان الصغار، وتسببوا في انهيار للأم المنهارة من هول مسافة غياب لم تتخيل لحظة أن تقطعها وحيدة دون كتف الأب الذي لم تشغله السياسة وأمورها عن أن يكون الزوج والأب المختلف".
كتبوا على جدار البيت "محجوز من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة" ومضوا، لتندلع موجة غضب في أوساط الشخصيات الاجتماعية والقبلية ونشطاء التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع بالجماعة إلى الإنكار مبدئيا، ثم إبلاغ العائلة بإلغاء الإجراءات الخاصة بحجز المنزل، وفقا لحديث فاطمة.
اتفاق إطلاق سراح المختطفين
مطلع ديسمبر العام المنصرم 2018 انطلقت محادثات السويد بين الأطراف اليمنية، ومع انطلاقها أعلن المبعوث الأممي مارتن غريفيث عن اتفاق بين الطرفين (الحكومة والحوثيين) على إطلاق سراح كافة الأسرى والمختطفين لدى الطرفين في غضون 40 يوما، إلا أن شهرا مضى من الأربعين يوما ولم يتم البدء بتنفيذ آلية الاتفاق.
قبيل إعلان الاتفاق بأيام سمحت جماعة الحوثي لوزير الدفاع المختطف لديها محمود الصبيحي بالاتصال بعائلته، تلاه السماح للأخ الشقيق للرئيس هادي بالاتصال بعائلته هو الآخر، إلا محمد قحطان فلم توضح الجماعة شيئا حول مصيره.
لا تراهن عائلة محمد قحطان على اتفاقات السويد، وتكتفي للنظر إلى ما يحدث في الحديدة من فشل للاتفاق في ملف المدينة، لتحكم على فشل اتفاق تبادل الأسرى، لكنها تتمنى أن يفضي الاتفاق إلى كشف مصير أبيها محمد قحطان، وعودته سالما إلى أهله ومحبيه الكثر.
تعيد فاطمة نظراتها نحو ذات المكتبة الضخمة التي لطالما كانت ركنا مهما في حياة الأب، مختتمة حديثها بما بدأت به: "ننتظر عودته بقلق بالغ وسط شائعات بين الحين والآخر تحطمنا كثيرا لكنها لم تقتلنا ولن تستطيع، حتى بزوغ فجر تعود به البلاد، وتشرق فيه شمس أبي".