[ لقيت تلك الشائعة رواجا واسعا خاصة في وسائل التواصل - الصورة لمدخل مدينة الخوخة ]
لقيت شائعة تعرض فتاة للاغتصاب بمنطقة الخوخة الساحلية (غربي اليمن) تفاعلا كبيرا على الساحة اليمنية، وكشف عن العديد من الحقائق، خاصة فيما يتعلق بدور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها، ناهيك عن الاستغلال الذي أعقب تلك الإشاعة، والتي لا تزال في طور التفاعل، ولم تثبت إن كانت حقيقية أو لا، وتستعرض المادة هنا أبعاد تلك الإشاعة وما خلفته من نقاشات بعيدا عن التسليم بصحتها أو نفيها.
ارتكزت الإشاعة في بدايتها على قضية تعرض فتاة للاغتصاب من قبل جندي سوداني في مدينة الخوخة، حيث يتواجد العديد من الجنود التابعين لدول مختلفة مشاركة في التحالف العربي، وسرعان ما انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وتلقفها المئات من اليمنيين، وزاد من قوة سريانها حديث بعض الناشطين المعروفين الذين أكدوا أنها وقعت بالفعل، عبر العديد من تسجيلات الفيديو التي بثوها في صفحاتهم بموقع فيسبوك.
وعلى مدى اليوم الأول انتشرت تلك الإشاعة كالنار في الهشيم، وفي مجتمع محافظ تلقى مثل هذه الحوادث مزيد من التفاعل، باعتبارها نوعا من العيب، وجريمة دينية تستوجب العقاب، خاصة مع الحساسية الموجودة بحكم وجود قوات أجنبية داخل اليمن، لكن سرعان ما بدأت الحادثة تمضي نحو الضمور، إثر نقاشات واسعة ذهبت إلى التشكيك فيها من مختلف الجوانب.
انقسم الناس نحوها إلى ثلاثة تيارات، الأول يدافع عنها بكل قوة باعتبارها وقعت بالفعل، ويطالب بإخراج الجنود السودانيين من اليمن، والثاني يطالب بالتثبت والأدلة التي تؤكد وقوعها، ويدعو لمحاسبة مرتكبها كفرد، والثالث يشكك فيها، ويتحدث عنها كإشاعة واضحة.
لاحقا بدأت تظهر مؤشرات جديدة تجاه القضية، ونشر ناشطون ورقة عليها تحقيق أمني تتحدث فيها الفتاة بأنها لم تتعرض للاغتصاب، بل قالت ذلك كيديا، ثم نشر آخرون مقطع فيديو تظهر فتاة تزعم أنها تعرضت لضغوط من قبل إحدى الشخصيات المحلية، التي طلبت منها أن تقول بأنها تعرضت للاغتصاب، وسيتم منحها مبلغا ماليا مقابل ذلك.
بعيدا عن محاولات تمييع القضية أو إثباتها فعند تحليلها وإخضاعها للتفسير كان واضحا أن الشائعة تستهدف سمعة طرف عسكري مشارك في قوات التحالف العربي، وهي دولة السودان، التي لها مشاركة عسكرية في إطار التحالف الذي بات الجميع ينظر له بعين الريبة والتشكيك، ولكن السودان كدولة ترتبط بعلاقات وثيقة وتأريخية واسعة مع اليمنيين، وهو ما رآه البعض توظيفا للحادثة.
استغلال
كشفت الحادثة برمتها عن العديد من الدروس التي تولدت بفعل عملية التفاعل الواسعة معها، رغم أن ذلك التفاعل ظل محصورا على الجانب الشعبي، ولم يصدر أي تصريح من قوات التحالف العربي في اليمن، أو من الحكومة اليمنية، وكان من الواضح الاهتمام الكبير بها من قبل الحوثيين في وسائل إعلامهم، واستماتة نشطائهم في تأكيد الحادثة.
وهذا الاهتمام الحوثي تبين لاحقا باستغلال الجماعة لهذه الإشاعة، فقد أصدر المفتي المعين من الحوثيين في صنعاء بيانا دعا فيه للنفير العام، وما وصفه بـ"التحرك الجاد والمسؤول لتحرير التراب اليمني من دنس الاحتلال والقيام بالواجب الديني والوطني للثأر للمرأة اليمنية".
وتناولت صحف تابعة للحوثيين تلك الحادثة باعتبارها حدثا يوجب الانخراط في القتال لأجله، وكتب أحد القيادات الحوثية مقالا في صحيفة الثورة بصنعاء دعا فيه إلى تلبية دعوة زعيم الحوثيين بقتال الأجانب، مذكرا بنفس الوقت بما كان يرتكبه العثمانيون في اليمن، مستشهدا بنصوص من خطب الأئمة السابقين، والتي كانت تدعو لقتال الأتراك، بتهم المجون وشرب الخمر، وغيرها.
رأي عام ودروس
ما كشفته الإشاعة أيضا كان التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي في خلق رأي عام تجاه قضية ما، وبنفس الوقت مدى التلاعب الذي يرافق هذا التأثير في حرفه نحو أغراض معينة من قبل البعض، واستغلال المشاعر والتعاطف الإنساني لتحقيق أهداف أخرى عبر العزف على تلك المشاعر التي يتفاعل معها الكثير بشكل تلقائي باعتبارها فعل قبيح وشائن.
وفي سؤال على صفحته بالفيسبوك وضع محرر المادة استفهاما عن الدرس الذي تعلمناه كيمنيين من هذه الإشاعة وما رافقها من جدل، يقول الناشط والمحامي موسى النمراني إن الإشاعة علمته مدى هشاشة عقول الناس. أما نبيل الفقيه فقال إن الحادثة كشفت أن هناك مطابخ إعلامية تشتري بعض المشهورين لدى العامة الذين اكتسبوا متابعين بوسائل التواصل الاجتماعي لدغدغة العواطف للعامة من الناس، ولم يستبعد الكثير وجود جهات استخباراتية وراء الإشاعة لتمرير أهداف معينة.
يقول الكاتب والناشط محمد دبوان المياحي في منشور له على حسابه بفيسبوك إن حادثة الإغتصاب ليست أكثر شناعة من حادثة القتل؛ لكنها حظيت بهياج شعبي أكبر.لماذا..؟ ويجيب هنا بالتحديد يظهر استفهام كبير حول المعيارية المختلة في أذهان الناس تجاه قيم الوجود، لا شك أن يقظة الجماهير صفة جيّدة وضرورية لحراسة قيم الحياة ككل؛ لكنها تغدو يقظة مختلة، حين ترتفع في قضية وتخفت في أخرى، فتراهم يُفصحون عن غضب عارم لحادثة اغتصاب وهو أمر طيب بالفعل، ويتعاملون ببرودة قاتلة إزاء حوادث الاغتيال مثلًا وهو أمر كارثي مفزع، من وجهة نظره.
ويشير الكاتب إلى أن الأمر له علاقة بنظام الانفعالات النفسية لدى مجتمع مكبوت، أكثر من كونه صحوة شعبية لحصار اختلالات الحياة، حيث لم يعد القتل مثيرًا كافيًا لاستفزاز مشاعر الغضب لدى الناس؛ لكن قضايا العار ما زالت تحتفظ بكامل إثارتها، مرة أخرى، الأمر له علاقة بحالة الكبت الجنسي أولًا وأخيرا، أكثر من كونه يتعلق بيقظة نفسية شاملة لمراقبة كل انحرافات الواقع والتصدي لها.
أما وزير الأوقاف في الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض فقد غرد قائلا: "من أعظم الكبائر والآثام الخوض في أعراض المحصنات المؤمنات وقذفهن بما ليس فيهن، وإدخال لعبة السياسة في العرض المصون، عفو نساء الناس تعف نساؤكم، وكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، هل من معتبر أيها البشر.
للإعلاميين درس آخر
وكان للإشاعة تأثيرها الكبير على الإعلاميين اليمنيين الذين انزلق البعض منهم لتصديقها والدفاع عنها، بينما اعتقد الكثير منهم أنها درسا كبيرا لعملية التثبت والتحري قبل نشر أي مادة إعلامية.
وقال الإعلامي سمير النمري بأن الحادثة أثبتت أن الحوثيين تمكنوا من السيطرة بنجاح على إدارة الشائعات وتحوير الحقائق لصالحهم، وسرد العديد من الأدلة في هذا الجانب، فعلى سبيل المثال - وفقا للنمري- حرفوا قضية انعدام الغاز المنزلي التي هم سببها إلى قضية رأي عام المتسبب فيها الحكومة الشرعية، وقاموا بفرض جمارك إضافية، و استحدثوا نقاط جمارك في عدد من المحافظات واتهموا الشرعية في ذلك، كما اختلقوا شائعات الاغتصابات وروجوا لها من أجل حشد المقاتلين للجبهات.
آخرون ردوا على تلك الشائعة باستعراض الجرائم والانتهاكات التي مارستها جماعة الحوثي في السابق، خاصة بحق النساء اليمنيات، وذهب البعض للتذكير بشائعات مماثلة انتشرت في السابق، للدلالة على وجود من يستغل مثل هذه الشائعات في سبيل تحقيق الأهداف التي يطمح لها.
حساسية وتسيير
الصحفي عدنان الراجحي قال في حديثه لـ"الموقع بوست" إن شائعة اغتصاب فتاة في مدينة الخوخة بمحافظة الحديدة أمر فيه حساسية كبيرة في ظل ما تشهده المحافظة من تطورات عسكرية، وفي ظل التركيبة الاجتماعية في الحديدة خاصة، واليمن عامة انطلاقا من باب العيب وهروبا من العار.
ويذهب إلى القول تعد ليس خطرا على من ارتبطت به بل خطر على كل الناس ،خاصة ونحن نعيش في مرحلة منصات التواصل الاجتماعي،و التي باستطاعتها غسل أدمغة الناس وتسييرهم إلى المجهول، وربما إلى تكوين رأي عام غير مسؤول.
ويضيف: لذا مثل هذه الشائعة في مرحلة كهذه تصبح أكثر قضية سهلة التناول وسهلة التوظيف والتسييس ضد طرف لصالح طرف آخر، إلا أن الخطورة كما قلت تتعلق بالجمهور المتلقي الذي قد يحدث ضجة وحالة غضب تجاه موضوع قد لا يكون صحيحا في الأساس.
وينصح الراجحي في التعامل مع هذه الشائعات بضرورة التعامل معها بحذر حتى لا تخلط الأوراق، وحتى لا يتأثر شخص أو ضحية تم استغلالها للترويج لأجندة معينة.