[ بن سلمان مع ترامب في زيارته الأخيرة لواشنطن ]
تحول اليمن إلى موضوع للجدل داخل أروقة المؤسسات الأمريكية قبيل وأثناء زيارة ولي العهد السعودي للولايات المتحدة الأمريكية، التي يزورها للمرة الأولى منذ توليه ولاية العهد.
مبعث هذا الجدل يأتي بسبب الحرب التي تشنها السعودية على اليمن منذ العام 2015، وتدخل سنتها الرابعة في السادس والعشرين من مارس/آذار الجاري، وهي الحرب التي تتزعمها السعودية وحلفاء عرب آخرون أبرزهم دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقبيل الزيارة طرح ثلاثة من أعضاء الكونغرس مشروع قرار يدعو لمراجعة موقف البيت الأبيض من الحرب الجارية في اليمن، ومشروعية تدخل واشنطن في هذه الحرب، وأحدث القرار موجة واسعة من ردود الأفعال التي ذهب بعضها لمؤازرة المقترح، وذهب البعض الآخر للتروي تجاه الأمر بشكل أكبر.
لكن دلالة هذا الحراك التشريعي والسياسي كان بحد ذاته ملفتا فيما يتعلق بالحرب في اليمن، فلم يصل هذا التطور في الموقف بشكل أساسي إلا بعد تعقد الحرب في اليمن ووصولها إلى طريق مسدود، وغلبة الجانب الإنساني على مشروعية الحرب نفسها.
اقرأ أيضا: اليمن في زيارة محمد بن سلمان لبريطانيا ..الدلالات والنتائج (تحليل)
ورغم التصويت لصالح بقاء واشنطن في دعمها للحرب، فلا زال مجلس الشيوخ الأمريكي باعتباره المشرع للقوانين مستمرا في نقاش القضية، التي من المزمع إعادة النظر فيها في وقت قريب، مع وجود مشروع آخر يعد أقل حدة، لكنه يطالب باتخاذ موقف واضح من الحضور الأمريكي المساند للسعودية في اليمن، كما أن الأعضاء الذين تقدموا بمشروعهم في مجلس الشيوخ، لا زالوا أيضا متمسكين برؤيتهم في ضرورة وقف المساعدات الأمريكية للسعوديين بسبب اليمن.
مشروع القانون الجديد قدم من الحزبين في مجلس الشيوخ ويهدف إلى معالجة مشاركة واشنطن في الحرب باليمن، ويقود العضو من الحزب الجمهوري تود يونغ من انديانا، والديمقراطي جين شاهين من نيو هامبشاير جهود التشريع المقترح الذي من المتوقع أن تتناوله لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الشهر المقبل.
وسيتطلب مشروع القانون من وزارة الخارجية التصديق على ما إذا كان التحالف الذي تقوده السعودية يتخذ خطوات لتوسيع وصول الغذاء والوقود والشحنات الطبية إلى اليمن "بذل جهد عاجل وحسن النية" من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية للحرب الأهلية، وتدل على أنها تقلل من خطر وقوع ضحايا مدنيين في حملة القصف.
اليمن حضور مزعج
وبشكل عام فقد ظلت اليمن تشكل محور كل التفاعلات في زيارة الأمير السعودي، وظلت حاضرة في مختلف الزيارات التي قام بها كقضية شائكة تعد في المقام الأول من صنيعة السعودية نفسها، باعتبار بن سلمان كان مهندسها الأبرز، ووزير دفاع تلك الحرب، كما أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام.
كان الوضع الإنساني والحصار المفروض من السعودية على المنافذ اليمنية، وارتفاع ضحايا هذه الحرب هي أبرز القضايا والعناوين التي حركت الملف اليمني في زيارة بن سلمان لأمريكا، ووجهت له الانتقادات ذاتها التي واجهها أثناء زيارته للمملكة المتحدة الشهر الماضي.
ولم يتوقف الأمر عند حد الانتهاكات والممارسات التي تنتهجها السعودية في حربها باليمن التي دخلت عامها الرابع هذا الشهر، بل إن تلك الحملة توسعت لتطال أمريكا نفسها، وتثير الأسئلة حول دورها، ووصل الأمر إلى انتقاد شراء السعودية للأسلحة الأمريكية، والتي اعتبر نشطاء حقوق الإنسان أنها ستستخدم في الحرب على اليمن.
ومن الواضح أن الأمريكيين يتعاملون اليوم مع الملف اليمني من منظور المصلحة مع الحفاظ على الشراكة، وبنفس الوقت محاولة لعب دور مؤثر في الحرب، فقد تغلبت أصوات الكونجرس المطالبة باستمرار تأييد السعودية على تلك الأصوات المطالبة بقوننة التدخل، رغم أن الفارق بين المصوتين كان بسيطا، 44-55 ، وبذلك تمكنت واشنطن من استمرار تقديم العون والمساعدة وبيع السلاح، وفي إزاء ذلك خرج وزير الدفاع الأمريكي بتصريح طالب فيه السعوديين بإتاحة فرص العمل الإنساني بشكل أكبر، وأكد على أهمية أن يكون الحل في اليمن سياسيا بالدرجة الأولى، وهو ما انعكس في تصريحات بن سلمان حين أكد على حل قضية اليمن وفق الحل السياسي، وفي تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حين قال بأن الحوثيين جزء من العملية السياسية شرط تخليهم عن فكرة السيطرة على كامل اليمن.
الإعلام ينشط
بالتأكيد لدى الأمريكيين مصالحهم في شراء السعودية لأسلحتهم، لكن ذلك أيضا لا يخفي القلق المتصاعد من الوضع في اليمن، وقالت صحيفة "لوس أنجلوس" الأمريكية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعتبر المملكة العربية السعودية زبونا ومصدرا لرفد الاقتصاد الأمريكي.
وأضافت الصحيفة في مقال لهيئة التحرير، ترجمه "الموقع بوست"، أن تردد ترامب في انتقاد المملكة العربية السعودية علناً ليس مفاجئاً،مشيرة إلى أن ترامب يرى أن المملكة ليست فقط زبونًا لـ "أرقى المعدات العسكرية في أي مكان في العالم"، ولكن أيضًا كحصن ضد إيران (التي تدعم الحوثيين) وحتى كشريك محتمل في عملية سلام إسرائيلية فلسطينية معادة.
وما قالته صحيفة لوس أنجلوس يأتي أيضا في سياق حملة إعلامية واسعة لوسائل الإعلام الأمريكية أثناء الزيارة التي يقوم بها ولي العهد السعودي لأمريكا، وقالت صحيفة الواشنطن بوست في مقال افتتاحي لها إن ابن سلمان يخوض حربا غير مدروسة في اليمن المجاور"، ووصفت التدخل العسكري الذي تقوده السعودية باليمن بالكارثي.
الواشنطن بوست في نفس المقال انتقدت برود الموقف الأمريكي بالنسبة لدونالد ترامب، وقالت بأنه "لسوء الحظ، يبدو أن الرئيس ترامب غير راغب في الضغط على الأمير محمد بن سلمان، وبدلا من ذلك قام ترامب بالثناء عليه كثيرا، وقام بالتفاخر بالمشتريات السعودية للأسلحة الأمريكية".
ووصل الأمر حد التشكيك بمصداقية الخطوات التي تمارسها السعودية ووعدت بها، ويقول تقرير لمجلة فورين بوليسي بأنه على الرغم من نصيحة الولايات المتحدة ودعمها، لا تزال الحرب الجوية تلقي بظلال قاسية على المدنيين، وتنقل عن المشرعين تأكيدهم بأن التعهدات السعودية المتكررة بتخفيف الأزمة الإنسانية لم تسفر عن نتائج ملموسة تذكر، وتقول وكالات الإغاثة إن الحصار البحري الذي تفرضه القوات البحرية في واقع الأمر قد ساعد في زيادة انتشار الأمراض الفتاكة، بما في ذلك مليون حالة مشتبه فيها من حالات الكوليرا.
وإضافة لذلك فقد ظلت حالة التشكيك أيضا تطال حتى سمعة السعودية نفسها، وقال ستيفن ليندمان وهو باحث مشارك في مجلة Global Research الكندية ومراسلها في مدينة شيكاغو الأمريكية إن المملكة العربية السعودية جندت شركات العلاقات العامة الغربية وغيرها من صانعي الصور لتقديم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أنه سلالة جديدة كملك سعودي قادم، معتبرا أن هذه الإستراتيجية استخدمت أيضا خلال زيارة بن سلمان لبريطانيا والتي استغرقت ثلاثة أيام، وجرى خلالها عقد اجتماعات مع مسؤولين سياسيين وعسكريين ورجال أعمال.
ووصف الكاتب محمد بن سلمان بأنه ملك السعودية المستقبلي لكنه مستبد وممثل مارق، ومجرم حرب مدعو إلى واشنطن وعواصم غربية أخرى، وشركات أمريكية مثل وول ستريت، وهوليوود، ووادي السليكون، وبيج أويل في هيوستن، حيث مقر شركات أمريكية أخرى، إضافة لجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
نشطاء يحتجون
الأمر أيضا لم يتوقف عند حدود التفاعل الرسمي الأمريكي، بل وصل إلى نشطاء حقوق الإنسان، والمنظمات الإنسانية، فقد تطوع نشطاء لزراعة ألف وردة في حديقة البيت الأبيض تعبيرا عن الضحايا من الأطفال اليمنيين الذين سقطوا جراء الغارات السعودية على اليمن.
وفي كاليفورنيا التي سيزورها بن سلمان هذا الأسبوع دعت منظمات حقوقية إلى الاحتجاج أمام المباني التي سيزورها تعبيرا عن رفضهم للحرب في اليمن، ومن أبرز تلك المنظمات منظمة (CodePink) المهتمة بحقوق النساء، والتي خصصت تغطية خاصة على موقعها للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في اليمن.
والمفارقة أن تلك الاحتجاجات ستكون أمام المؤسسات التي وقع معها بن سلمان مشاريع استثمارية قادمة، فعلى سبيل المثال وقعت شركة WME اتفاقية مع صندوق الاستثمار العام في المملكة العربية السعودية صفقة ستحصل بموجبها PIF على حصة 5% إلى 10% في شركة Endeavour وهي الشركة القابضة لـ WME مقابل 400 مليون دولار، وأعلن نشطاء أنهم سينظمون وقفة احتجاجية أمام ساحة هذه الشركة.
الانتقادات نفسها طالت شركات أخرى كميكروسوفت التي انتقد الكثير لقاء مؤسسها بيل جيتس مع بن سلمان، وتوقيع الطرفين على اتفاقية مشتركة، وكان الدافع الأول لذلك الاحتجاج هو حرب اليمن.
ووصل الأمر ذروته لدى لقاء بن سلمان مع الأمين العام للأمم المتحدة والذي وصف حرب السعودية في اليمن بالغبية، وطالب بالعمل على إيجاد حل سياسي لإنهاء النزاع في اليمن.
وانتهى ذلك اللقاء بإعلان بن سلمان المساهمة في دعم برامج الأمم المتحدة بمبلغ 930 مليون دولار من خلال تعهد مالي مشترك من الإمارات والسعودية.
وقال أحد منظمي الحملة وإسمه بنيامين والذي ألف كتابا عن السعودية إن محمد بن سلمان يوظف جيشا من جماعات الضغط والعلاقات العامة لتسويق نفسه كمصلح بينما هو حقا مجرم حرب وغاضبا متعطشا للسلطة، وتنافس الأنا فيه غرور دونالد ترامب.
لماذا كل هذا؟
لم يكن هذا التفاعل الغير مسبوق أن يحصل لولا الوضع الذي تعيشه اليمن حاليا، بفعل التخبط السعودي، وتضاعف المأساة في اليمن، وعلى مدى الأشهر الماضية نشرت العديد من المنظمات الدولية تقارير تدق جرس الإنذار مما يجري في اليمن، ومن أبرز تلك التقارير ما نشرته لجنة الإنقاذ الدولية التي تحدثت عن كارثة انهيار النظام الصحي في اليمن.
وبنفس التحذير أطلقت منظمة أطباء بلا حدود صرختها للتحذير مما آل إليه الوضع الإنساني، والعواقب الوخيمة لاستمرار الحرب في اليمن، وأعلنت المنظمة أنها غير قادرة على تلبية الاحتياج المتزايد لخدماتها في اليمن، وأنها غير قادرة على الاستمرار في مثل تلك الظروف التي عاشتها ويعيشها العاملين فيها داخل اليمن.
مثلت الزيارة أهمية للسعودية في شراء الأسلحة التي تحتاجها، ولا يغفل هنا أهمية الصفقات لشراء المواقف، وتعزيز العلاقة بين الجانبين، وقالت وزارة الخارجية الامريكية انها وافقت على بيع ما يقدر بنحو 670 مليون دولار من الصواريخ المضادة للدبابات للسعودية بعد ساعات من لقاء ولي العهد محمد بن سلمان مع قادة البنتاغون لمناقشة حملة القصف التي تقودها السعودية في اليمن.
وتتضمن الحزمة المقترحة ما يصل إلى 6700 صاروخ صنعته شركة رايثيون ، بالإضافة إلى قطع غيار للدبابات وطائرات الهليكوبتر الأمريكية الصنع التي تمتلكها السعودية بالفعل، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ومع حصول السعودية على تلك الأسلحة، فإن التشكيك لا زال قائما باعتبارها مغذيا رئيسيا للحرب في اليمن، ويقول بيان صحفي لموقع منظمة أبحاث السياسة العامة المخصصة للحرية الفردية إن الحد من مبيعات الأسلحة كهذه من شأنه أن يقلل من مشاركة أمريكا في الحرب ويجبر المملكة العربية السعودية إما على إيجاد موردين آخرين أو إعادة التفكير في المسار الحالي للعمل.
لكن وفي نفس المستوى من الأهمية فقد سلطت الزيارة أيضا الضوء على الوضع الذي تعيشه اليمن، وكتبت هادية بكار مقالا في موقع (skidmorenews) سلطت فيه الضوء على أسباب تجاهل العالم لما يجري في اليمن.
وعلى نفس المنوال كتبت هيلين لاكنر، وهي كاتبة بريطانية عملت في جميع أنحاء اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي، وألفت كتاب بعنوان "اليمن في الأزمات": الأوتوقراطية والليبرالية الجديدة وتفكك الدولة" مقالا تحليليا عن الدور السعودي في اليمن، وأبانت فيه التطورات التي حصلت منذ العام 2011م حتى اليوم.