[ مستقبل تحالف صالح مع الحوثي على المحك ]
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد أن أطراف الأزمة اليمنية وافقوا على استئناف المفاوضات المباشرة بينهما، وذلك بعد مضي أربعة أشهر على فشل جولة المفاوضات الأولى، حيث وافقت السلطة الشرعية ممثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي على الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات، بعد أن أبلغت جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبولهما رسمياً تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، والذي يمهد لانسحاب الميليشيات الحوثية من المدن بما فيها صنعاء ويمهد كذلك للتفاوض حول الحل السلمي للأزمة.
في هذا السياق هناك من يرى أن نجاح الجولة القادمة من المفاوضات يصب مباشرة في صالح الحوثيين؛ حيث يعتبر تنفيذ القرار بمثابة «طوق النجاة» الذي سيمكنهم من تحقيق أهدافهم عبر التفاوض السياسي بعدما عجزوا عن تحقيقها عبر التمرد العسكري، ما يجعلنا نتساءل بشأن الدوافع وراء قبول الجماعة وصالح تنفيذ القرار المذكور في هذا التوقيت؟ وهل تعبر تلك الخطوة عن رغبة فعلية من جانب الحوثيين فى إنهاء الصراع مع السلطة الشرعية لاسيما بعد الانتصارات التي حققها التحالف العربي منذ تحرير عدن وما أعقبها من عمليات عسكرية ناجحة أسفرت عن تحرير مأرب ومضيق باب المندب وشبوه، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد مناورة جديدة هدفها التقاط الحوثيين لأنفاسهم بعد الهزائم المتكررة، وبعد أن بدأت فعلياً عملية الإعداد لتحرير صنعاء من قبل التحالف العربي؟ ويرتبط ذلك بتساؤل أوسع حول مستقبل الشراكة بين الحوثيين وبين حليفهم صالح في ظل هذه التطورات لاسيما بعد بروز الخلافات بينهم في الفترة الأخيرة؟
الدوافع والتوقيت
فوفقا لتطور الأحداث فإن قبول جماعة الحوثي و صالح الدخول في جولة المفاوضات في هذا التوقيت ربما يكون مدفوعاً بإنقاذ الجماعة وحلفائها من سلسلة الهزائم والانتقال إلى مرحلة جديدة تعيد فيها دراسة حسابات المكسب والخسارة، لاسيما وأن بشائر زحف المقاومة الشعبية المدعومة من قبل التحالف العربي نحو صنعاء بدأت تلوح في الأفق، ومن ثم تقلصت مطامح الجماعة وحليفها، وأصبح هدفها الحالي هو الحصول على شراكة في الحكم معترف بها دولياً بعد أن فشلت في الانفراد بالسلطة عبر التمرد العسكري، وبعد أن انشغل الداعم الإقليمي الإيراني بمتطلبات الاتفاق النووي. أضف إلى ذلك فإن دخول الجماعة وحليفها لمفاوضات جديدة يعني تحولها من جماعة متمردة من المفترض أن تحاسب وتعاقب على ما اقترفته من جرائم تجاه الدولة وتجاه اليمنيين إلى كيان رسمي مشارك على قدم المساواة مع السلطة الشرعية، أي ببساطة شديدة سيحصل الحوثيون -بموافقتهم الدخول في جولة جديدة من المفاوضات- على «حماية وحصانة» دولية وعلى جزء من أهدافهم التي تتجاوز المشاركة في الحكم إلى الافلات من العقاب أو على أقل تقدير ضمان الخروج الآمن لقادتها ومسؤوليها بضمانة دولية.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحوثيين ربما يكونون قد قرأوا التغييرات على أرض الصراع التي تسير لمصلحة الشرعية قراءة مغايرة مفادها أن ثمة متغيرات جديدة دخلت على معادلة الصراع بينهم وبين السلطة، وبالتالي ترى جماعة الحوثي أنها لن تستطيع مواصلة القتال في أكثر من جبهة، ومن ثم ومن وجهة نظرها فإن هذا التوقيت هو الأنسب للعودة إلى المفاوضات للبحث عن حل سياسي، هذا إضافة إلى نضوب الموارد المالية للحوثيين الذين أصبحوا غير قادرين على تحمل الأعباء المالية للمؤسسات الخاضعة لسيطرتهم، ولا على تحمل تكاليف المواجهة العسكرية مع الدولة والتحالف إلى ما لا نهاية.
الخلافات بين الحوثيين وصالح
في سياق التطورت الراهنة أخذت الخلافات بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح تتفاقم بشدة في الفترة الأخيرة، فقد بدأت أولى تلك الخلافات في الظهور للعلن خلال أغسطس الماضي، حيث وجهت قيادات بارزة في حزب المؤتمر الشعبي العام انتقادات لاذعة لجماعة الحوثيين الموالية لهم، واتهمتها بالفشل في إدارة المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرتها شمالاً، حيث تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين وتراجع الخدمات وانهيار البنية التحتية في ظل تراجع حاد فى الموارد المالية.
أما ثاني تلك الخلافات فجاءت في أعقاب إعلان الرئيس عبدربه منصور نهاية أغسطس الماضي عن مبادرة لايجاد حل سياسي للأزمة، وبناء عليه رأى عدد من أعضاء حزب المؤتمر ضرورة التعاطي الفعال مع المبادرة بهدف الافلات من سلسلة الهزائم التي يتعرض لها تحالفهم مع الحوثيين من قبل المقاومة الشعبية المدعومة من التحالف العربي، وهو طرح رفضه الحوثيون واختاروا حينها الاستمرار في المواجهات العسكرية، ما أعتبره المحللون تبايناً واضحاً بين الطرفين سيكون له تداعيات واضحة على موقفيهما من مسار تسوية الصراع. وثالث تلك الخلافات يتعلق بفقدان الحوثيين وقوات صالح لأهم وأخطر المربعات الأمنية بمحافظة تعز آواخر أغسطس؛ وهو المربع الذي يشتمل على معسكر الشرطة العسكرية ومقر إدارة أمن المحافظة ومبنى الحافظة وقصر صالح.
الأمر الذي أدى إلى استمرار التراجع العسكري في مواجهة المقاومة الشعبية وفقدان تلك المحافظة الاستراتيجية بأكملها، ما يعني اقتراب معركة تحرير صنعاء وهو ما دعم موقف حزب المؤتمر الداعي إلى وقف نزيف الخسائر المتتالية والقبول بخوض غمار الجولة الثانية من المفاوضات. أما رابع تلك الأسباب فيتعلق بحدوث انشقاقات داخل القوات العسكرية التابعة لعبدالله صالح خلال معارك مأرب والتحاقها بقوات المقاومة الشعبية والقوات التابعة للسلطة الشرعية، ما اعتبرته جماعة الحوثي تآمراً من جانب قوات صالح ضدها، الأمر الذي رفع من حدة التوتر داخل التحالف، إضافة إلى رفض عناصر من قوات الحرس الجمهوري الموالية لعبدالله صالح تنفيذ أي أوامر عسكرية تصدرها جماعة الحوثي أو المشاركة في أي عمليات يتم التخطيط لها وذلك منذ مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضى.
مستقبل الشراكة على المحك
الخلافات السابقة كانت لها تداعياتها على طبيعة التحالف بين الحوثيين وعبدالله صالح والتي من أهمها تعرض ذلك التحالف لتصدع محتمل وقريب لاسيما بعد دخول الخلاف بين الطرفين مرحلة الاغتيالات، وذلك على خلفية محاولة اغتيال أحد كوادر حزب المؤتمر التي نفذتها عناصر مسلحة تابعة للحوثيين في محافظة إب منتصف الشهر الجاري، وهي المحاولة التى أشار البعض إلى أنها جاءت تنفيذاً لتعليمات عبدالملك الحوثى لتابعيه بتصفية قيادات حزب المؤتمر حال اتجاهها لفك التحالف، أو المطالبة بإعادة تقييم نتائج المواجهات العسكرية الخاسرة التي دخلها التحالف مؤخرا، أو الاعتراض على ممارسات الميليشيات الحوثية. وهو ما دفع عناصر قيادية حزبية إلى السعي لإزاحة عبدالله صالح عن رئاسة الحزب وتكليف غيره بالمنصب مؤقتاً، بهدف إخراج الحزب من دائرة تحالفات صالح مع الحوثيين حفاظاً على أرثه التاريخي.
في المقابل هناك آراء ترى أن جماعة الحوثي - بإعلانها قبول الدخول فى جولة ثانية من المفاوضات مع السلطة الشرعية- تبعث برسالة للتحالف الدولي مفادها أنها على استعداد للتخلي عن شراكة عبدالله صالح وفقا لصفقة سياسية مع التحالف والسلطة تضمن بمقتضاها تمثيلاً مناسباً في الحكم في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع، وهو ما يعني إبقاءها مصير عبدالله صالح رهنا لمدى تقاربها من عدمه في وجهات النظر مع السلطة الشرعية خلال المفاوضات.
في سياق ذلك جاء طرح بعض الوسطاء الدوليين إخراج عبدالله صالح من اليمن خروجاً آمناً إلى جهة غير معلومة لتجنيب البلاد كوارث جديدة كسابقتها الناجمة عن منحه حصانة من المحاكمة بعد الثورة اليمنية ليضع علامات استفهام كبيرة بشأن ما تريده السعودية في المرحلة القادمة؛ فخروج الرجل لن يتم إلا بموافقتها لاسيما بعد زيارة رئيس الوزراء الاثيوبي للرياض مؤخرا طارحا إمكانية استقبال إثيوبيا للرئيس السابق كأحد المخارج للأزمة، وهو المطلب الذي قابلته الرياض بالرفض معلقة على ذلك بالقول إن مصير عبدالله صالح يحدده الشعب اليمني، ولم يقتصر الأمر على عبدالله صالح فقط، بل هناك من يطرح إبعاد قيادات جماعة الحوثي نفسها وعناصر لجانها الثورية؛ بهدف إفساح المجال أمام إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في اليمن حال التوصل لحل ينهي الصراع.
من كل ما تقدم يمكن القول إن الرئيس السابق عبدالله صالح باتت لديه الرغبة في «القفز من مركب الحوثي الغارقة»، والنجاة في الوقت نفسه من المساءلة القانونية والدولية بإعلانه قبول الدخول فى جولة ثانية من المفاوضات، بل والتخلي عن «شراكات المصلحة» التى جمعته بالحوثيين إذا ما رفضوا التوجه مجددا إلى المفاوضات، تفادياً لما ستفرضه تبعات الهزيمة من تداعيات باهظة التكاليف والتي تدل كافة مؤشرات الصراع على اقترابها.
*باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية