تٌوصف تهامة بـ"سلة غذاء اليمن"، لتنوع الموارد الغذائية الطبيعية في أراضيها الممتدة على الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر والتي تنعم بثروة بحرية وحيوانية وزراعية، جعلتها واحدة من أهم روافد الاقتصاد في اليمن.
 
ويعتبر الإنتاج الزراعي الحيواني أحد أبرز النشاطات الزراعية الهامة في تهامة، حيث يأتي في المرتبة الثانية بعد الإنتاج النباتي ويصل في المتوسط إلى (23.5%), وتضم تهامة نحو 40 بالمائة من المواشي باليمن.
 
 وارتفعت وتيرة تهريب المواشي إلى السعودية وباتت تشهد نشاطاً كبيراً في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد, حيث يقدر عدد ما يتم تهريبه يومياً من الأغنام والمواشي بنحو 1000 رأس، ما يشكل خطراً محدقاً بالثروة الحيوانية، وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني، وارتفاع أسعار اللحوم في السوق المحلية.
 
البداية
 
من أسواق الماشية بمحافظة الحديدة (غربي اليمن)، تبدأ الحكاية, حيث يقوم المهربون بشراء أجود أنواع المواشي من المزارعين بأسعار معقولة ثم تبدأ الرحلة على مرحلتين، الأولى انطلاقاً من تلك الأسواق الى أحواش واسعة في عدة قرى بمحافظة حجة لتجميع الأغنام المخصصة للتهريب, والثانية نقلها عبر شاحنات إلى محافظة صعدة الحدودية بهدف تهريبها عبر الحدود مشياً على الأقدام.
 
ونشطت عمليات تهريب المواشي عبر محافظة صعدة بسبب توقف نشاطات التهريب المختلفة في مديرية حرض الحدودية بمحافظة حجة التي تشهد معارك عنيفة، لتتحول إلى مهنة شائعة في أوساط سكان المديريات الحدودية بصعدة مع انتشار البطالة في قراهم وبلداتهم.
 
وتعد مديريتا منبة وقطابر الحدوديتان بمحافظة صعدة (شمالي اليمن) مركزين نشطين للتهريب بكافة أشكاله بما فيه تهريب المواشي لقربها من الأراضي السعودية وخلوها من المواجهات المسلحة الدائرة على الشريط الحدودي منذ أكثر من عامين بين جماعة الحوثي والقوات السعودية.
 
وشكلت تجارة المواشي المهربة من اليمن، منافسة قوية في الأسواق السعودية، نظراً للفارق الكبير في الجودة مع المواشي التي يتم استيرادها من دول أخرى حيث يسود اعتقاد لدى شريحة كبيرة من السعوديين أن اللحوم اليمنية أفضل من غيرها، وهو مايفسر الطلب المتزايد عليها في الأسواق السعودية من قبل الزبائن.
 
البطالة تنعش أعمال التهريب
 
تزايدت أعداد العاملين في تجارة وتهريب المواشي إلى السعودية خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، بعد أن زادت نسب البطالة والركود الاقتصادي الذي تسببت فيه الحرب، في أوساط الشباب الذين اتجهوا للعمل في هذا النشاط، بعد أن يتم استقطابهم من قبل كبار المهربين.
 
وقال محمد مبروك، وهو أحد العاملين بهذا المجال من سكان قرية آل ثابت بمديرية قطابر الحدودية بمحافظة صعدة، لـ"الموقع بوست"، إن تهريب المواشي تحول إلى مهنة في معظم أرياف المديريات الحدودية بمحافظة صعدة وذلك مع قلة فرص العمل الأخرى، فضلا عن المكاسب الكبيرة التي يجنيها منه المهربون وبمجهود عضلي يقل كثيرا عن باقي المهن.
 
وأوضح بأن العملية تجري بأساليب بسيطة عبر نقلها باستخدام السيارات إلى القرى المجاورة للحدود السعودية وهنا يقوم عدد من المهربين بسوق الماشية عبر دروب جبلية يحفظونها عن ظهر قلب عبر الحدود وصولاً إلى القرى السعودية حيث يستلمها مهرب آخر يضطلع بمهمة توزيعها للتجار السعوديين.
 
وقدّر مبروك الدخل الذي يؤمنه تهريب الماشية بحوالي 1000ريال سعودي، في الحملة الواحدة التي تتم في ساعات عمل لا تتجاوز ثلاث ساعات في يوم واحد، معترفًا بالخطورة المرافقة للعملية لاسيما التعرض لإطلاق الرصاص من قبل قوات حرس الحدود السعودي على الحدود أوالإعتقال ومصادرة الماشية عند ضبطها.
 
وبيّن أن أعداد المواشي المهربة في اليوم الواحد تتفاوت من حين لآخر, مشيرا إلى أن متوسط عدد الأغنام التي يتم تهريبها يقارب 500 رأس مقدرا عدد المواشي المهربة من قريته فقط خلال شهر ديسمبر الماضي، بنحو أربعة آلاف رأس من الأغنام.
 
من جانبه, يقول عبده مساوى (مهرب مواشي) من مديرية منبة الحدودية بصعدة، لـ"الموقع بوست" إنه عانى من البطالة ستة أشهر من دون مصدر رزق يعيل أسرته بعد موت والده فاتجه للعمل في تهريب الماشية رغم خطورته وتحول إلى مصدر رزقه الوحيد لافتاً إلى أنه نجح خلال الأسبوع الفائت بتهريب حوالي 100 رأس من الأغنام الى إحدى القرى السعودية الحدودية المجاورة.
 
ارتفاع الأسعار
 
 شهد قطاع الثروة الحيوانية ارتفاعاً كبيرا في الأسعار وصل إلى مستويات أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها جنونية فقد وصل سعر رأس من الغنم لأكثر من 50 ألف ريال يمني بعد أن كانت لا تتجاوز 30 ألف ريال في أحسن الأحوال قبل الحرب.
 
وإرتفعت أسعار اللحوم بمحافظة الحديدة بشكل ملحوظ رغم كونها أكبر محافظات اليمن إنتاجا للخراف والماعز، وعزا تجار المواشي ذلك إلى عمليات التهريب التي تنشط عبر الحدود اليمنية السعودية وارتفاع أسعار الأعلاف.
 
وقال الحاج حسن فتيني مربي أغنام من ريف الحديدة لـ"الموقع بوست" إن السبب المباشر لارتفاع أسعار اللحوم، يعود لقلة أعداد الخراف في السوق المحلية نتيجة تهريبها إلى السعودية إضافة إلى غلاء الأعلاف في الآونة الأخيرة وارتفاع أسعار أجور النقل.
 
وأضاف بأن المهربين يستغلون ظروف المربين في الأرياف وخوفهم على فقدان قطعانهم بسبب غلاء الأعلاف ويشترون منهم أغنامهم بأبخس الأثمان، في حين يقومون بييعها بأضعاف أسعارها في دول الجوار.
 
وأشار الى استفادة تجار التهريب من فارق أسعار اللحوم بين اليمن والسعودية فمتوسط سعر رأس الغنم في أسواق محافظة الحديدة يتراوح مابين الـ 40 الى 50 ألف ريال يمني للرأس الواحد في حين يصل سعره إلى 1000 ريال في الأسواق السعودية.
 
إهدار للثروة الحيوانية
 
ألحقت عمليات تهريب الأغنام الى السعودية خسائر كبيرة بالاقتصاد الوطني، ما أفقد القطيع أكثر من 50% من أعداده وانعكس سلباً على الأسواق المحلية، حيث وصل سعر الكيلو اللحم الغنمي إلى 3000 ريال في أسواق محافظة الحديدة ومحافظات أخرى.
 
وبات قطاع الثروة الحيوانية في اليمن في خطر نتيجة ما يتعرض له من استنزاف جائر جراء عمليات التهريب المستمرة ماشكل ضرراً بأعداد القطعان وأدى إلى تراجع كبير في الكميات المعروضة منها وارتفاع اسعارها في السوق المحلية.
 
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية حول الثروة الحيوانية في اليمن إلى أن عدد رؤوس الأبقار يبلغ 1.7 مليون، وعدد رؤوس الإبل 454 ألفاً، ورؤوس الضان 9.5 ملايين، والماعز 9.2 ملايين. وتصل كمية اللحوم الحمراء إلى 185.7 ألف طن وبقيمة 332.6 مليار ريال.