[ حرية الصحافة في عهد مليشيا الحوثي ]
يوما بعد آخر تظهر مليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء قدرا كبيرا من الوحشية والقمع إزاء الصحافة والصحفيين، مستخدمة في ذلك كل الأساليب والوسائل، لتحويل صنعاء إلى سجن كبير، وتتطور الإجراءات التي تمنع حرية الصحافة وتمنع أي صحافة تقول لا، فمن السجن والتعذيب إلى المحاكمات إلى الإخفاء إلى الترهيب إلى إصدار القوانين واللوائح الجديدة التي تمنع طبع أي صحيفة وتمنع إصدار أي موقع إلكتروني وما إلى تلك الإجراءات.
صنعاء بلا صحف معارضة
ويعرب صحافيون يمنيون عن أسفهم لما آل إليه واقع الصحف، ويقولون: يكفي التوقف أمام إحدى المكتبات لمعرفة مدى المحنة التي تمر بها الصحافة اليمنية، فمن بين أكثر من مئة صحيفة، يومية أو أسبوعية منتظمة، كانت وحتى قبل مقتل الرئيس السابق صالح، لم تعد تصدر في صنعاء مؤخرا سوى صحيفة يومية أهلية واحدة هي صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لنجل صالح المتحالف مع الحوثيين، وعدد قليل من الصحف الأسبوعية التابعة أو الموالية لجماعة الحوثيين، إلى جانب الصحف اليومية الحكومية التي يسيطر عليها الحوثيون أبرزها "يومية الثورة". واليوم وبعد مقتل صالح، صارت الصحافة بلون واحد، ولا صوت يعلو فوق صوت المليشيات، فوسائل إعلام حليفهم صالح، صارت تعبر عنهم.
مجزرة بحق الصحافة
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي: "مليشيات الحوثي كان ثاني عمل قامت به بعد السيطرة الفعلية على العاصمة صنعاء هي السيطرة على وسائل الإعلام حيث قامت في البداية بإحكام السيطرة على الإعلام الرسمي وانتقلت إلى الإعلام الخاص حيث قامت بحملة شرسة ضد الإعلام نهبت قنوات سهيل ويمن شباب والسعيدة وبلقيس وانتقلت للصحف المستقلة وكان لديها سلسلة من الصحف والمواقع عليها أن تنهبها وتسكت كل الأصوات لأنها تعرف أهمية الإعلام وتأثيره على المجتمع".
ويضيف الرحبي "انتقلت بعد ذلك مليشيات الحوثي إلى ترهيب كل صاحب صوت مرتفع ضدها ففتكت بجميع من يحمل أفكار غير أفكار عبد الملك الحوثي فلم يعد هناك يستطيع كتابة بوست في مواقع التواصل الاجتماعي لقد ارتكب الحوثيون مجزرة في حق الصحافة والإعلام ولم يعد هناك إلا صوتا واحدا وهو وصوت مليشيات عبد الملك وإيران حتى إعلام حليفهم السابق صالح قضوا عليه وأصبحت وسائل إعلام صالح تعمل تحت سيطرتهم ويقوموا بالنيل منه وشتمه بوسائل إعلامه. الحوثي ارتكب ما لم يرتكب أحد إلا جماعات العنف الأخرى وداعش وباقي الجماعات الإرهابية".
طابور خامس
لقد تعرضت الصحافة اليمنية للعديد من العواقب، هددت نزاهتها واستقلاليتها، وعرضت الصحفيين للمخاطر. وأعادت الحرب إلى الواجهة مصطلحات مثل الطابور الخامس، العملاء، الخونة والمرتزقة، وما إلى ذلك من المصطلحات. ولم ينج من ذلك التصنيف الأحزاب والسياسيين والصحافة والصحفيين، والناشطين السياسيين والحقوقيين.
قوانين قمعية ولوائح جديدة
يقول الصحفي نبيل الاسيدي، وكيل نقابة الصحفيين "لم تتوقف الانتهاكات عند حد الاعتداءات، والقتل، والمصادرة والحجب، والتهديد والإيقاف، والتعذيب والاختطافات بل وصل مستوى إصدار لوائح قمعية من وزارة الإعلام التابعة لجماعة الحوثي التي أصدرت لائحتين خاصة بالإعلام المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني تفتقد للمسوغ القانوني والدستوري وتتضمن نصوصا قمعية على وسائل الإعلام والصحفيين، ناهيك عن تعميم للمطابع بمنع طباعة الصحف أو المنشورات إلا بالرجوع لوزارة الإعلام".
ويشير الاسيدي في حديثه لـ "الموقع بوست" بأن نقابة الصحفيين اليمنيين وفي تقريرها السنوي الخاص بوضع الحريات الصحافية في اليمن للعام 2017 رصدت 300 حالة انتهاك منذ مطلع العام 2017 طالت صحفيين ومصورين وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية ومقار إعلامية وممتلكات صحفيين.
بالأرقام مليشيا الحوثي متورطة
ويقول الأسيدي، وبناء على تقرير النقابة "تورطت جماعة الحوثي بـ 204 حالة انتهاك بنسبة 68% من إجمالي الانتهاكات فيما ارتكب جهات حكومية تتبع حكومة الشرعية 54حالة انتهاك بنسبة 18% وارتكب مجهولون 28 حالة بنسبة 9%، والتحالف العربي 8 حالات بنسبة 3%، يليه الحراك الجنوبي بثلاث حالات بنسبة 1%، وأنصار الشريعة بحالتين بنسبة 1% ونشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي بحالة واحدة بنسبة 0%".
ويضيف الأسيدي بأنه وحسب تقرير نقابة الصحفيين، فقد تنوعت الانتهاكات بين الاختطافات والاعتقالات بـ 103 حالة بنسبة 34% من إجمالي الانتهاكات، و37 حالة حجب للمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 12%، ثم الاعتداءات بـ34 حالة بنسبة 11% ، والتهديدات وحملات التحريض بـ31 حالة بنسبة 10%، يليها الشروع بالقتل بـ 29 حالة بنسبة 10%، ثم المصادرة والنهب لممتلكات الصحفيين ووسائل الإعلام بـ 17 حالة بنسبة 6%، و11 حالة محاكمة بنسبة 4%، و11 حالة تعذيب لصحفيين في المعتقلات بنسبة 4%، و8 حالات إيقاف رواتب وإيقاف عن العمل طالت مئات الصحفيين ، و8 حالات منع عن التغطية ومنع عن الزيارة بنسبة 3%، و 5 حالات إيقاف لوسائل إعلام بنسبة 2%، و3 حالات قتل بنسبة 1%، و3 حالات إصدار لوائح وتعميمات قمعية بنسبة 1%.
وزير إعلام مستعار
المثير للسخرية وبشكل كبير، ربما هو ذاك الحديث الذي جاء على لسان وزير إعلام حكومة الانقلاب الجديد عبد السلام جابر، والذي يقول في حوار صحافي له، بعد التعيين: "نحن في صنعاء نرحب بعودة الصحفيين لممارسة أعمالهم وإعادة إصدارات الصحف، وسوف يلاقون كل الاهتمام والرعاية أسوة بزملائهم الآخرين، المشكلة الحقيقية التي يجب أن تطرح هي أنها أغلقت أبوابها ومقراتها في صنعاء وذهبت إلى الخارج، ويطرحون تلك القضايا للمزايدة، لأنهم لا يستطيعون العودة بسبب مواقفهم من العدوان، أما الصحف الموجودة والقائمة هنا في صنعاء، فهي تصدر بشكل طبيعي وتراعي الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد من عدوان غاشم وضرورة تماسك الجبهة الداخلية".
يدرك الكثير من الصحفيين، والعالم بأن صنعاء بلا حرية صحافة، وأن كلام مثل هذا يطرح، من قبل وزير في حكومة غير معترف بها، ووزير بلا وزارة وبلا إعلام، لا يختلف تماما عن حديث أي مشرف في مليشيات الانقلاب، بحسب تعبير أحد الصحفيين لـ "الموقع بوست" ولا يعبر عن حديث زميل صحفي.
تصفية الشهود
يقول الناشط اليمني، محمد المقبلي، في حديثه لـ "الموقع بوست": " الانقلاب يركز بدرجة أساسية ويوجه قمعه صوب الصحف المعارضة لأغراض عديدة من بينها تصفية الشهود من مسرح الجريمة والجريمة السياسية المتمثلة بالانقلاب أم الجرائم باعتبارها المدخل الأساسي للانقضاض على الحرية وفي مقدمة ذلك حرية الصحافة وحرية التعبير".
ومن جهته يقول، الصحفي والناشط اليمني، ياسين العقلاني، لـ "الموقع بوست": "صنعاء تحولت إلى سجن كبير بفعل قبضة الحوثيين الذين شرعوا من اليوم الأول لسيطرتهم على إغلاق وسائل الإعلام واعتقال الصحفيين، وهذا أمر طبيعي كونها مليشيا إرهابية لا تؤمن بحرية التعبير مثلها كأي جماعة عقائدية تتخذ من القوة الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحكم".