[ الرئيس هادي مع ولي العهد السعودي ]
أعادت التطورات التي عصفت بالمنطقة عقب اطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي على العاصمة السعودية الرياض مطلع هذا الاسبوع الحكومة الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي الى الواجهة مجددا، منذرة بمجموعة من التحولات التي قد تطرأ على مستوى التحالفات والمعركة القادمة.
واتخذت المملكة العربية السعودية العديد من الاجراءات في وجه جماعة الحوثي في محاولة لردعها، وذلك بعد أربع سنوات من الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن تحت مبرر إعادة الشرعية اليمنية.
وبلغت تلك الاجراءات ذروتها في اعلان قائمة تضم 40 من قيادات الجماعة كمتهمين بالإرهاب والولاء لإيران، فيما أغلقت الريال بشكل مؤقت – وفق زعمها- المنافذ البحرية والبرية والجوية مع اليمن.
تشير التطورات الى أن الرياض تسعى في الوقت الراهن لكسب معركة عسكرية ضد الحوثيين، مستفيدة من تأييد دولي واسع باعتبار أن ما تتعرض له يعد عدوانا عسكريا مباشرا وفقا لتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفي مقدمة المؤيدين بالطبع الولايات المتحدة الامريكية التي انتقدت ايران في هذا الصدد.
بالطبع لا يمكن فصل المعركة بين الحوثيين والسعودية عن المعركة الواسعة التي تقودها الرياض مع طهران، ولذلك كان التصعيد الاعلامي والسياسي واضحا عقب إطلاق الصاروخ، فالرياض اتهمت طهران بمد الحوثيين بذلك النوع من الصواريخ، وردت طهران بنفي التهمة، واتهام الرياض بزعزعة أمن المنطقة.
وبعيدا عن طبيعة التحالف الذي ستلجأ له الرياض اقليميا لمواجهة طهران، فتبقى المعركة الأهم هنا هي التحولات التي يمكن لها أن تطرأ على مستوى الملف اليمني، بشقيه جماعة الحوثي، والحكومة الشرعية التي يرأس نظامها الرئيس عبدربه منصور هادي.
ما أسفرت عنه تحركات الرياض مؤخرا – حتى اللحظة – يشير الى بدء وضع جديد تتشكل ملامحه، فالصاروخ الذي وصل أكبر مطاراتها وعاصمتها السياسية يشكل اليوم لها تحديا جديدا، تحاول الرياض الخروج منه بانتصار عسكري أو سياسي في حده الأدنى، واذا ما تهاونت جراء ذلك، فسيشجع ذلك الحوثيين لتكرار العملية، وستظهر المملكة في حالة من الضعف والانكسار، أمام مواطنيها والعالم ايضا.
تبعا لهذه المعطيات فمن المرجح أن تدخل مواجهة الرياض للحوثيين مرحلة أكثر حدية، وستحاول السعودية السعي الى تفكيك الجبهة المؤيدة للحوثي خاصة تحالفه مع حزب المؤتمر الشعبي العام، كي يتسنى لها تجريده وعزله وتضييق الخناق عليه، حتى يسهل تطويقه، والقضاء على التهديدات التي يمثلها بالنسبة للسعودية، وربما كان خلو قائمة الشخصيات التي حددتها الرياض كمطلوبين من القيادات العسكرية والسياسية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح جاءت في هذا السياق.
ولذلك سيكون أمام حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء فرصة جديدة للتفلت من تحالفه مع الحوثيين، وهذا الأمر مرتبط أولا بمدى جدية الحزب وقدرته على ذلك، ومدى المساعدة السعودية له في هذا الجانب، ومدى جدية السعودية نفسها في مواجهة التهديد الحوثي.
في حال قرار السعودية خوض غمار المواجهة الجاد مع الحوثيين، فإن ذلك سيتعين ايضا عليها اتخاذ مجموعة من الاجراءات التي تمهد لها الطريق لتحقيق نجاح في هذا المضمار، فإضافة الى الحديث السالف عن فض التحالف بين صالح والحوثيين، سيكون هناك شقا أخرا يتمثل بمسارين.
الأول الاعداد العسكري لمعركة فاصلة في جبهات التماس، وهي الجبهات التي تخوض معارك عسكرية متواصلة ممثلة بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية في ميدي وتعز ومأرب والجوف وغيرها، وذلك عبر دعم جبهات القتال وتوحيدها في اتجاه معركة عسكرية مع الحوثيين واضعافه عسكريا، تفضي الى تحقيق اختراق عسكري ميداني مؤثر، كتحرير محافظة تعز، أو التقدم صوب العاصمة صنعاء من جبهتي نهم وصرواح، أو السيطرة على ميناء الحديدة مثلا والتوغل في الساحل الغربي لليمن.
المسار الثاني يتمثل في إعادة تنشيط العلاقة مع الحكومة الشرعية ومكوناتها، وإعادة الاعتبار لها لتتصدر المواجهة سياسيا، ومساعدتها في تثبيت أقدامها على الأرض لتقديم نموذج إيجابي، مغاير لما انطبعت عليه الصورة في المناطق المحررة كعدن.
والى جانب ذلك يتطلب الأمر تعزيز قدرة الحكومة، وإتاحة الفرص للرئيس هادي في التحرك والعودة الى محافظة عدن ليدير مسؤوليته بكل اقتدار، وتمكين الحكومة من أداء مهمتها، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة،
فالتجييش الذي تقوده السعودية حاليا ضد الحوثي من شأنه أن يعيد الحياة للحكومة الشرعية ومكوناتها، ويضعها في الصدارة مرة أخرى لتمثل رأس الحربة في مواجهة الحوثي ومشروعه داخل اليمن، وربما انتبهت السعودية لهذا الامر، وجاء لقاء الرئيس هادي بولي العهد السعودي ترجمة لهذا التوجه.
غير أن الأمر الذي يبدو في غاية الأهمية هنا يتعلق بمدى قدرة السعودية على تهيئة الأجواء في اليمن أمام الحكومة الشرعية، وبالذات في مدينة عدن التي تُحكم بقبضة عسكرية شديدة من الامارات العربية المتحدة وحلفائها هناك، وتمارس نهجا يهدف للإطاحة بالرئيس هادي والحكومة اليمنية، ويستهدف أهم فصيل سياسي مؤيد للسعودية وهو حزب التجمع اليمني للإصلاح.
فهل ستنجح المملكة بإقناع حلفائها الإماراتيين بالتوقف عن هذا النهج؟ وهل ستستجيب أبوظبي لذلك؟ وتتخلى عن السير في تحقيق أهدافها، خاصة موقفها من حزب الإصلاح الذي يمثل ذراعا بشرية وعسكرية وسياسية بالنسبة للرياض.
سيكون على المملكة العربية السعودية أن تواجه تركة ثقيلة خلفتها حرب ثلاث سنوات في اليمن، وأثرت في صورة المملكة الذهنية لدى اليمنيين، بسبب عدم القدرة على الحسم العسكري مع الانقلابيين، والتشوهات التي طالت اليمن كأعمال الوصاية التي تمارسها الامارات في عدن والمحافظات الجنوبية والساحل الغربي وسقطرة، وهو ما أدى الى ميلاد تيار جديد من اليمنيين الذين باتوا يشعرون أن تدخل التحالف العربي في اليمن فاقم مأساة بلادهم، ولم يقدم شيئا لإنقاذ اليمن، بل ضاعف من كوارثها.
وبجانب هذا التأثير على المستوى المحلي اليمني والسعودي، سيتعين على السعودية إيجاد آليات بديلة تمكنها من التعامل بشكل مختلف مع الحوثيين، ولا يستبعد البعض هنا صدور قرارات أممية جديدة تهيئ الوضع للمملكة لإدارة المعركة مع الحوثيين، وتوفر لها الغطاء القانوني المناسب.