[ دخل إضراب المعلمين بصنعاء أسبوعه الثالث ]
دخل إضراب المعلمين بصنعاء أسبوعه الثالث، بعد اعتقاد مليشيا الحوثي أنهم سيستجيبون لدعوتها التي طالبت من خلالها المعلمين بالعودة إلى ممارسة عملهم في المدارس.
محمد الفضلي، مدير مكتب التربية بالعاصمة صنعاء، وجه رسالة إلى المعلمين أكد فيها بأن أزمة الرواتب على وشك الانتهاء، وقال بأنه عقد اجتماعا عصر الثلاثاء الماضي برئاسة رئيس مجلس النواب يحيى الراعي، وبحضور النائب عبد السلام هشول، واللواء جلال الرويشان نائب رئيس الوزراء، ووزير المالية صالح شعبان ووزير التجارة عبده بشر في حكومة الانقلابيين.
وأوضح مدير مكتب التربية بأمانة العاصمة انه تم الاتفاق خلال الاجتماع على صرف نصف راتب نقدا والنصف الآخر بطائق تموينية بشكل شهري لكل من هو متواجد بعمله ويؤدي واجبه من التربويين والتربويات، إلى جانب تولي وزارة التجارة مسؤولية الترتيب والتعاقد مع التجار لتوفير البطائق السلعية.
وفي حين قال الفضلي إن وزير التجارة وعد بمعالجة كل الأخطاء والتجاوزات التي رافقت البطائق السلعية في المرحلة السابقة، أشار إلى أنه تم الاتفاق عل فتح جميع المدارس أبوابها، ولتبدأ الدراسة ابتداءً من يوم الأحد الموافق 15 أكتوبر 2017، ويعود كل المعلمين والمعلمات إلى مدارسهم ومباشرة التدريس، وانتظام العام الدراسي بكل جد وإخلاص، حسب تعبيره.
النقابة ترفض وتؤكد التصعيد
بعد أن كانت قد وافقت مبدئياً لضغوطات رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى صالح الصماد ووساطات يحيى الراعي، ووعودهم بصرف نصف راتب للمعلمين، أعلنت النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية بصنعاء، السبت الماضي، استمرار إضراب المعلمين في ظل تعسفات وتهديدات الحوثيين التي تطال المعلمين نتيجة مطالبتهم برواتبهم، وملاحقة كل القيادات التربوية التي تنادي باستمرار الإضراب وصرف الرواتب، وعلى رأسها القيادي المؤتمري خالد الأشبط رئيس منطقة معين التعليمية بصنعاء.
وعبّر محمد حنظل رئيس النقابة العامة للمهن التعليمية والتربوية الأمين المساعد لاتحاد المعلمين العرب، عن اسفه للتصعيد الذي يستهدف التربويين والتربويات بالاعتداءات والاعتقالات والإساءات والتهديدات والإجراءات التعسفية وحملات التحريض ضد التربويين عبر وسائل الإعلام والتواصل، مؤكدا أن كل هذه التصعيدات لا تخدم التربية ولا تقيد الطلاب ولا تحل مشكلة، بل تزيدها تعقيدا، وتنسف كل الجهود والتفاهمات التي تبذلها القيادات السياسية والتربوية والنقابية لإيجاد معالجات لمشاكل التربية والتربويين.
وأكد رئيس النقابة العامة أنّ النقابة العامة للمهن التعليمية، متمسكة بالبيان الصادر في 27 يوليو 2017، الذي ينص على أن صرف الراتب هو البيان الوحيد لتعليق أو رفع الإضراب ولا شيء غيره، وأن على الحكومة والمجلس السياسي أن يتحملوا مسؤولياتهم، ويبحثوا عن حلول للمشكلة، وأن يلجموا من يحاول تصعيدها بالاعتداءات والتهديدات والإساءات والاستفزازات للتربويين والتربويات.
الإضراب واقع
أمام مدرسة بغداد التقى "الموقع بوست" العديد من الطلاب الذين حضروا إلى المدرسة، والذين أكدوا بأن مدرستهم فتحت أبوابها، وحضر قلة من الطلاب، في حين المعلمين لم يحظروا إطلاقا، ومن حضر ربما لم يتجاوزوا أربعة مدرسين، والأربعة المعلمين بالتأكيد هم ممن يعملون مع المليشيات أو ممن استقطبتهم ولهم مصالح معها ربما.
الطالب م. س. ف، قال لـ"الموقع بوست": "أدرس في مدرسة بغداد في الصف الخامس، وتقريبا حضرت إلى المدرسة أنا وتسعة طلاب من أصل مائة طالب يدرسون معنا في الفصل، جلسنا نلعب إلى الساعة 11 ورجعنا من المدرسة بدون دراسة".
وأضاف الطالب "تقريبا قليل من المدارس التي لاحظنا أنها فتحت اليوم ولكنه لم يتم فيها أي تدريس كما هو في مدرستنا بغداد، وكثير هي المدارس التي لم تفتح، أعرف أصحاب كثيرين لي في حارتنا وبجوار حارتنا قالوا إنهم ما ذهبوا إلى المدرسة".
لا تراجع عن التصعيد
يجمع يمنيون كثيرون على أن أعظم عمل مدني عاشته صنعاء، من بعد عاصفة الحزم على الأقل، هو رابطة أمهات المختطفين، وحراك المعلمات في صنعاء، ويعتبر نواة لحركة اجتماعية واسعة، استطاعت أن تقاوم عملية الإغلاق القسري التي حاولت مليشيا الانقلاب أن تفرضها حول صنعاء.
المعلمات اللاتي ضاق بهن الحال نتيجة انقطاع الراتب لعام كامل، كسرن حاجز الخوف، وكسرن حاجز الصمت، ليخرجن في مسيرة حاشدة استطاعت العبور عبر شوارع العاصمة حتى وصلت إلى أمام مبنى أمانة العاصمة في ميدان التحرير.
مشهد وصفه الكثيرون بالشجاع، أعاد الأمل لكثير من الناس الذين كانوا يعتقدون بأن مليشيات الحوثي ستتمكن من مواصلة تكميم الأفواه وإخضاع الناس لسلوكها وتصرفاتها التي بلغت ذروتها وكادت أن تقتلهم وتقتل أبناءهم.
المعلمات رفعن الشعارات واللافتات اللاتي تدعو إلى سرعة تسليم رواتب عام كامل لجميع المعلمين والمعلمات، ما لم فإن التصعيد سيكون هو السبيل. خطوة قال عنها كثيرون قد تكون بداية لانتفاضة شعبية قادمة غير مستبعدة خصوصا في حال استمرت سلطات الحوثي وصالح في إصرارها على قطع الراتب وعدم إيجاد الحلول.
المعلمة خولة رزاز، وهي ممن خرجن في تظاهرات الأسبوع الماضي، قالت لـ"الموقع بوست": "لم يعد لدينا ما نخسره بعد أن أصبحنا بدون راتب لمدة عام، وبعد أن كاد الجوع يفتك بنا، فالقمع الذي يهددنا به الحوثي لا يخيفنا، وقراراته التي يقول إنه سيلجأ إلى اتخاذها وتتضمن استبدال وفصل للمعلمين واستبدالهم بمعلمين آخرين أيضا إجراءات لا تخيفنا ولن تجعلنا نركع أو نخضع".
وأضافت "هنا تنسيق مستمر ومتواصل بين المعلمين والمعلمات، وهناك قنوات تواصل واسعة، ليس على مدار اليوم فقط بل على مدار الساعة، والجميع يؤكد استمرار التصعيد وعدم الخضوع أو القبول بأي حلول ترقيعية".
من جهتها، تقول فاطمة سعيد لـ"الموقع بوست": "هل يعتقد الحوثي بأننا أغبياء إلى هذه الدرجة عندما يقول لنا بأن لا موارد ولا إمكانبات وإن عبدربه منصور هادي هو من يتحمل مسؤولية دفع رواتبنا، نحن لسنا اغبياء ولسنا بعيدين عن الواقع أو ممن أولئك الذين يسكنون الجبال والكهوف حتى يضلل علينا الحقائق، فنحن نعلم تماما حجم المليارات والملايين التي يقومون بجنيها في صنعاء ومن الحديدة ومن منافذ أخرى كثيرة، ولهذا نحن نؤكد التصعيد ونؤكد أن الحياة واحدة والموت مرة وليس ألف مرة".
التعليم ساحة ساخنة بين طرفين
وكما هو واضح، ويبدو جزء من المشهد، وجزء من المشكلة، هو أن العملية التعليمية تحولت إلى ساحة حرب، وأزمة مفتوحة بين طرفي الانقلاب في العاصمة صنعاء، ممثلة بمليشيا الحوثي، وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وارتفعت وتيرة الخلاف بين الجانبين مؤخرا، ووصلت مرحلة كسر العظم، استخدم خلالها كل طرف الأوراق التي بيده لتحقيق النصر على الطرف الآخر.
ونظم المعلمون العديد من الوقفات الاحتجاجية في العاصمة صنعاء للمطالبة برواتبهم، متهمين جماعة الحوثي بالاستحواذ عليها، ومنع صرفها لأكثر من سبعة أشهر.
تغييرات تطال قيادات مؤتمرية
اتخذ الحوثيون العديد من الإجراءات، على خلفية ما اعتبروها تحركات يقوم بها المؤتمر، متهمين جماعات صالح بالوقوف وراء هذا التصعيد الحاصل في قطاع التعليم، وفي تحريك الشارع والمسيرات الاحتجاجية.
حيث استبدل الحوثيون خالد الأشبط، مدير التربية بمنطقة معين التابعة لأمانة العاصمة صنعاء، بشخص من أتباعهم بعد شد وجذب خلال الأيام الماضية، والأشبط معروف بانتمائه لحزب المؤتمر الشعبي العام ويعمل مدير تربية منذ سنوات طويلة.
تهمة الأشبط من قبل الحوثيين، هي أنه يتبع صالح، ونشر ناشطون حوثيون صورا له مع صالح لتأكيد تبعيته، وجاء حديثه في الفيديو المسرب وهو ينتقد الحوثيين ليزيد الطين بلة ويعزز مساعي الحوثيين لاستبداله.
إضراب المعلمين بأمانة العاصمة كان أيضا دافعا لاستبداله، إذ يتهمه الحوثيون بتحريض المعلمين على الإضراب في المدارس، وخلق أزمة معهم، مما يشير إلى تحول التربية والتعليم إلى صراع بارد بين شركاء الانقلاب في العاصمة صنعاء.
بالطبع يستقوي الأشبط ومن خلفه بحزب المؤتمر، فيما يستقوي الحوثيون بقوة مليشياتهم واستحواذهم على وزارة التربية والتعليم التي يديرها شقيق زعيم الحوثيين يحي بدر الدين الحوثي، والتي تحولت مؤخرا إلى مصنع لإنتاج الفكر الطائفي السلالي في أوساط طلاب المدارس، ووسيلة من وسائل الحوثيين لتسميم الجيل الناشئ والشباب، بل واعتبارها منبعا لاستقطاب الطلاب وحشدهم نحو جبهات القتال.
وهذا الصراع، وفق متابعين، يذكر بالتهمة التقليدية التي كان يسوقها حزب المؤتمر في حق خصومه الذين اتهمهم بالإقصاء خاصة في وزارة التربية والتعليم حين كانت من نصيب حزب الإصلاح لبصع سنوات.
بينما مارس المؤتمر نفسه الإقصاء المستمر في وزارة التربية وغيرها، مستغلا قبضته الشديدة على الدولة ومؤسساتها حتى أصبحت غالبية المناصب الحكومية تسند على أساس حزبي وليس وفق معايير المهنية والكفاءة.
وامتدت إساءة المؤتمر للتعليم، لتشمل تفريخ النقابات التعليمية واستنساخها، وتلغيم الواقع التعليمي الهش، حتى شهدنا مخرجات ضعيفة، ونزيف مستمر للطلاب، وعزوفهم عن العملية التعليمية برمتها.
وفقا لمراقبين، فلا خلاف بأن بقاء الأشبط هو أفضل من خلفه الغارق بالفكر السلالي والمذهبي البغيض، وهذا الوضع يقودنا إلى الاستنتاج بأن غياب فكر الدولة، وتمتينها في عهد صالح، كان أحد الأسباب التي قادت إلى الوضع الذي نحن عليه اليوم، والنتيجة هي تكرار نفس الممارسات التي مارسها صالح وحزبه بحق خصومه السياسيين سابقا أصبحت تمارس عليه حاليا ومن قبل جماعة تعمل خارج سياق التاريخ.