تحل الذكرى الـ54 لثورة 14 أكتوبر 1963 هذا العام في ظل توتر غير مسبوق تشهده العاصمة المؤقتة عدن، ابتداءً بعودة مسلسل الاغتيالات، ووصولاً إلى حملة الاعتقالات التي تشنها القوات الأمنية والمعروفة بولائها لدولة الإمارات بحق قيادات وأفراد حزب الإصلاح، وانتهاءً بالانقسام الذي طغى على فعاليات الحراك الجنوبي الانفصالي الاحتفالية بذكرى ثورة 14 أكتوبر، في مشهد يوضح مدى التعقيد الذي يشهده مسرح الأحداث في عدن.
 
وتأتي كل تلك الأحداث دون أن يكون للحكومة الشرعية أي دور يُذكر، عدا بعض التصريحات التي تتحدث عن حل القوات الأمنية المناطقية في عدن وحضرموت، ومضيها نحو اليمن الاتحادي، لكن مجمل الأحداث التي تشهدها العاصمة المؤقتة، تشير إلى أن الوضع يسير نحو مزيدٍ من التقسيم والفوضى، فيما يبرز الدور الإماراتي كصاحب اليد الطولى لما يحدث.
 
اغتيال العدني يشعل الفتيل
 
كان مساء يوم الثلاثاء الفائت، 10 أكتوبر/ تشرين الأول، موعداً لاغتيال إمام وخطيب مسجد الشيخ زايد بالمنصورة، الشيخ ياسين الحوشبي، وهو أحد الشخصيات السلفية البارزة في عدن، والمقربة من وزير الدولة المقال هاني بن بريك.
 
كان الحوشبي -وهو شيخ علم له العديد من الإسهامات في رفد الحركة السلفية- أحد الخطباء الذين تم فرضهم على مساجد عدن التي طُرد منها أئمتها وخطباؤها الأصليون خلال العام 2016، بأمر من مدير الأوقاف بعدن محمد الوالي، ودعم من قوات الحزام الأمني، حيث كانت تتدخل لتثبيت المعينين الجدد، وتهديد من تم إقالتهم، بل وصل بها الأمر إلى اعتقالهم.
 
ولم تمر قضية اغتيال الحوشبي مرور الكرام كسابقاتها، فقد سبق وأن اغتيل ثلاثة من المشائخ والدعاة، بينهم عبدالرحمن العدني المسؤول عن مركز الفيوش بلحج، لكنها لم تكن قد استدعت قيام القوات الأمنية بشن حملة مداهمات لمشتبه بهم، كما قامت به عقب اغتيال الحوشبي.
 
وأعقب عملية اغتيال الحوشبي، حملة تحريض شرسة، تبنتها وسائل إعلامية محلية -ممولة إماراتيا- بحق حزب الإصلاح، متهمين إياه بتنفيذ عمليات الاغتيال والتي كان آخرها اغتيال الحوشبي، ترافق ذلك مع حملة أخرى شنها الدعاة السلفيون عبر منابر المساجد بحق من أسموهم بخوارج العصر، متهمين حزب الإصلاح بتبني أفكار تكفيرية تسعى لنشر الإرهاب بين المسلمين.
 
وتوازت تلك الحملة مع حملة أخرى تتفق معها بالمضمون، فقد بدأت القوات الأمنية بشن حملة دهم على منازل قيادات في حزب الإصلاح واقتحام مقراته، عقب ساعات فقط من اغتيال الشيخ الحوشبي، لتخلق بذلك حالة جديدة من التوتر في أرجاء مدينة عدن، فلأول مرة تكون الأحزاب السياسية هدفا للقوات الأمنية، دون أي مسوغ قضائي.
 
وتداول ناشطون مقاطع صوتية لدعاة سلفيين، لم يتوانوا عن التحريض على حزب الإصلاح، في محاضراتهم وحتى خطبهم، وكان أبرزهم نصر القعيطي خطيب مسجد شيخان بمديرية دارسعد، والذي دعا لقتال حزب الإصلاح واصفا إياهم بالخوارج المفسدين، تزامن ذلك مع تصريحات مرئية أخرى، تحدث من خلالها مدير أمن عدن اللواء شلال شائع، وقائد لواء الحزام الأمني منير اليافعي، عن نيتهم لإغلاق مقرات حزب الإصلاح، متهمين إياه بالإرهاب.
 
الإصلاح في الواجهة
 
كان فجر الأربعاء، 11 أكتوبر/ تشرين الأول، موعداً لانطلاق حملة يقودها فريق مكافحة الإرهاب التابع لإدارة أمن عدن، بحق عشرة من قيادات وأعضاء حزب الإصلاح منهم الأمين العام المساعد محمد عبدالملك، فقد تمت مداهمة منازلهم واعتقالهم، في الوقت الذي توجهت قوة أمنية أخرى لاقتحام مقر الحزب بمنطقة القلوعة، وعبثت بمحتوياته ومن ثم إغلاقه.
 
حتى يوم أمس الجمعة، 13 أكتوبر/ تشرين الأول، تواصلت الحملة على حزب الإصلاح وقياداته، فقد تم اقتحام مقره الرئيسي بمديرية كريتر وإحراقه، وتوفي إثر ذلك ثلاثة من أفراد الحزام الأمني المشاركين في الاقتحام، نتيجة وصول الحريق إليهم، بينما باشرت قوات أخرى حملة دهم على منزلي القيادييْن في الحزب: خالد حيدان وهو رئيس الدائرة الإعلامية، وياسر مغلس مدير فرع بنك سبأ الإسلامي بعدن، إلا أنهما لم يكونا موجودين في منزليهما.
 
منزل رئيس الدائرة الاعلامية للحزب لم ينجُ من تلك الحملة بالرغم من مغادرة صاحبه للمنزل، فقد اقتحم مسلحون مجهولون ويرتدون بزات أمنية، منزل خالد حيدان حوالي الساعة الثامنة من مساء أمس الجمعة، وعبثوا بمحتوياته، ومن ثم الانسحاب.
 
واعتبر مراقبون ما حدث بأنه تطور ملفت، ويهدد أمن واستقرار عاصمة البلاد المؤقتة، فضلا عن كونه يمهد لتجريف سياسي من شأنه إدخال المدينة في حالة من الفوضى الخلاقة.
 
انقسام فعاليات الحراك
 
للمرة الثانية على التوالي، تفشل فصائل الحراك الجنوبي في توحيد فعالية احتفالية، فقد تم تجهيز ساحتين اثنتين بدلا من واحدة لإقامة فعالية الاحتفاء بذكرى ثورة 14 أكتوبر.
 
ويتخذ ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يرأسه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، من الشارع الرئيسي بالمعلا مكانا لفعاليته، والتي بدأ المئات بالتوافد إليها منذ صباح أمس الجمعة، في حين تتخذ فصائل أخرى في الحراك الجنوبي من ساحة العروض بخورمكسر مكانا لفعاليتها.
 
وتُرجع فصائل الحراك التي اتخذت من ساحة العروض مسرحا لفعاليتها، امتناعها عن المشاركة ضمن فعالية المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى كون الدور الإماراتي والذي بات وصياً على المحافظات الجنوبية، وأشبه ما يكون بالاحتلال، يعد المحرك الأول والداعم للمجلس الانتقالي الذي يرأسه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي.