[ في ذكرى ثورة أكتوبر ضد الإنجليز يعاني اليمنييون من وصاية إقليمية جديدة ]
بعد مرور 54 عاما على قيام ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، التي تخلص من خلالها اليمنيون من الاستعمار البريطاني، لم يكونوا يتوقعوا أن يتحدثوا اليوم عن احتلال جديد تتعرض له البلاد ثانية.
طوال فترة احتلال بريطانيا لليمن الجنوبي التي بلغت 128 عاما، في الفترة الممتدة من (19 يناير/كانون الثاني 1839 وحتى جلاء آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967)، كانت السلطنات والمستعمرات اليمنية في الجنوب تحت وصاية لندن.
تشابه الواقع اليوم مع الأمس، بعد أن وقعت العاصمة المؤقتة عدن مجددا تحت وصاية غير مُعلنة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة التي تُعد ثاني قوة في التحالف العربي الذي جاء لإنقاذ الشرعية في اليمن.
وتحل ذكرى ثورة أكتوبر/تشرين الأول في ظل انقسام ملحوظ لليمنيين، ومطالب لبعض الانفصاليين في الجنوب بالانفصال، وكذا حرب وتضييق كبير على الشرعية في الجنوب، وتلغيم مستقبل البلاد عبر جماعات مختلفة تُدين بالولاء لدولٍ في التحالف، ويُذكرنا ذلك بأسلوب بريطانيا الذي اتبعته مع السلطنات اليمنية من خلال سياسة "فرِّق تسُد"، التي تمكنت بواسطتها من تمزيق السلطنات المختلفة.
الاحتلال الجديد
بدأت مظاهر الاحتلال في عدن عقب تحريرها في يوليو/تموز 2015، لتنتقل بعد ذلك إلى محافظات أخرى في الجنوب ومحاولات في مناطق محدودة في شمال اليمن، وحول ذلك يُبين المحلل السياسي (م.ا) الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، أنه ومنذ تحرير مدينة عدن والمحافظات المجاورة لها، خضعت لسيطرة الإمارات بشكل مباشر أو غير مباشر، خاصة بعد اغتيال المحافظ الأسبق جعفر محمد سعد، وتعيين عيدروس الزُبيدي محافظا لعدن، وهو وكثير من أنصار الحراك يتبعون أبوظبي وينفذون توجيهاتها.
وأشار لـ"الموقع بوست" إلى أن أهم ما لوحظ خلال الفترة الماضية، هو النفوذ المتنامي للقيادات العسكرية الإماراتية الموجودة في عدن ضمن قوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن.
ويشمل النفوذ التدخل في بعض التعيينات الإدارية والمؤسسات الحكومية ودعم فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة، كما هو الحال مع الحزام الأمني الذي يسيطر على مداخل ومخارج المدينة وبعض المناطق المحررة، ويتبع مسؤولين إماراتيين مباشرة ولا يخضع لسلطات الحكومة الشرعية، على حد قوله.
وبحسب (م.ا) فتظهر سطوة أبوظبي في التحكم بمطار عدن الدولي من قِبل جنود إماراتيين أو مسلحين تابعين لها، كما هو حال أفراد الأمن، فبات المطار حكرا على الإماراتيين وطيرانهم، باستثناء الرحلة اليتيمة للطيران المدني اليمني بين وقت وآخر، وتحت إشراف وإدارة المسؤول الإماراتي المرابط في العاصمة المؤقتة.
واستطرد "وفي المطار نفسه حدث تمرد مسلح ضد قرار رئيس الجمهورية بتعيين قائد لحماية المطار غير تابع للإمارات، مما دفع مسؤول القوة الإماراتية لدعم التمرد وشن الغارات الجوية على القوة العسكرية التابعة لهادي وقُتل على إثر ذلك عدد من الجنود".
ووفقا للمحلل السياسي، فإن ما يتعلق بمطار عدن، تكرر أيضا في المنشآت الحيوية كميناء عدن، الذي شهد هو الآخر تراجعا كبيرا في الحركة الملاحية.
وأفاد "كما يلاحظ أن أي مسؤول لا يتبع أبوظبي ويعلن الولاء لمندوبيها، يكون عرضة للحصار وعدم تقديم الدعم اللازم لمؤسسته، في الوقت الذي لا تزال أغلب مؤسسات الدولة تعتمد على الدعم المقدم من دول التحالف العربي وخاصة الإمارات".
وفي ختام حديثه أكد أن مندوبي أبوظبي يحكمون السيطرة على عدن في مختلف المجالات، بدءا بملف الإغاثة الذي يكاد يحتكره الهلال الأحمر الإماراتي برغم نشاط منظمات إقليمية ودولية في هذا الجانب، مفسرا سبب تصدر الهلال الأحمر التغطيات الإعلامية بأنه بفعل شرائه لعشرات الصحفيين والمدونين الذين تنحصر مهمتهم في الترويج لفعالياتهم، ومهاجمة بقية المنظمات وتشويه سمعتها والإساءة للعاملين فيها، لافتا كذلك إلى امتداد سطوة المندوب الإماراتي لتشمل المجالات العسكرية والأمنية والخدمية وغيرها.
مظاهر الوصاية
تعيش اليمن في ظل معاناة كبيرة، نتيجة للواقع الجديد الذي فُرض عليها منذ نحو ثلاث سنوات. ويقول المحلل العسكري علي الذهب، إن أغلب محافظات جنوب اليمن تقع تحت وصاية غير مُعلنة تُمارسها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تحت يافطة التحالف العربي، موضحا أن تلك الدولتين تتجاوزان الأعراف الدولية المتعلقة بالوصاية التي كانت مرتبطة بالدول ناقصة السيادة، التي لم يعد لها وجود في الواقع.
وفند الذهب في تصريحه لـ"الموقع بوست" مظاهر الوصاية الممارسة باليمن في أربعة مجالات، أولها السياسية التي تتجلى مظاهرها من خلال التأثير على قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي والحكومات اليمنية المختلفة، بالإضافة إلى التدخل في قرارات هادي وتقييدها، بحيث أصبحت تتخذ بعد توافق إماراتي سعودي، وإلا فإنه لا يتم السماح بتنفيذها على أرض الواقع، فضلا عن انتزاع سلطات الرئيس داخل البلاد وعلى مستوى السلطات المختلفة.
أما الوصاية الفكرية فعبر عنها بمحاولة طمس الهوية السنية السلفية بهوية سنية ذات توجه سياسي موالي للإمارات، كالجماعات الصوفية، مدللا على ذلك باعتقال وقتل وسجن زعامات الجماعات السنية، لدفع الموالين للإمارات إلى الواجهة، كونها تعمل لمصلحتها، محذرا من خطورة ذلك، كونه يؤسس لصراع فكري مذهبي مستقبلي في اليمن.
كما ذكر أن الوصاية الاقتصادية تتجلى مظاهرها بتركيز دول التحالف العربي على الموانئ ومصادر الطاقة وطرق نقلها خاصة عن طريق خليج عدن وباب المندب.
واعتبر وجود القوات الإماراتية داخل الجزر وباب المندب والموانئ ومحيط حقول النفط في اليمن، بمثابة وصاية اقتصادية، تهدف إلى السيطرة على إدارة النفط ومواردها، وهو ما يمس سيادة اليمن، وما يمثلها من سلطات معترف بها دوليا.
وأفاد أن من يقف وراء العمليات العسكرية المناوئة للشرعية في الجنوب، قوات عسكرية جنوبية، يمولها التحالف ويشرف على نشاطها، ويمثل ذلك وصاية عسكرية، مشيرا إلى وجود قوات أخرى، كالقوات السودانية والمرتزقة الكولومبيين، الذين يرابطون على السفن التابعة للتحالف أو على الأراضي اليمنية، كما عبرت عن ذلك صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية.
وفيما يخص الوصاية في مجال المعلوماتية، أوضح الذهب أن الإمارات قامت بمد خدمات شركات اتصالات إماراتية لتعمل في جزيرة سقطرى، فضلا عن محاولتها أيضا تخريب التنوع البيولوجي "الحيوي"، والتراث الطبيعي للجزيرة، عن طريق الأيدي العابثة المهيمنة عليها والتي تعمل تحت نفوذ أبوظبي.
وبتلك الأساليب -يؤكد المحلل العسكري الذهب- أن التحالف وتحديدا الإمارات تجاوزوا مفهوم الوصاية المتعارف عليها والتي لم تعد موجودة، كون قواعدها لا تسمح بمصادرة أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة، ولا تسمح كذلك بالضم أو الإلحاق أو بما يؤثر عليها، وهو ما يحدث في جزيرتي سقطرى وميون بباب المندب.
يُذكر أن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، تدخل في اليمن عقب انقلاب سبتمبر/أيلول 2014.