اغتال مسلحون مجهولون مساء الأربعاء الماضي عمار محمد الصراري المرافق الشخصي لمدير عام مصلحة الهجرة والجوازات بتعز.
وقالت مصادر "الموقع بوست" إن مسلحين نفذوا عملية الاغتيال باستخدام مسدس كاتم للصوت جوار منزل مدير مصلحة الجوازات الدكتور منصور العبدلي والواقع جوار مستشفى الصفوة.
وشهدت مدينة تعز خلال الفترة الأخيرة العديد من عمليات الاغتيالات في ظل حالة من الانفلات الأمني التي تشهدها المدينة التي تعاني من غياب الأجهزة الأمنية، لكن الحادثة تمثل تطورا خطيرا كونها الأولى التي يستخدم فيها مسدس كاتم صوت، وتأتي بعد أيام قليلة فقط من محاولة اغتيال فاشلة بكاتم الصوت استهدفت الناشط إبراهيم الجبري الذي أصيب في الحادثة.
وتأتي سلسلة الاغتيالات المتلاحقة التي تشهدها تعز في ظل عجز القوى الأمنية عن فرض الأمن والاستقرار نتيجة عدم امتلاكها للإمكانيات المطلوبة، على حد تصريحات قيادات الأجهزة الأمنية.
أسباب ووجوه
واستهدفت معظم عمليات الاغتيالات خلال الفترة السابقة أفراد وقيادات في المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين تعرضتا لحالة من الانهيار إثر الحرب بعد غياب الكثير من الكادر الذي التحق بالانقلابيين أو لزموا بيوتهم، كما أن تعرض المباني التابعة لها للتدمير وتعرض سيارات الأمن والشرطة وأجهزتها، بالإضافة إلى قواعد البيانات والأرشيف للسلب والنهب والإخفاء قد ساهم بشكل كبير في الانهيار الحاصل فيها.
ويرى مراقبون أن زيادة انتشار السلاح في يد الجماعات والفصائل المسلحة، وعدم تنظيم الدولة لحمل السلاح وحيازته، ساعد في زيادة الانفلات الأمني وانتشار حالة الفوضى، كما أن ضعف أداء الحكومة الشرعية وعجزها عن استعادة وتفعيل مؤسسات الدولة من أقسام شرطة ونيابات ومحاكم ساهم أيضا في تزايد الانفلات الأمني، وانتشار معدلات الجريمة، خاصة في ظل تهريب الانقلابيين للآلاف من المجرمين والقتلة الذين كانوا محتجزين في السجن المركزي.
ولعل من أبرز العوامل التي تساعد على الانفلات الأمني وتزايد عمليات الاغتيالات تفعيل المخلوع صالح للخلايا النائمة التابعة له والتي تعمل على تأزيم الأوضاع في المناطق المسيطر عليها من قبل الشرعية، وكذلك تأجيج الخلافات والصراعات بين قوى الشرعية، وهذا الأمر لا يعفي هادي وحكومته من المسؤولية عن كل قطرة دم بريئة ومدنية تسيل في المناطق التي يسيطرون عليها.
اغتيالات وفوضى
وفي حديثه لـ"الموقع بوست" يرى الناشط إبراهيم الجبري والذي نجا من محاولة اغتيال وأصيب على إثرها بطللقتين من كاتم صوت أن عمليات الاغتيالات في تعز ستستمر، فهناك مسلسل ربما جارٍ الإعداد له بهدف إدخال تعز في فوضى كبيرة، ونفق هذه الفوضى هو استمرار الانفلات الأمني، فهناك جماعات وأفراد وتجار حروب هم المستفيدون بشكل كبير من بقاء الفوضى بداخل تعز على هذا النحو.
ويضيف الجبري أن "الانقسامات الكبيرة الحاصلة داخل المدينة بين الأحزاب والقادة والشتات الكبير الحاصل يعمق الفجوة ويجعل جماعات أخرى تنقض على مشروع الدولة الذي نريده، وتبدأ بعمليات الاغتيالات التي شهدا تطورا، حيث بدأت باستخدام أسلحة نارية متنوعة وتنتهي بكاتم للصوت، وهذه نقلة نوعية ربما تعمل على إصابة الجميع بالخوف والهلع".
ويعول الجبري "على المجتمع وخاصة الشباب في هذه المرحلة، حيث يجب أن يكون هناك التفاف كبير حول رؤية قوية للضغط على القادة والأحزاب كي يبدأ الجميع بانتشال الفساد الموجود حاليا والذي يتنامى ويستفيد من حالة الصراع هذه، فإذا وجد شباب ذو إرادة قوية يخرجون للشارع بصوت وهدف واحد فأعتقد سيكون لذلك أثرا كبيرا في محاربة ظاهرة الاغتيالات".
ويؤكد الجبري أنه "لن يثنينا أحد عن مواصلة رسالتنا وجهودنا من أجل تعز، ومحاولة اغتيالي ليست لإسكاتي فقط بل هي رسالة للجميع بأن يظلوا صامتين، فنحن لم نحمل سلاحا ولم يكن بأيدينا سوى المحبة والخير والإنجاز الذي نقدمه للمدينة، وكل ناشط في المدينة لا يمتلك من سلاح سوى الفكر والحجة والرأي، وإذا كنا سنموت من أجل هذا فهذا شرف كبير".
دوافع متعددة للاغتيالات
وتتفاقم جرائم الاغتيالات السياسية واغتيال أصحاب الرأي في اليمن هذه الأيام، بينما يراد من استمرار التعامل إزاء جرائم الاغتيالات باللامبالاة والصمت، أن يفضي إلى تأكيد البيئة السياسية والفكرية غير الحرة وغير الآمنة، سواء في المناطق التي تقع الآن تحت سيطرة قوى الانقلاب، أو المناطق التي تقع تحت سيطرة قوى الشرعية.
فبحسب حديث الكاتب الصحفي فتحي أبو النصر لـ"الموقع بوست" هناك "من يريد تغطية فشله وذعره من التغيير بالاغتيالات، وهناك من يريدها تكريسًا للانتقامات وللثارات طبعًا، غير أن الاغتيالات لا تصنع التغيير المطلوب، ولا تحل الأزمات العميقة، ولعل الأسوأ من تلك الجرائم الجبانة، هو توظيفها لشيطنة كل من ينشدون السلام والدولة الضامنة، فضلًا عمّن يأملون بتوقف العنف كأسلوب متبع من قبل مراكز الهيمنة والنفوذ".
ويؤكد أبو النصر أن "اليمن في مرحلة انتقالية منذ 2012، لذا بدا من الطبيعي أن تعود الاغتيالات للواجهة مجددًا، وأما هدفها فهو التأجيج وخلط الأوراق في المقام الأول، ولذلك شاهدنا كيف احتدمت الاغتيالات عقب انتهاء مؤتمر الحوار، كما بلغت ذروتها ما بعد سقوط صنعاء الكارثي، وتنامي اضمحلال ما كان متبقيًا من مظاهر الدولة، لتتوالى حلقات العنف بكل مستوياتها، حتى باتت الحسابات السياسية تختلط بالترهيب والانتهاكات الجسيمة للحقوق، إضافة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني، بإعادة الشحن الطائفي والمناطقي، فالملفت أن غالبية الاغتيالات كانت وما زالت تحدث في ظل تحولات هامة بغية إعاقة هذه التحولات، ما يعني تواصل حالات التوتر والكراهية والصدام وعدم الثقة بين الفرقاء، وصولًا إلى تعطيل أي توافق لإنضاج حالة إجماع وطنية ممكنة تجاه الدولة والعقد الاجتماعي والشراكة والمسؤوليات، لكن حسب المأثور البديهي، فإن كل جريمة تقع في مكانٍ ما وزمانٍ ما، غايتها هدفٌ ما، ومن الصعب إخفاؤه طويلًا".
فلعبة الاغتيالات القذرة إذن صارت من أهم مظاهر الحروب النفسية، بينما تنحصر أسبابها في التطرف والتحريض، وانقلابات الحكم وصراع أجهزة الأمن التابعة لمراكز القوى، وكذا أيادي الاستخبارات الدولية المتغلغلة في الصراع.