[ تتعدد مظاهر التراث في تعز وتتنوع بشكل كبير ]
قرر المصور الفوتوغرافي "عبدالناصر الصديق" ونتيجة ارتباطه بالصورة أن يجعل من يوم عرسه -الذي تم يوم الجمعة 21 يوليو/تموز في قاعة الروضة- صورة فنية مكتملة الأركان، لتختصر المعنى الأبرز لمدينة تعز التي هام فيها الصديق حتى الثمالة وعاش معها وعليها موثقا بكاميرته أفراحها وأتراحها على حد سواء.
وقام الصديق باستلهام التراث الحضاري لتعز للتأكيد على الترابط الوثيق بين تاريخ المدينة وحاضرها، وكذا التمسك بالهوية الجامعة عن طريق العودة إلى الجذور الثقافية الممتدة في القدم، ليؤكد على أهمية التراث الحضاري في تجسيد الانتماء الثقافي للأرض والإنسان.
وبالتنسيق مع مكتب الثقافة بتعز تم الاحتفال بالعرس الذي تم الإعلان عنه من قبل أسبوع من انعقاده، حيث احتوت الدعوة التي تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي على صورة العريس وهو يرتدي الزي التقليدي لمدينة تعز، مع بيان أن العرس سيكون تراثيا من جميع جوانبه "الملابس، والتجهيزات، والغناء، والمراسم وغيرها"، كما تم تنويه المدعويين أن العرس سيكون بلا قات ضمن جهود محاربة القات.
عرس مشروط بإحياء التراث
عبدالخالق سيف مدير مكتب الثقافة بتعز قال لـ"الموقع بوست" إن "فعالية تراثنا في أعراسنا جاءت في ظروف استثنائية خيمت على أجواء تعز، وجعلتها مدينة مزدحمة بالدخان والبارود، لكننا تمسكنا بالفرح وبتقديم لوحة معبرة عن تراث تعز وموروثها المتعدد الأشكال والنكهات، فلكل قرية ومديرية ومنطقة في تعز تفاصيل منفصلة وملامح خاصة بها وتمثل تراكمات عاداتها وأوابدها، وهناك تفاصيل متصلة ونحن قمنا بجمعها وتوثيقها وتقديمها في تعز كأول عرس تستعرض فيه تعز جمالياتها وموروثها المتعلق بالزفاف، فلتعز ملامح رائعة ولهجة بنكهة العسل وألحان تحرك الغيوم وتراث إنشادي شامخ ورقصتها الزبيرية الخاصة بها، وفيها كبرياء تعز وبهائها ولديها أزياء تسحر القلوب والعيون، وكل ذلك كان منسيًا مهملًا منزويًا في ركن التراث ويعلوه غبار النسيان، لكننا نفضنا عنه غباره وأعدنا إحياءه بكل الجمال الذي يشرق من تعز".
ويضيف عبدالخالق "ما أجمل كل أبناء تعز ومثقفيها واعلامييها وكل الذين يؤمنون بمدينة تعز والذين حضروا العرس وقد تشقروا بالأزياء التعزية الأصيلة ولم يمتشقوا سلاحا وأهملوا عادة مضغ القات إلا من قليل كانوا عابرين فقط للسلام على عريس هذا اليوم التراثي الجميل، وكانوا جميعهم جزءا مشرقا من اللوحة التي رسمناها من أول شدو إنشادي تعزي خالص إلى آخر خطوات العريس في زفته الختامية التي حضر فيها أيوب طارش ومنى علي والبرعة الزبيرية التي لا يشبه جمالها إلا تلك الدساميل والشيلان والأزياء المعبرة عن تراث تعز، ومكتب الثقافة الذي بدأ هذه الخطوة سيواصل جهودة لجمع وتوثيق تراث تعز المعبر عن ثقافة هذه المدينة التي تشقرت بالأمل والبهاء وتعطرت بالنور وتكره اللون الأسود لأنه لا يليق بها أبدا".
الدسمال كان حاضرا
وفي العرس الذي شارك فيه العديد من الناشطين والإعلاميين وبحضور وسائل الإعلام، ارتدى العريس والحضور أيضا اللبس التعزي التقليدي الذي يتكون إما من ثوب أو معوز مع "الدسمال" الذي يوضع على الرأس للزينة، وكلمة دسمال مأخوذة عن الفارسية "دستمال" بمعنى منديل، وهو عبارة عن غترة طويلة تلف على الرأس بشكل معين، وتكون بالغالب بألوان مختلفة ومخططة ومعظمها باللون الأخضر.
ويلف الدسمال على الرأس ويوضع مشقر وسطه للزينة، والمشاقر عبارة عن نباتات عطرية ذي رائحة طيبة، وتستخدم منذ قديم الزمان، حيث هناك اعتقاد لدى اليمنيين أنها تفيد للزينة واتقاء الحسد والأرواح الشريرة.
وللمشاقر رونقها
والمشاقر التي تستخدم للزينة متعددة الأشكال والألوان ومتنوعة الروائح، حيث منها ما يسمى بالكاذي والكرادس والريحان والمتابق والأزاب والداجية والبياض والسواد والمكركر والحنوان والزنابق والمشموم والشذاب.
وتستخدم المشاقر لزينة الرجال والنساء على حد سواء في المناسبات الاجتماعية حيث تضعها النساء على الوجنات بينما يضعها الرجال وسط الدسمال في الرأس، حيث تجمع المشاقر بين صفات الجمال والجذب والروائح الزكية، كما أن لها دلالة ثقافية واجتماعية لارتباطها بالفرح، أي أنها تستخدم في المناسبات الفرائحية بشكل عام.
محمد الحكيمي، أحد الضيوف المشاركين في العرس قال لـ"الموقع بوست" إن "هذا العرس يكتسب أهمية خاصة نتيجة انفراده بالعديد من الفعاليات التي أراد المنظمون من خلالها إحياء التراث التعزي الذي يكاد أن ينقرض نتيجة تأثير الثقافات الأخرى بفعل الثورة المعلوماتية التي تتدفقت بثقافات غريبة عن ثقافتنا اليمنية الأصيلة ما استدعى أن نستلهم تراثنا لنحافظ على الهوية الثقافية الجامعة".
ويضيف الحكيمي "هو بلا شك شعور جميل جدا ألا ينحصر اللبس التراثي على العريس فقط بل على جميع الحاضرين الذين رسموا صورة مميزة تشعرك أنك داخل متحف حي يعود بك إلى الماضي سنوات عديدة فتشعر كيف احتفل أباك وجدك بعرسيهما".
كما تم إحياء العرس بالعديد من الأغاني التراثية التعزية والتي تم غناؤها على إيقاع وتمايل الراقصين الذين صنعوا جوا فرائحيا يحمل معاني الأصالة والانتماء لمدينة عدينة بإرثها وتراثها المتجذر في أعماق التاريخ، وبما يستعيد الرقص التعزي الذي يكاد أن يندثر في زمن انتشار الأغاني والرقص الغربي.
وتزين العرس بالمنصة المعدة للعريس والتي تم صناعتها وتنسيقها من الحصير أو ما يسمى بالعزِف، بالإضافة لأقمشة تراثية تم تنسيقها بشكل معين لتضفي طابعا جماليا غاية في الإبداع، حيث جمعت بين البساطة والأصالة، واحتوت على الكثير من الدلالات للإنسان التعزي وخاصة للساكنين في مديريات الساحل التعزي.
لكن الأكثر إدهاشا في الحفل هو حضور العديد من صغيرات تعز اللواتي تزين باللبس التقليدي المكون من القميص الصبري والمصر والمقرمة والمشقر، وطفن على القاعة كحمامات يسبحن في فضاء الجمال حين يصدحن بهديل المحبة لتعز وأهلها.
رسالة من تعز
جمال جميل قال لـ"الموقع بوست" إن "فكرة العرس جاءت مميزة وفريدة لتؤكد أن هذه المدينة بشبابها تنتصر على تجار الحروب بإرادة الحياة، فتعز بما تمثله من سلوك مدني وحضاري وباعتبارها منارة وخلاصة الوعي الجمعي لكل اليمنيين الذين يحبون الحياة ويحبون قيم الحب والجمال تريد إيصال رسالة لكل اليمنيين لايقاف الحرب، وتريد أن تقول إننا نتسلح بالغناء والرقص والابتسامات لننتصر على الرصاصة والبندقية".
ويضيف جمال أن "هذه الاحتفالية يجب ألا تتوقف عند هذا اليوم بل يجب أن تتحول إلى تقليد دائم في الأعراس التعزية بشكل خاص واليمنية بشكل عام، وألا تكون مجرد محطة عابرة تنتهي بانتهاء اليوم وتصبح شيئا من الذكرى، فاليوم شاهدنا تعز بتنوعها وبخصوصيتها الثقافية".
يشار إلى أن العريس عبدالناصر الصديق هو أحد أبرز المصورين الفوتوغرافيين الأكثر تميزا ونشاطا في تعز، حيث وثق بكاميرته وعبر آلاف الصور معظم أحداث المدينة منذ ثورة فبراير وصولا لأحداث ويوميات الحرب التي تشنها ميليشيات الحوثي وعصابات المخلوع على تعز، حيث يتم تداول الصور التي يلتقطها عبر وكالات الأخبار ووسائل الإعلام العربية والدولية.