[ تحول الاحتفاء بصلاة العيد في بعض المحافظات إلى فرصة للاحتجاج ]
"عيد بعيد عن أهلنا وأقاربنا وعن منزلنا ومسكننا وعادات وتقاليد قريتنا ليس عيدًا"، قالها عبدالجبار محمد مغلس (42 عاما)، الذي شردته الحرب من مدينة تعز قبل عامين ليصبح نازحا في حي عمار بن ياسر في صنعاء، والعيد بالنسبة له لا قيمة له.
يقول مغلس إن أسرته الكبيرة اعتادت على الاجتماع صبيحة كل عيد، إذ يؤدي أفراد العائلة صلاة العيد في مسجد قريب ثمّ تكون الوجهة منزل العائلة الكبير ويتبادلون التهاني والتبريكات ويتناولون وجبة الإفطار ومن ثم يبدؤون بزيارات الأرحام والأقارب داخل مدينة تعز وخارجها.
لكن وبفعل الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي وصالح على تعز واليمن باتت عائلة مغلس متفرقة وعائلات أخرى كثيرة صارت تعيش مشتتة، منهم من غيّبه الموت أو الاعتقال ومنهم من اضطر إلى الغربة والهجرة إلى خارج البلاد، ومنهم نازح وآخر يعيش حصارا كبيرا في مدينة تحولت إلى كتلة من المعاناة والآلام والأحزان.
مناسبة مفقودة
لطالما كانت مناسبة العيد فرصة لاجتماع الأهل والأصحاب واستعادة الذكريات الجميلة ومحطة أمل جديد نحو مستقبل أفضل، فإنها اليوم مناسبة للوجع والحرمان.
ليست كسوة العيد ولا أزمة الراتب ولا استمرار الحرب هي من تعكر فرحة الناس بالعيد اليوم في اليمن، بل هناك تفاصيل كثيرة ربما لم تتحدث عنها الحرب وهي تلك المتعلقة بالمجتمع والعادات والتقاليد التي حرم منها الكثير من اليمنيين بفعل الحرب والحصار على المدن.
يقول مفيد الشرعبي في حديثه لـ"الموقع بوست": "أولا دعني أقول لك إن العيد هنا في تعز ليس له أي وجه للفرح وإنما وجه القذائف والقتل والدمار والدماء وقدرنا أن يكون عيدنا قهر بنكهة الوجع".
ويضيف: "صلة الرحم في هذا العيد أشبه بالمستحيل إن كان أقاربك في الريف، فأنت بحاجة إلى مبلغ لا يقل عن عشرين ألف ريال تقريبا بدل مواصلات فقط ناهيك عن المسافة التي ستقطعها إن قررت المغامرة والذهاب لصلة الرحم، والتي هي بحدود 8 ساعات وعبر طرق وعرة وبسيارات خاصة تعبر هذه الطرق والتي هي الأخرى بحاجة إلى حجز مسبق وتنسيق شاق".
ويشير الشرعبي إلى أنه "إذا كانت صلة الرحم في العيد فرض واجب فإنها في تعز لمن استطاع اليها سبيلا، فأداء فريضة الحج ربما أسهل من الخروج إلى الريف لصلة الرحم".
وأما صلة الرحم في المدينة، وطبقا للرجل، فإن كان أقاربك في نفس الحي الذي تقطنه فقد ظفرت بها، وإن كانوا في حي آخر، فلن تستطيع الذهاب إليه بسبب قطع الشوارع من قبل المجندين الذين سقطت أسماؤهم من كشف الراتب، والذين يستمرون يوميا بقطع كافة الشوارع الرئيسية والفرعية في المدينة، ويضيف: "تخيل لدي أقارب في بير باشا لم أتمكن من صلتهم حتى اليوم بسبب قطع الطريق في الحصب وصينة وبير باشا".
وجع الأرحام
من جهته يقول إدريس قاسم أحد أبناء تعز لـ"الموقع بوست": "العيد فرحة وأنس يلتقي فيه الأهل والأقارب ويصل فيه الأرحام، لكن كل شيء تغير بسبب الحرب التي قطعت ببيننا وبين الأرحام لم يعد العيد فرحة وأنس أصبح وحشة".
يقول قاسم: "أا لم أستطع زيارة أقاربي في مدينة تعز رغم أنى كنت أسافر إليهم سابقا ولم يستغرق سفري ساعة زمن احدة، أما اليوم وبسبب الحرب إذا سافرت إليها لن أصل على يومين والسفر إليها مغامرة، والحقيقة الحرب في اليمن قاسية فر ونزح الكثير من الأهل بسببها وجعلتنا مقاطيع من أشجار وكأن لا أهل ولا أقارب لنا ولا نستطيع صلة الأرحام رغم أنه عيد".
الظروف الاقتصادية التي تدخل يوما بعد آخر فصولا من التعقيد واحدة من الحواجز التي حرمت آلاف اليمنيين من صلة أرحامهم وزيارة أهاليهم وأقاربهم في فترة العيد، فالكثير من الناس صاروا عاجزين عن توفير القوت اليومي، فكيف لهم أن يوفروا أجور مواصلات وتنقلات من مدينة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى لزيارة أرحامهم".
تأثير الحرب
يقول إبراهيم هزاع لـ"الموقع بوست": "للعام الثاني نحن نعيش في حرب وهذه الحرب أثرت كثيرا علينا كمواطنين حرمتنا من أهالينا وأقاربنا خصوصا في مناسبات العيد، فالحرب أوجدت حواجز كثيرة أمامنا سواء فيما يتعلق بالمسافة وبوضع المدن التي نقطن فيها نحن ويقطن فيها أهلنا وأقاربنا، إضافة إلى انقطاع الراتب الذي حولنا إلى عاطلين وعاجزين عن فعل أي شيء، والعيد هذا العام لا معنى له ونحن بعيد عن أهلنا وكأننا مغتربين لا فرق بيننا وبين الذي هو خارج حدود دولته وموطنه الأصلي".
هذه واحدة من القضايا المجتمعية التي خلفتها الحرب في اليمن، وصارت واحدة من محطات الوجع اليمني الذي غزى كل بيت تقريبا، القريب والبعيد، الصغير والكبير.
حرب شردت الملايين وحرمتهم من بعضهم في كل أيام الأسبوع والشهر والسنة وحتى في الأيام الاستثنائية وأيام المناسبات كمناسبة العيد التي اعتاد اليمنيون على الالتقاء فيها وتبادل السلام وروح المحبة والتكاتف، وهي لعنة ستسجل في تاريخ وزمن المليشيات التي تركت بحربها آثارا سلبية طالت الصغير والكبير والجميع، يقول إن الزمن كفيل بالخلاص منهم والانتصار لعاداتهم وتقاليدهم وتراحمهم، والتاريخ لا يرحم.