[ عاشت عدن اياما عصيبة جراء اقتحام مليشيا الانقلاب لها ]
مثل يوم السابع والعشرين من شهر رمضان 2015، تاريخا مفصليا في تاريخ العاصمة المؤقتة عدن بشكل خاص واليمن بشكل عام، فقد انطلقت فيه عملية السهم الذهبي، وهي العملية العسكرية التي تمكن من خلالها أفراد المقاومة والجيش الوطني بدعم من التحالف العربي من استعادة العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة من قبضة ميلشيا الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابية.
وكان يوم السابع والعشرين من رمضان، بمثابة يوم قطف فيه الأحرار ثمرة نضالهم على مدى ثلاثة أشهر ونصف في مواجهة الآلة العسكرية للانقلابيين، والتي لم تستثن مدرسة أو منزلا إلا وقصفته، ولا طفلا أو شائبا أو حتى امرأة إلا واستهدفهم القناصة، لكن هذه الأساليب الإجرامية لم تفلح في إركاع عدن وأهلها والذين ظلوا صامدين مقاومين.
وفي سياق الحديث عن الذكرى الثانية لانتصار عدن، استضاف الموقع بوست القيادي الميداني في المقاومة الشعبية بمديرية كريتر حسام الحيدري، ليوضح تفاصيل يوم السابع والعشرين من رمضان، ويروي تفاصيل المعارك الذي شهدها وعاش أدق تفاصيلها.
اللحظات الأولى للمعركة
وبدأ القيادي حسام حديثه بذكر أبرز تفاصيل الأيام الأولى لاجتياح ميليشيا الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابية لعدن، فقال" بعد أن أنهت مليشيا الانقلابيين معركتها في مديرية خورمكسر، توجهت بعدها إلينا في مديرية كريتر، وتحديدا في الثاني من ابريل/ نيسان 2015، كانت معركة شرسة، لم نكن نملك خلالها سوى بعض قطع الكلاشينكوف وما توفر من قذائف RPG والتي تمكن المواطنون من إخراجها من معسكر جبل حديد.
وتابع" بدأت المعركة عند ساعة الغروب، وقاتلنا حينها قتالا شرسا، كانت المعركة الأولى التي نخوضها، لم نكن قبلها نعرف السلاح ولم تكن لدينا أي خبرة عسكرية ولو كانت بسيطة، ويستشهد بذلك أن بعض الأعيرة النارية التي أصابت أفراد المقاومة كانت بفعل أخطاء استخدام السلاح من قبل رفاقهم.
مضيفا خلال حديثه لـ"الموقع بوست" كانت المعلومات التي لدينا بخصوص القوة العسكرية لمليشيا الانقلابيين المتوجهة لاقتحام مديرية كريتر من اتجاه جولة العاقل بخورمكسر، مكونة من دبابة وطقمين، لنكتشف بعدها بأن القوة كانت كتيبة النخبة التابعة للواء المجد في البيضاء، المحسوب على قوات الحرس الجمهوري.
ويذكر" استخدم الانقلابيون كل أسلحتهم وإمكاناتهم العسكرية من دبابات ورشاشات 23 وقاذفات هاون ضدنا، مشيرا إلى أن مترسه كان أول مترس يتعرض الاستهداف، لكنه صمد مع رفاقه.
اقراء أيضا: الحراك الانفصالي.. وأوهام تحرير الجنوب من الانقلابيين
ويشير القيادي حسام إلى أن المعركة استمرت حتى الحادية عشر من مساء ذاك اليوم، فقد تراجع أفراد المقاومة على وقع قصف مكثف للرشاشات المتوسطة والمدفعية الثقيلة، بعد أن سقط منهم العديد من الشهداء والجرحى، لافتا إلى أن هدف الانقلابيين الأول هو السيطرة على قصر المعاشيق لما له من رمزية شعبية وسياسية فهو مقر القيادة الشرعية.
وبخصوص الاستراتيجية التي تعمل بها مليشيا الانقلابيين في معاركها للسيطرة على المناطق يذكر الحيدري بأن قصف منازل المدنيين وقنصهم عند خروجهم من منازلهم كانت الطريقة، التي تحاول من خلالها تركيع أفراد المقاومة وإجبارهم على الاستسلام، إلا أن هذا لم يحدث بل زادنا عنفوانا واستبسالا، يضيف الحيدري في حديثه.
وأكد في سياق حديثه أن أبناء عدن بمختلف انتماءاتهم وأعمارهم وتخصصاتهم هبوا إلى دعم المقاومة، فلم تكن هناك اي حاضنة شعبية للحوثيين، حتى على مستوى التعامل مع عناصر الانقلابيين بعد تمكنهم من السيطرة العسكرية، فقد كان عناصرهم يحاولون طلب المياه أو الطعام من المواطنين إلا أنهم يقابلون برفض شديد، دونما أي خوف أو رهبة من بطشتهم.
كان الناس يموتون بسبب إصابات خفيفة أو متوسطة كان يمكن علاجها وإنقاذ حياتهم، لكن المدينة كانت تفتقر لأي مشفى، وبفعل الحصار المفروض على المديرية لم يستطع الأطباء المتواجدون إدخال أي أدوية ومعدات طبية، يذكر الحيدري.
ويلفت إلى أن أفراد المقاومة وهم أساسا مواطنون مدنيون، كانوا يقومون بعدة مهام إلى جانب المهمة العسكرية في صد ميليشيا الانقلابيين، فقد كانت مهام إنقاذ الجرحى وإطفاء الحرائق وإنقاذ الأسر واجلائها من المنازل المحترقة جميعها ملقاة على عاتق أفراد المقاومة.
استهداف ممنهج للمدنيين
لم تتوانى ميليشيا الانقلابيين عن استهداف منازل المدنيين، وقنصهم أثناء تحركهم في الأحياء والشوارع، حتى بعد أن انسحب أفراد المقاومة وتوقفت المعارك والاشتباكات، حسبما أكد القيادي في المقاومة حسام الحيدري.
وأضاف الحيدري في حديثه لـ"الموقع بوست" كان عناصر الميليشيا يتعاملون مع المدنيين بطريقة بشعة، فقد كانوا يلهون عبر التنافس في قنص المدنيين، سواء أكانوا أطفالا أم كبارا، ويذكر بعض الأمثلة التي لا تزال محفورة في ذاكرته فقال" أتذكر الطفل عبدالرحمن يوسف ذو الأربعة سنوات كان يلهو أمام منزل أسرته، قبل أن يتحول إلى جثة هامدة بفعل رصاصة قناص أصابته في رقبته.
يتابع الحيدري" بأن ما تعرض له المدنيون من استهداف وقتل بعد انسحاب المقاومة وتوقف المواجهات العسكرية، تعد جرائم حرب وتعبر عن جماعة ارهابية تقتل لمجرد القتل، وإلا ما الداعي لقتل الأطفال والرجال لمجرد جلوسهم في البلكونات- الشرفات - والتي تعد المتنفس الوحيد لهم بعد أن أصبحت الحركة في الشوارع مدعاة للاستهداف، بظل أجواء حارة وانقطاع تام للكهرباء.
حتى الذهاب إلى الصلاة والخروج من المساجد كانت تشكل فترة تزداد فيها حوادث القنص، الحاج هاشم علبي كان أحد هؤلاء الضحايا فقد قتل برصاص قناص لحظة خروجه من صلاة الظهر، يفيد القيادي الحيدري بأن الحاج هاشم كان معروفا في كريتر بسلميته وهدوء فقد كان يقضي أيامه في تربية القطط والاهتمام بها، فلم تكن لديه اسرة أو زوجة، ومع ذلك لم تستثنه الآلة العسكرية للانقلابيين.
النزوح ورص صفوف المقاومة
تمكنت مليشيا الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابية من السيطرة الكاملة على مديرية كريتر، عقب أكثر من 45 يوما خاضت خلالها معارك عنيفة مع عشرات المدنيين الذين أخذوا على عاتقهم مقاومة الانقلابيين.
يفيد القيادي الحيدري بأن الانقلابيين سيطروا على كريتر بعد أن انهكت المدينة وسكانها، فقد تم فرض حصار شديد منع خلاله إدخال الطعام والماء، وتم فرض تفتيش دقيق للمواطنين وحتى النساء، خوفا من ادخال ذخائر وأسلحة لأفراد المقاومة.
ويتابع" كانت المدينة تشهد نقصا حادا في الغذاء والماء وانقطعت خدمة الكهرباء ل تضاعف المعاناة والحصار، ومع ذلك لم يتوقف المواطنون عن مدنا بالغذاء، والذي كانوا يحرمون أطفالهم منه لأجلنا.
ويمضي في حديثه لـ"الموقع بوست" قائلا لم يكن نزوحنا وهروبنا من المديرية بعد معارك وصمود دام لأكثر من 40 يوما، يعني توقف نشاطنا في مقاومة مليشيا الانقلابيين، فقد انتقلنا المديريات الأربع الباقية والتي بقيت صامدة بوجه الانقلابيين، حيث انضممنا إلى تلك الجبهات ومنها تم ترتيب صفوف المقاومة وتنظيمها بشكل أفضل.
يوم الانتصار
كانت عملية السهم الذهبي والتي انطلقت في 25 من شهر رمضان، مباغتة لمليشيا الانقلابيين، وبالمقابل مفاجئة لأفراد المقاومة والذين ظلوا ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر.
ويتذكر القيادي الحيدري تفاصيل ذاك اليوم، في سياق حديثه لـ"الموقع بوست" بدأت عمليات يوم النصر في السادس والعشرين من رمضان فقد دعا العميد عبدالله الصبيحي، والذي كان قائدا لمعركة تحرير عدن، عشرات القيادات الميدانية في المقاومة ب مقدمتهم نايف البكري، ومعهم المئات من الأفراد، إلى التجمع في جولة كالتكس بمديرية المنصورة والواصلة إلى الأربع المديريات المحتلة.
ويتابع" كانت أعداد المقاتلين مهولة آنذاك، فمن فقد ابنه أو منزله عاد في ذاك اليوم ليقتص من ميليشيا الانقلابيين ويسترد حقه منهم.
ويذكر" كان لكثرة أعداد المقاتلين دور في ازدياد نسبة الإصابات، فقد شهد خط الجسر حينها مرور آلاف المقاتلين وهم مدنيون بالأساس ولكن الانقلابيين أجبروهم على حمل السلاح، وتم استهدافهم ب قذائف الهاون وسقط عشرات القتلى والجرحى لكن هذا الاستهداف لم يوقف الزحف عن التقدم، مشيرا إلى أن هذا الزحف حوى مئات المواطنين الذين لم يكونوا يحملون أي سلاح، إلا أنهم أرادوا مشاركة لحظات النصر ومعايشتها.
ويشير إلى أن المطار ومعسكر بدر كانا ضمن أوائل المواقع التي تم السيطرة عليها وتحريرها، مرجعا التقدم السريع إلى عزيمة المقاتلين والدعم العسكري الكبير الذي وفرته القوات الإماراتية ضمن عمليات التحالف العربي، والمتمثل بعشرات العربات المدرعة والتي يقودها مجموعة من أفراد المقاومة والذين تم تدريبهم خلال فترة وجيزة؛سقط من رفاقي الكثير خلال ذلك اليوم أذكر منهم إبراهيم فرحان ومحمد شمه، فيما قتل العشرات من عناصر الانقلابيين وأسر أضعافهم، أضاف الحيدري في حديثه لـ"الموقع بوست".
مستطردا" كل فرد منا كان يهفوا نحو منطقته الذي فارقها لأكثر من 100 يوم.
وقال كان عصر اليوم الثاني هو موعد وصولنا لمديرية كريتر، كانت الفرحة تعم الجميع، مشاعر لا يستطيع أحد وصفها، خرج ما تبقى من المواطنين الذين لم يتركوا منازلهم واستقبلونا بما يملكون من طعام مجهزين بذلك وجبة الإفطار.
مستدركا لم يستوعب المواطنون الموقف، خرج الكثير منهم بملابس النوم أو ملابس غير لائقة دون أن يهتم لذلك، يجري باتجاهنا من شدة الفرح، ومنهم من كان يأخذ بأيدينا إلى مواقع اختباء عناصر الانقلابيين، كانت لحظات عشنا خلالها نشوة النصر، وامتلأت سماء ذاك اليوم ب الأعيرة النارية والالعاب النارية احتفاءا بما تحقق من انتصار.
تقليد سنوي
يحتفي المواطنون في العاصمة المؤقتة عدن، للعام الثاني على التوالي بمناسبة ذكرى النصر في السابع والعشرين من رمضان، متخذين إطلاق الألعاب النارية والاعيرة النارية الحية في السماء وسيلة للترفيه عن أنفسهم والتذكير بيوم دحرت فيه ميليشيا الانقلابيين الإجرامية.
وإلى جانب ذلك فقد حازت موائد الإفطار الجماعية قائمة فعاليات يوم النصر، حيث ينزل آلاف المواطنين إلى الشوارع، ويشتركون في موائد الإفطار، كل في حيه ومنطقته، مهنئين بعضهم بذكرى يوم النصر، ليكون بذلك يوم السابع والعشرين من رمضان عيدا يضاف إلى عيدي الأضحى والفطر، يحرص كل مواطن في العاصمة المؤقتة عدن على الاحتفاء به كل على طريقته.
يذكر أن عمليات السهم الذهبي بدأت في الخامس والعشرين من شهر رمضان 2015، وانتهت في صبيحة يوم عيد الفطر، بتحرير كل مديريات العاصمة المؤقتة عدن وضواحيها، إلا أن تاريخ السابع والعشرين من رمضان بقي عالقا في أذهان المواطنين لكونه شهد نقلة نوعية في العمليات العسكرية.