[ وزير الخارجية المخلافي مع نظيره العماني - أرشيف ]
برزت سلطنة عمان مؤخرا كلاعب جديد في الملف اليمني، بعد أن ظلت طوال السنوات الثلاث الماضية مجرد محطة عبور للطرف الانقلابي، واتخذت مسقط لنفسها وضعا خاصا بعيدا عن توجه دول مجلس التعاون الخليجي التي دخلت في تحالف عسكري لإعادة الشرعية في اليمن.
الدور العماني مؤخرا لم يعد محصورا في الدور المتماهي مع الطرف الانقلابي في اليمن كما كان يؤخذ عليه في السابق، بل تطور وقدم نفسه كطرف بإمكانه لعب دور الوساطة بين طرفي الشرعية والانقلاب.
لم يتضح إلى الأن الدوافع التي دفعت بمسقط لتصدر الواجهة، والأسباب التي تقف خلف التحولات في موقفها، لكن تحركاتها الأخيرة باتت تكشف أنها تجاوزت الحياد والجمود إلى مربع التأثير والفاعلية.
وبعد نشوب الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي مؤخرا، اتجهت الأنظار نحو سلطنة عُمان، وبات متوقعا أن تلعب دورا محوريا كبيرا في حل الأزمة اليمنية التي تعيشها البلاد منذ أكثر عامين.
ما يؤهل عُمان للعب هذا الدور هو امتلاكها لعلاقات مع مختلِف الدول، منها إيران التي تنظر لها السلطنة كجارة ينبغي أن تحافظ على علاقات جيدة معها، برغم أن الأخيرة متهمة من قبل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بدعم الحوثيين في مختلف المحافل الدولية، وكذا عسكريا بتهريبها الأسلحة لهم مستخدمة الشريط الساحلي لليمن، والذي يبلغ طوله أكثر من ألفي كيلو متر.
إضافة إلى ذلك فإن عُمان حاولت الوقوف على مسافة واحدة من الشرعية والانقلابيين، وإن أبدت بعض الانحياز للحوثيين، وهو ما يجعل صوتها مسموعا لدى الطرفين في الداخل اليمني.
وتعد عُمان كذلك لاعبا رئيسيا في منطقة الخليج، حيث تطل على مضيق هرمز الإستراتيجي الذي تشرف عليه مع إيران.
استفحال النزاع بين دول الخليج يقود إلى تيه ملف اليمن في أروقة الحرب والسياسة، وسيكون مطلوبا من عمان التدخل لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في البلاد رحمة بالشعب الذي عانى ويلات الحرب، التي لم يتمكن التحالف بعد من حسمها، ولا الجيش الوطني قادرا على إكمال المهمة.
طبيعة الدور العماني في اليمن
عقب اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء وإسقاطها في سبتمبر/أيلول 2014، وتدخل التحالف العربي في مارس/آذار 2015، شاركت عشر دول عربية في ذلك التحالف، لكن السلطنة غابت عن الحرب، وهو ما جعل عديد من علامات الاستفهام توضع حول موقفها ذاك من قبل كبار المحاربين في التحالف.
لكن وبالنظر إلى طبيعة السياسة الخارجية للسلطنة، فإن عدم مشاركتها بالتحالف تبدو طبيعية فهي دولة سلام وحياد، وبعيدا عن ذلك فقد أهلها ما حدث لأن تلعب دور الوسيط في حل الأزمة اليمنية التي تعصف بالبلاد، وأدت إلى تدهور الوضع الإنساني بشكل مُخيف.
طوال فترة الحرب قامت عُمان بدور الوسيط في الإفراج عن الرهائن الأجانب المختطفين لدى مليشيا الحوثي، والذين يحمل أغلبهم الجنسية الأمريكية.
استفاد الحوثيون من ذلك كثيرا، سواء من وراء الأموال الطائلة التي يحصلون عليها بعد نجاح الوساطة العُمانية وإفراجهم عن الرهائن، أو من خلال تقوية موقفهم السياسي وممارستهم للابتزاز بتوظيفهم لهذا الملف لخدمة انقلابهم.
العلاقات اليمنية العُمانية
ترتبط عُمان بعلاقات قديمة مع اليمن، كونهما من أقدم الدول في شبه الجزيرة العربية، ومرَّت بمراحل شد وجذب، لكنها سرعان ما تطورت بشكل غير مسبوق عقب توقيع اتفاقية الحدود المشتركة بين البلدين عام 1992.
تعد السلطنة واليمن بلدين جارين، تربطهما حدود مشتركة طولها قرابة 288 كيلو متر من جهة الشرق، القرب الجغرافي بين البلدين أثر على ثقافة الشعب العماني واليمني وباتت تتشابه إلى حد كبير، فارتقت العلاقات بينهما على مختلف الأصعدة.
عملت عُمان أيضا على دعم اليمن كثيرا، وكانت من أكثر الدول التي حثت على ضمها إلى مجلس التعاون الخليجي، لإدراكها أهمية ذلك، ودوره في الحفاظ على أمن واستقرار دول الخليج.
الدور العُماني المأمول في اليمن
يتفاخر الساسة العمانيون بقدرة قيادة بلادهم على خلق حالة من التوازن في تعاملهم مع مختلف الدول، وأكثر الملفات الشائكة في المنطقة، منها الملف اليمني.
حظيت عُمان نتيجة لتجنبها تلويث يدها بدماء اليمنيين بمكانة كبيرة لدى الشرعية والانقلابيين، والأهم من ذلك عند قطاعات الشعب اليمني الذي خذله الجميع، وباتت هي الطرف المخول للقيام بدور يُنهي الأزمة الحالية.
تتجه البوصلة نحو عُمان، ما إن يتم البحث عن السلام في اليمن وإيقاف الحرب، ويمكن أن تتدارك السلطنة الوضع في البلاد بالخروج بحلول تُوقف نزيف الدم اليمني، وتضع حدا للمشاريع التي تعمل عليها بعض الدول وتهدف إلى التقسيم، فاستمرار الصراع يجعل البيئة خصبة لتنفيذ ذلك وتحويل اليمن من دولة دخلها التحالف وربما يخرج منها وهي مجموعة دويلات متحاربة وغير مؤهلة لحكم البلاد.
تمتلك عُمان مقومات إيقاف الحرب في اليمن، لأنها دولة لا تمتلك أي أطماع في البلاد، وبعلاقاتها وانفتاحها على مختلف الدول تستطيع أن تعمل على رأب الصدع، وكسب تأييد المجتمع الدولي لتوفير أرضية يمكن البناء عليها من أجل السلام.
كذلك فإن من شأن استقرار اليمن أن يحافظ على أمن عُمان، فأي متغير يطرأ في البلاد كالتقسيم أو استمرار الحرب، أو تغذية التطرف سيؤثر كذلك على السلطنة.
بارقة أمل
يتطلع الكثير نحو عُمان لتنجز صلحا تاريخيا بين الشرعية والانقلابيين، بعد أن أصبحت البلاد ساحة حرب جراء التمرد الحوثي في اليمن
ويقول المحلل السياسي فيصل علي إن إنقاذ اليمن من الحرب العدمية التي تعيشها البلاد صارت مهمة مقدسة.
ويأمل في حديثه لـ"الموقع بوست" أن تتحرك عُمان سريعا لإنقاذ اليمن، من حرب باتت تُعرف بتصفية خصومات طائفية على حساب الشعب اليمني، حسب قوله.
وعلى عُمان -كما يذكر علي- أن تعمل على تدعيم موقفها السلمي لأجل اليمن، بتعاطف الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وألمانيا وفرنسا بالتحديد.
وأكد أن دخول الخليج في مرحلة صراع جديد أنهى التحالف، بالإضافة إلى ذلك فقد أضَّر بالشعب اليمني تدخل دولة في الجنوب بطريقة لا تخدم الشرعية (في إشارة إلى الإمارات العربية المتحدة).
وأشار في ختام حديثه إلى أن قبيلة "الأزد" السبيئة مكون واحد، وهو ما جعل عمان واليمن دولتين ذات تاريخ واحد، وطباع متشابهة.