[ مقاتل حوثي على أحد العربات العسكرية التابعة للمليشيا ]
في الوقت الذي يعيش فيه اليمنيون مرحلة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخهم، ولا يقوى نحو تسعة ملايين شخص على العيش بدون المساعدات، يظهر الثراء الفاحش لدى قيادات مليشيات الحوثي، كأبرز ثمار انقلابهم على السلطة.
وأنت تعبر شوارع صنعاء الرئيسية والأحياء السكنية، ستلاحظ عشرات إن لم تكن مئات من المشاريع التجارية التي استحدثت وافتتحت، بل إنك في نفس الوقت ستلاحظ مشاريع مشابهة يجري استحداثها وبناؤها في ذات الوقت.
محطات نفطية جديدة، ستلاحظها وقد تم إنشاؤها بشكل تظهر عليها الضخامة والثراء، وإلى جانب ذلك عشرات من محطات الغاز التي انتشرت بشكل كبير وملفت، وإلى جانبها محلات الصرافة التي هي الأخرى الأكثر افتتاحا والتي تكاد أن تحضر في كل شارع كبيرا أو صغيرا.
يقول أحد سكان حي النهضة لـ"الموقع بوست": "محلات الصرافة هذه التي تم افتتاحها معروف أنها تابعة للحوثيين وأنصارهم وقياداتهم، وقد برزت في الفترة الأخيرة بشكل كبير خصوصا بعد ارتفاع الدولار واستمرار تدهور الريال اليمني".
ويشرح الرجل: "أعرف خمسة محلات صرافة في إطار المربع الذي أسكنه في مربع النهضة والمربع المجاور حي الحصبة، افتتحها أشخاص يعملون مع الحوثي وهم قيادات كبيرة بعضهم من صعدة وبعضهم من حجة وعمران".
والسؤال الذي يطرحه المواطن: "من هو بالله عليك من سيأتي هذه الأيام ويفتح محل صرافة في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب وفي ظل هذه الظروف التي ضربت الشجر والحجر، غير الحوثيين الذين هم وحدهم من يمتلكون المال هذه الأيام وهم من يفتتحون المشاريع التجارية ويفعلون كل شيء؟".
لماذا محلات الصرافة
يجيب (خ. ج. ز) صاحب محل صرافة: "فعلوا محلات صرافة بهدف الربح السريع الذي يأتي مردوده بشكل يومي، هذا أولا وثانيا الذين افتتحوا محلات الصرافة بالتأكيد يمتلكون أموالا وعملات بالدولار، إلى جانب ذلك التلاعب بالدولار وارتفاعه بلحظة بنسبة مهولة وانخفاضه بنسب متفاوتة".
وأما لماذا محطات الغاز والنفط؟ فيفسر المواطن داؤود الشرفي قائلًا: "لأن الغاز بيدهم وكذلك النفط، وهم من يتحكمون بموارده، ولذلك فهم يعملون على ارتفاع أسعاره بين اليوم واليوم، ولهذا عندما يرتفع سعر الغاز والنفط، يكسبون من الجهتين من جهة المتحكمين الرئيسين، ومن جهة ثانية الذين هم تحتهم الذين هم أصحاب هذه المحطات".
وعلى الرغم من التحالف مع حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، إلا أن الحوثيين احتفظوا بقيادة المؤسسات الإيرادية، ورفضوا التفريط بها، كما هو حاصل في الصراع على مؤسسة التأمينات والمعاشات ومؤسسات أخرى كثيرة.
وبالإضافة إلى الابتزاز الذي مارسه محمد الحوثي، بحق مئات التجار اليمنيين وجباية مبالغ مهولة، دخلت قيادات حوثية عالم التجارة والاستثمار.
ميناء الحديدة
مصادر مطلعة قالت لـ"الموقع بوست" إن محمد علي الحوثي قام بإنشاء شركات نفطية لاستيراد المشتقات النفطية وبيعها في السوق السوداء، مقابل تهميش دور شركة النفط الحكومية التي كانت معنية باستيراد الوقود لليمن بشكل عام، كما اتخذ الحوثي من محافظة الحديدة الإستراتيجية ومينائها مقراً دائماً له ولتجارته، وأجبر تجار استيراد على الدخول معه في شراكة.
وطبقا لمصادر موثوقة، فإن الرجل ظل في الحديدة بعد إعفائه من رئاسة اللجنة الثورية وتشكيل المجلس السياسي من قبل الحوثيين والمخلوع صالح، توجه الرجل نحو الحديدة للتنسيق التجاري الخاص به وإدخال تجارته عبر الحديدة بدون ضرائب وبسهولة، كما عقد صفقات مع بعض التجار هناك.
وإلى جانب محمد علي الحوثي، هناك الناطق الرسمي للحوثيين محمد عبدالسلام، والذي اقتحم هو الآخر عالم التجارة، وقام بفتح شركة نفطية وأخرى للاستيراد باسم شقيقه، ومقرها في محافظة الحديدة.
وفي العاصمة صنعاء، كانت المؤسسات الإيرادية والبنوك الحكومية والخاصة، هدفاً لكبار مافيا الحوثي، حيث قاموا بنهب الأموال الموجودة في صندوق النشء والشباب، وصندوق التراث والتأمينات، إلى جانب ذلك مبالغ نهبت من بنكي "التسليف الزراعي" و "الإنشاء والتعمير".
وطبقا لمصادر في بنك التسليف الزراعي، قام الحوثيون بتعيين قيادات جديدة موالية لهم في البنكين الحكوميين، واستبدال كافة مدراء العموم والقطاعات الاقتصادية، حيث بلغت المنهوبات من بنك "التسليف التعاوني" 28 مليونا، و17 مليونا من "الإنشاء والتعمير".
وسيطرت الجماعة المسلحة على موارد الدولة، كما أحكمت السيطرة على البنك المركزي اليمني.
ووجهت الحكومة اليمنية اتهامات للحوثيين باستنزاف الاحتياطي الأجنبي للبلاد 4 مليار دولار. وتلقى الحوثيون قرابة 981 مليار ريال يمني العام الماضي كإيرادات (حسب الحكومة اليمنية)، كما يسيطر الحوثيون على الاقتصاد الرسمي للدولة والاقتصاد الموازي ويجنون يومياً 3.5 مليون دولار يومياً كعائدات ربحية من بيع المشتقات النفطية، حسب تحقيق سابق لـصحيفة محلية.
العقارات ملمح آخر
إذا كنت أحد سكان العاصمة صنعاء، فإنك ستلاحظ أعمال البناء في الشوارع وفي الأحياء السكنية تجري على قدم وساق وعلى مدار ساعات اليوم، بعض البنايات تظهر عليها ملامح أنه سيتم افتتاحها كمشاريع ومولات كبيرة، وبعضها يبدو أنه سيتم استثمارها بطريقة الإيجار وما شابه.
إلى جانب ذلك ستلاحظ، وأنت تعبر بعض شوارع صنعاء، خصوصا في مناطق الأطراف، تسوية وتسوير أراضٍ كبيرة وتخطيطات واسعة.
وظهرت ملامح الثراء الحوثي بشكل بارز في صنعاء، فبالإضافة إلى الاستيلاء على عشرات الفلل في حي حدة وخصوصا التابعة لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، ورجل الأعمال حميد الأحمر، قامت قيادات الانقلاب بتشييد عدد من الفلل والعمارات الضخمة في أطراف العاصمة.
تحدثنا إلى أحد سكان صنعاء بطريقة عفوية، التقيناه بالقرب من أحد تلك المشاريع التي يجري تجهيزها، فسألناه: من هو الذي لديه أموالا ويبني مثل هذه البنايات الضخمة؟ أجاب بعفوية مطلقة: "أيضا الحوثي وشلته هم من يبنون البنايات ويشترون السيارات الفخمة والفلل"، وأضاف: "هذه رواتب الناس التي قطعوها وميتوا الشعب من الجوع".
ويقول حسن الحجي، وهو موظف حكومي في صنعاء، لـ"الموقع بوست": "عندما نشاهد تشييد أي بناية هذه الأيام أو افتتاح مول تجاري أو محل صرافة أو محطة نفطية نعرف أنها تعود لقيادي حوثي أو ممن يسمونهم بالمشرفين الأمنيين، لأنه لا أحد لديه الأموال في اليمن حاليا سواهم".